|
قوافل الصحوة الأخلاقية و الفضح المعري للضمير الدولي الميت :مادلين و الصمود نجحتا في مهمتهما .
مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 21:17
المحور:
القضية الفلسطينية
من الحرب الباردة لقافلة الصمود : تاريخ من الكرامة و التذكير الدائم بالقضايا الأساسية.
لم تكن السفينة مادلين و قافلة الصمود المحاولة الأولى تاريخيًا لمحاولة فك الحصار سواء في الحرب العالمية الأولى و الثانية أو في تجارب مماثلة وصلت لكل الدول بمختلف القارات مثل الإنجليزي و الأمريكان بعدهم و البوشناق المسلمين ، لعدة أسباب إنسانية و نبيلة على رأسها محاولة التذكير الدائم بالقضايا الحاضرة في وقتها بامتداد ضخم ، وواسع النطاق بصورة تفيد القضية المقصودة بشكل أكبر و أعظم من أي هدف مخطط له من أي حليف قريب .
ففي كتاب تدمير القافلة بي لي ٠٧ ، يطرح المؤرخ و الكاتب الإنجليزي ديفيد ليفرنج أن انجلترا و فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية فك حصار بولندا و هولندا بعدما احتلها هتلر في مارس ١٩٤٢ ، إلي أن نجحت بالفعل في إنهاء الحصار الغاشم الواقع على أهالي بولندا و هولندا ، لكن اللافت للنظر مدى إصرار تشرشل على إرسال السفن البحرية بالمؤن الإنسانية و الإغاثية اللأزمة "دعمًا للمحتلين "حتى و إن لم تدخل للدول ذاتها ، فضلًا عن رمزية الحركة الفعالة و دلالاتها القوية التي حملت صفعة قوية للنظام النازي و الفاشي من دون إطلاق رصاصة واحدة .
و بالانتقال من تشرشل لروزفيلت لنجد تكرار نفس التجربة مع ألمانيا الغربية التي حوصت من ألمانيا الشرقية أعقاب الحرب الباردة، أي بعبارة أخرى كانت حركة ضغط قاسية من الاتحاد السوفيتي آنذاك ، فقامت الولايات المتحدة بفك حصار ألمانيا الغربية بمبادرة إنزال جوي قوية لما لها من تأثير إنساني و فعال بضمان معنوي يسندهم ، و لضمان وصول الرسالة الدائمة جعلوها كل ٣٠ثانية لتسقط مساعدات تشمل بضائع و أساسيات الحياة من غذاء و لبن أطفال و دواء مزودين إياهم بأمل كبير فضلًا عن الصمود المدعم و القوي ، بل أن الاتحاد السوفيتي بعدما قتل من ١٧٠ ألف ل٣٥٠ ألف شخص ألماني غربي .
و أما بالنسبة للبوشناق في البوسنة و الهريسك ، فرضت القوات الصربية و الكرواتية حصارُا غاشمًا على العاصمة سراييفو ٤ سنوات من ١٩٩٢ ، ١٩٩٦ ذاق فيهم المسلمين البوشناق مرارة الجوع ، مع آلام الفقد الصعبة إذ تعرضوا لمذبحة سبرنيتشيا البشعة التي تعد من أكبر الإبادات الجماعية المعمول بها في العصر الحديث، فحفر البوشناق للمحاصرين نفقًا أسموه "نفق الحياة" الذي عمل على نقل النواقص و المفقودات من الأساسيات اليومية مثل الدواء و الوقود ممثلين بذلك خير سند و كرم الدعم ، حتى قال الفيلسوف الإسلامي الراحل و أول رئيس للبوسنة و الهرسك على عزت بيجوفيتش في سيرته الذاتية أن المسلمين المتوحدين هنا "كما ينبغي فهم جسد واحد متناغم ".
من هنا ، فمن الضروري إدراك أن أغراض تلك الأمثلة السلسلة و البسيطة يكمن في الدلالة الرمزية و الدعم الدائم للقضايا المحورية و الأساسية التي تواجه الشعوب باختلاف جنسيتها ، فضلًا عن جعلها صحوة للسبات الطويل تجاهها ، متخطية كل أشكال التضامن الباهتة الحقيقة التي لا تغني و لا تثمن من جوع ، لإن الرمز المعنوي الذي يحدث فرقًا و يكسر حاجز الصمت المذل و العجز المهين ، لتنطلق من تلك القيم الرفيعة تاريخ ملحمي طيلة ال١٥ عامًا الماضية فقط لبوصلة الأمة و طريقها الأول فلسطين ، حتى خطف مادلين و منع قافلة الوصول يومي الأثنين و الخميس ٩ و ١٢ يونيو الحالي .
من مرمرة لمادلين :حينما تكسب الضمائر الحية الأنظمة الاستبدادية .
