مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 22:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اللعنة الأبدية و الجريمة الفتاكة : التذكير الدائم بأكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث ليست رفاهية !!
بكتابة هذا المقال ، يمر ١٢ عامًا على تاريخ أحد أسوء ٣ أيام في مصر ، و سوئهم ليسوا غير في كونهم ينضحون بالدماء المراقة ظلمًا و زورًا ، حتى تحولت تلك الدماء لمجموعة بشعة من اللعنات الأبدية مسببة حالة من الانقلاب المدوي في كل شيء بدءًا بالاقتصاد و انتهاءً بتحويل مصر لحالة الرجل المريض إبان تدهور الدولة العثمانية في نهاية عمرها و سقوطها النهائي .
و من الجدير بالذكر أن حصيلة الأيام الثالثة منذ ١٤ أغسطس و حتى ١٦ أغسطس كانت كفيلة بأن تجعل البلاد خرابة بطريقة أكثر تدمرًا من حالة غزة الحالية ، لما واكبتها من جرائم مبكية لا تنصف غير جرائم حرب ، و جرائم ضد الإنسانية لمدة وقتية لا تتخطى على الأقل ٤ ساعات متواصلة من الإطلاق الناري و القنص بطلقات مميتة و التمثيل بالجثث و حرق المساجد و المستشفى الميداني ، ما خلف عدد غير متفق عليه من فجر الجرائم و صعوبة الوصول لهوية الجثث و الطرق البشعة المحاصرة للمعتصمين بحيث من يخرج حيًا إما عبرة طويلة و راسخة أو مصدر قلق و صدمة دموية تظل في الأذهان .
و ما يزيد الأمر بشاعة هو ذكريات الشهود ، مثل براء أيمن و فجر عجاج ، و حتى اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي أعلنت بكل شفافية واضحة أن يوم الفض و ما تلاه في تقريرها لرئاسة الجمهورية ، و التي حصلت عليه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية و المشرف عليها القاضي فؤاد رياض ، الذي أكد فيه أن الفض تم ، كما هو معلوم بالضرورة ، بالقوة الغاشمة و المفرطة التي تدل على وجود نية مبيتة لدى النظام المصري لهندسة المجتمع الحالي ، مجتمع التشظي المدوي ، و الانقسام الحاد الممزق لأوصال الأسرة الواحدة .
علاوة على ذلك، لم تحصر جرائم النظام الغاشم و الفاجر بيوم الفض فحسب إذ سبقته و تلته العديد من الجرائم البشعة و المؤلمة الفاجعة المفجعة التي لا تقل شيئَا عن دكتاتوريات العصور الوسطى و الغابرة مثقال ذرة من خلاف عليها في كيفية القتل و الاستمتاع به ، و مساومة الأطباء على حياتهم ، فضلًا عن القنص و القتل من طلقة واحدة ، و لو كان الاعتصام مدججًا بالسلاح لفر الضباط القناصين و أفراد القوات الخاصة ، و كانت الدبابات أخليت عن بكرة أبيها ، و عكست الطائرات اتجاها للعودة من حيث أتت لجبن كل هؤلاء من المجاهدين الحقيقين و خواء عقيدتهم .
و لهذا ، فإن التذكير بكل هذه المجازر و المذابح يأتي من ضمن التوثيق التاريخي، و توارث الأجيال دروس عظيمة و جليلة مثل العدل أساس ضبط موازيين الكون ، و قيام الدول و تقدمها السريع ، غير لعنة الدماء الهدامة و الممتد ظلمها و غيها للجميع حتى و إن حفر في الجدار منزلًا ليسكنه و يؤوي به ، فالعدل وفقًا لشيخ الإسلام ابن تيمية و العلامة ابن خلدون هو الأساس الناهض بالدول المنطلق بزمامها لركب الحضارة ، و يا ليتها وقفت اللعنة المخزية و العميقة عند حدود تلك الدولة الظالم أهلها ، لتنتقل لغزة بيد نفس القاتل و نفس الطريقة الإبادية .
من رابعة لغزة :القاتل و الهدف متطابقان تطابق التوأم .