تعددت السفن و القوافل برًا و بحرًا ، لكسر الحصار عن غزة بالفعل ، باعتبار أن غزة عانت من هجومًا خبيثًا في ٢٠١٠ لإن إسرائيل أرادت وقتها القضاء على القيادة الماسكة بزمام الأمور ، فانطلقت السفينة مرمرة كمحاولة أولية حقيقة بعد إغلاق مصر كعادتها القذرة و الحقيرة إغلاق المعابر و بناء الجدار الفولاذي ، فلم تتنظر عربدة إسرائيل وصوله بحرًا لميناء غزة حتى قصفتها بمنتهى القسوة و الجبروت لاعتبارها "خطرًا على أمنها العام ".
مع استمرار صخرة الإرادة المتماسكة و العزيمة القوية، انطلقت قوافل أخرى من تركيا و أمريكا و أستراليا بصورة دورية سنويًا من ٢٠١١ ل٢٠١٥ ، مع مواجهتها بنفس الطريقة الحقيرة من إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة المصريين الذي انطلقوا بعد فقدان المجلس العسكري المتصهين قبضته على البلاد ، فانطلقوا بقافلتين برية اخترقت السياج الفاصل ، و السفارة الإسرائيلية في القاهرة، غير الهتافات المبهجة و الحقيقة من القلب و البطولية التي تتأهب لمقاومة صلبة تقول لإسرائيل كلا هذا الشعب حي نابض لم يمت ، فعلى إثر حالة الزخم الناتج من حالة التضامن العملي و العضوي أوقف الاحتلال عدوانه على غزة في عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢م.
أما بالنسبة للسفن التالية ، فأتت قليلة بعد إغلاق المجال البحري و إحكام الحصار الحقيقي من نظام السيسي وسط مجتمع دولى عدالته ظالمة ، و ضميره ميت حتى كتب الصحفي ديفيد هيرست رئيس تحرير ميدل إيست أي في صحيفة الجارديان البريطانية أن "الجهود المبذولة "في تلك المحاولات البائسة هي بالأساس ضعيفة لدرجة ألا ترى أو حتى يرى رمزيتها الحاسمة على العدو ، إلا أنها أتت بأكلها حتى ٢٠١٥ برغم منعها من دخول المياه الدولية الواقعة بين غزة و مصر لإثباتها الجازم بأن الضمير الحي و الحر يتفوق على الاستبداد الباطش و الوحشي الممتد لعقود .
فهذه القوافل و السفن ما هي إلا رسالة دامغة و أخلاقية قوية وقتها على أن غزة و فلسطين كلها قضية أساسية، و محددة لمستقبل و مصير المنطقة بغض النظر عن الدعاوي الضالة و المواقف المخزية التي لا تزيد الناس إلا غضبًا و حنقًا ، فضلًا عن كونها حدثًا رئيسًا في مجريات الأمور ، لكن تأثير مادلين و قافلة الصمود أتى بأضعاف التأثير ، فهما فحسب لم يذكرا بغزة أو على الأقل كسروا حاجز الصمت، بل كانت فضحية لضمير دولي بلغ من التواطؤ أعلاه ، و من الخيانة عنان السماء ، فالحرية و الضمير و الشرف كلها تسعى نحو بوصلة أساسية وقف العدوان الوحشي البربري على غزة .
فبتلك الأهداف النبيلة رسمت السفن طريقها بنفسها ، فجعلت بوصلتها الأساسية و وجهتها الرئيسية تجاه غزة بأقل القليل ، و سعي بسيط غير مطالب بالغرور الإعلامي أو تسليط الضوء عليهم بغرض الشهرة أو حتى البطولية أو إظهار الفدائية ، غير أن مادلين و قافلة الصمود غيرتا المعادلة بصورة دورية و جذرية للأبد لإنها أول الغيث المطير و صحوة قيمية تتنفس الحرية ، و المواجهة وقود المقاومة و الشهادة كما اتفقا الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقال ثقافة المقاومة ، و كذلك طارق البشري في كتاب أمتى في العالم بصورة حركية مؤثرة بحسم .
مادلين و الصمود:الصرخة المستحقة في عالم جديد داعم للقضية الفلسطينية!!
في روايته عالم جديد شجاع، يطرح الفيلسوف الأمريكي و الكاتب المخضرم البارع ألدوس هكسلي العالم الجديد الذي يواجه الأمور بمنتهى الجدية و الاستموات المقاوم للتقاليد الجامدة ، فينتهى باختصار بانتصار القيم الجديدة لآنها فقط شجاعة الطرح ، و جريئة التطبيق بحق فسرى الأمر ذاته مع السفينة مادلين و قافلة الصمود مع اختلاف أساسي و جوهري ، يكمن في الهدف الواضح الصريح الذي لا لبس أو غموض كبير فيه ، مع انطلاقهم من قاعدة صلبة صهرها القصف و زكاها الدماء ، فقلب العالم شعوبًا كافة بكامل فئاتهم و تصنيفاتهم لصالح وقف الإبادة الجماعية.