أتعلم ، عزيزي القارئ ، أن لم تتم مجزرة رابعة و توابعها اللاحقة ، لم نكن لنرى إبادة غزة الجماعية على الهواء مباشرة، لإن ببساطة شديدة الصهاينة تشجعوا و تقووا بالمناخ المستكين للمصريين بحق ، مناخ عام مغلق مكمم يضاهي صمت المقابر في طريقة سكوته المخزية ، لإنهم لم يتعلموا من الفض غير الحجج البالية اجتماعيًا ، مع تصدر تبريرات المنافقين و المنتفعين آنذاك بأن هدف الفض "استقرار النظام، و الحفاظ على بقاء الدولة"، و يكفيهم رد المستشرق الشهير شاخت في أن استمرار دولة الإسلام قام على وجود نظام "عدالة و قضاء ناجز شفاف ".
و ساهم هذا اليوم بشكل عميق و غائر في تحويل مصر لدولة تابعة ذليلة متسولة ، تحتكر أمانها القومي في زمرتها الحاكمة المكونة من 6 دوائر حصرًا ،وفقًا للباحث الرئيسي نزيه صايغ الذي استعرض باستضافة مطولة عن طريق 6 " عصابات " بمعنى أدق ، و لا يتوقف ذلك التأثير الإجرامي عند مجرد مجال فرعي أو هامشي بل يتمدد لتصل لحرب غزة لا بوصفها محاصرًا لها فحسب بل معززًا قويًا و مشجعًا هامًا يحث الكيان اللقيط الإسرائيلي لإكمال الحرب الإبادية بمنتهى الراحة و التلقائية المستمرة في القتل و غيره من الفظائع البشعة.
كما انتقل مستوى التبادل التجاري لمستوى قياسي ضخم كبير من التصدير للأسمنت للمساهمة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية التي قفزت بنسبة تتراوح من ٤٥ :٦٠ %أسرع و ذلك بفضل الصادرات الأسمنتية التي وصلت ل٥٤٠٠% بصورة جعلت الدولة العربية الإسلامية الأكبر ديموغرافيًا ينتقل من مرحلة المتفرج الصامت لمشهد المتخاذل المنبطح ، غير طبعًا تغطية نصف تكاليف حرب الإبادة كاملة في صفقة ملعونة كارثية قدرت ب٣٥ مليار دولار سنويًا حتى عام ٢٠٤٠ ، ما يضع أمن مصر إستراتيجيًا و طاقيًا في يد الاحتلال الإسرائيلي و تحت رحمته المباشرة هو و شركة المليادير الصهيوني المتطرف إسحاق شوفبا المشارك في جميع الحروب منذ النكبة حتى النكبة الثانية ١٩٦٧ ، فضلًا عن مشاركته في بناء خط بارليف كونه كان في سلاح المهندسين .
و في هذا الصدد، يفاجعنا الباحث و الأستاذ الفخري لدراسات الإبادة الجماعية عومير بارتف في حوار ثري مع اسحاق شوستر بأن المشاركة في التجارة العالمية مع الطرف المبيد بحق لهو مشاركة مباشرة في الإبادة الجماعية بشكل ملتصق بها ، لكن مع تزايد الضغط الشعبي على الحكومات الغربية اضطرت تلك الحكومات كلها للعودة لنغمة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي أثبتت أنها دولة وهمية أو كما تقول الباحثة سمية الغنوشي في مقال لها على موقع ميدل إيست أي "دولة افتراضية "، و حتى الآن لم تشارك مصر ما بعد الفض في أي دعم طفيف أو خفيف أو حتى مصطنع بهدف رفع الجرح عن البلد الجار لها في أكبر إبادة جماعية منذ البوسنة و الهريسك في ١٩٩٨ م.