و تسترسل في ذلك الموقف الكاتبة سمية الغنوشي في مقال لها تحت عنوان "سفينة النجاة لغزة:هكذا استطاعت أن تؤثر في العالم "بأن فضحت العجز العالمي و الصمت العربي المخزي و كسرته بالكامل على رؤوس الأشهاد فقط عن طريق ١٢ شخص، فضلًا عن كشف حقيقة المجتمع الدولي الخائن و المنقلب على حقوق الإنسان الخاص به فقط لإرضاء مصالح استعمارية حقيرة تقترب من درجة حساسية الهولوكوست ، بل أشد ألمًا لإنها تبث على الهواء مباشرة مع إسقاط آخر أوراق التوت التي تستر عورات العالم ، و خاصة الدول العربية التي أثبتت حتميًا أنها عدو ضروس للقضية و المقاومة باعتبارها فكرة و منهجًا كما ألمح البروفسور اليهودي سينث أرذوكسيا في كتابه "ردع فلسطين:تاريخ سياسي من كامب ديفيد لأوسلو".
فالنتيجة الأخيرة جاءت كالتالي بالنسبة للسفينة مادلين في معادلة بسيطة سلسلة تفيد بأن الحقيقة الوحيدة التي تبحث عن أي وسيلة سليمة إنسانية لآنقاذ ٢مليون إنسان من حرب نتنياهو اللانهائية بحد تعبير محرر الشئون الأمريكية في مجلة LRBآدم شاتز فضلًا عن كشف وقاحة القادة الغربيين التي كشفتها جريتا ثورنبيرج خاصة بعد ردها على ترامب ، و ستيرمر و كل الحكومات الغربية في وقت شاق يعصف بالحكومات الغربية ليضعها مجددًا في حجمها الطبيعي و مكانتهم المستحقة فقط "خونة و إمبراليين داعمي قتل الأطفال ".
و قد تحقق نفس منظومة المواقف بحرفية عالية من تنسيقية العمل المشترك لأجل فلسطين في تونس عن طريق تنظيم قافلة برية لتدخل لمعبر رفح بعد عبورها البري في مسار رحلة قوبل بحفاوة كبيرة و ترحيب واسع من كافة شعوب الأرض لتظهر أن أورن زيف محررة مجلة 972 + لم تكذب في أوهام إسرائيل الإعلامية عند إطلاق سراح السفينة مادلين لكن عربيًا بخصوص خرافة إحكام غلق المعبر من الناحية الفلسطينية، تحت مسمى إجبار إسرائيل على غلق المعابر كافة مع فضح الحقيقة المخزية أن "حدود إسرائيل تنتهي حيث تقف القافلة " كما أكد الكذوب إيدي كوهين الذي قلما صدق في تحليلاته بنبرته الاستفزازية .
كما وضعت حملات التضامن العالمية شكلًا جديدًا لماهية الفجوات و شكل الفرق بين وعي الشعوب و النخب السياسية و الاقتصادية ، محققًا بذلك نبوءة المناضل الجزائري فرانز فانون الذي دعا في كتابه معذبو الأرض "لإنسان جديد "يجابه شتى أنواع الاستعمار للوصول لنهاية أساس الدول القومية الحديثة بطريقة مباشرة واضحة ، و برغم الانتقادات الموجهة لفانون في كتابه الجيد إلا أنه يظل متصلًا بعمق متفرد أكثر من أي وقت مضى فقط ليقول بوحدة المشاعر بالمستضعفين و المستعمرين و الشهداء و المعذبين سواء في حياته اليومية أو باحتلال قمعي عنصري يضع فقط أولوياته و مصالحه على حساب العالم أجمع بعقيدة توسيعية .
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد غزة :لا طقوس للبهجة ، و إنما طقوس للنجاة و البقاء .
-
ليلى سويف و آلاء النجار :المعتقل الكبير الذي يقتل بدم بارد ش
...
-
ليلى سويف و آلاء النجار ...المعتقل القاتل لشعبين ببرود
-
مقاومة المقاومة :الأردن خنجر حاد في ظهر غزة
المزيد.....
-
سفارة أمريكا في القدس تُجدد تحذير رعاياها بعدم قدرتها على مس
...
-
السعودية.. ظهور جديد لسعود القحطاني.. وتركي آل الشيخ يُعلق
-
وسائل إعلام إيرانية رسمية: طهران تُسقط مسيرة إسرائيلية بالقر
...
-
هذا الموقع تحت الأرض هو جوهر البرنامج النووي الإيراني.. إليك
...
-
ترامب يشن هجوما لاذعا على ماكرون بسبب تصريح -وقف إطلاق النار
...
-
رفع مستوى التأهب الأمني في منشآت القيادة الأمريكية بمنطقة ال
...
-
إلى أين تتجه العملية الإسرائيلية في إيران؟
-
DW تتحقق ـ صور وفيديوهات مزيفة عن التصعيد بين إيران وإسرائيل
...
-
هل سيخرج الدم الاصطناعي من المختبر قريبا؟
-
الدفاع الروسية: إسقاط 147 مسيرة أوكرانية بينها اثنتان فوق مو
...
المزيد.....
-
1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت
...
/ كمال احمد هماش
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
المزيد.....
|