في هذا السياق المرير ، عندما خرجت الرصاصة الأولى من فوهة البندقية الأولى لفض اعتصامي رابعة و النهضة، و برر ذوي القلوب المريضة ، و العقائد الفاسدة و المنافقين و المنتفعين لمبررات الفض بالقوة الغاشمة و القمع الوحشي ، كانت النتيجة الحتمية حاليًا إبادة جماعية لمليوني شخص على الهواء مباشرة لإن القاتل واحد في الحالتين سواء في حالة عبد الفتاح السيسي أو نتنياهو عديمي الإنسانية مجرمي الحرب ، و الذي أنتج "إرثًا ثقيلًا "في الحالة الحالية لمصر وفقًا للباحث ماجد مندور ما يطرح سؤالًا ملحًا يكمن في أين السبيل للخروج و كيف قبيل إكمال دفع فاتورة اللعنة الثانية "دماء أهل غزة"التي ستدق آخر مسمار في نعش مصر العسكرية لتنتج حالة مجهولة ضبابية تضاهي جميع احتمالاتها الحالة ما قبل تحرير سورية .
العدالة الناجزة برد الحقوق و نسف العسكرة : التخلص من إرث محمل بالأشواك المميتة .
بشكل عام و شامل ، يشكل التخلص من النظام العسكري المصري بداية فعالة و حقيقة لاقتلاع اللعنة الدموية التي كلفت البلاد وقتًا عظيمًا و تكلفة باهظة على كافة المستويات العملية التي انحدرت بالبلاد لمستوى غير مسبوق في تاريخ مصر المعاصر ، بل أن عصري مبارك و السادات حققا معادلة أفضل من العدالة الناقصة.
فقد تحولت العدالة الطبيعية ها هنا لمجرد أداة لتصفية الحسابات العادية و المجاملات السياسية ، الأمر الذي أعاد هندستها مرة أخرى لا باعتبارها حقوق ترد و تأخذ لكن وسيلة وقتية هدفها إثبات هيبة أو تحقيق موقف معين معلوم الأهداف يكمن في ضبط الأمن السياسي و تحقيق الأمان البوليسي للنظام الذي سبق و قلنا أنه لا يود له أن يصلح بنية خالصة و إجراءات حقيقة على أرض الواقع لإن ببساطة أي شعاع ضوء سيفكك المنظومة الفاسدة بأكملها .
و ليس هناك نقطة بداية تستطيع أن تبرز الخلل الفاسد في تلك المنظومة الطاغية سلسلة جرائم الفض المروعة التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك عن النظام الفاجر و الغشيم الذي لا يمنع مطلقًا قتل شعبه بمنتهى السلسلة و اليسر لمجرد معارضتهم السليمة و احتجاجهم الشرعي و القانوني ، في إشارة واضحة الدلالة لتحول مصر لثكنة عسكرية فاشية تنطبق فيها الأوصاف الدقيقة لباحثي العلوم السياسية في تشريح الفاشية بطريقة مفصلة كما أكد جورجيو أغامبين في كتابه فتنة و روبرت باكسون في كتاب تشريح الفاشية معتبرين الشعب فيها العدو المحتمل و يحل إهداره المطلق و قمعه المفرط ليدخل الحظيرة القذرة مرة أخرى .
و يتطلب هذا مشروعًا طويلًا من النصال الشعبي الطويل عبر آليات معقدة لكنها بسيطة للغاية في كيفية تخطيطها و تطبيقها المحدد على كافة المجالات من السياسة الداخلية للاقتصاد الاجتماعي الذي يشغل الناس و يحرك حياتهم ، معتبرين أنه أهم و أجدر بمراحل من القيم الرفيعة و الجوهرية المعبرة عن رفعة الأمم و سموها أو كما أكد مالك بن نبي في كتابه الظاهرة القرآنية أن القرآن " يؤسس مركزية " الأخلاق لكثرة الأحداث الفارقة و الإيمانية الدائمة في التاريخ الإسلامي عامة ، و عصور التخبط و الانحطاط خاصة التي تنحدر فيه الصلابة الأخلاقية و الالتزامات الصادقة بها ، فيطغى الاستبداد السياسي أو الثيوقراطية التي تعد نقاط سلسلة و سهلة للغاية في النقد المنهجي أو العامي الخالي من أي تأصيل منهجي سواء علماني أو شرعي ,
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