مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 00:55
المحور:
القضية الفلسطينية
.
عيد الإبادة و القصف :حتى الأضاحى لم تسلم من القتل المعتمد .
حينما كانت الأضاحى تذبح و توزع في بقية العالم الإسلامي بمناسبة العيد ، واجهت غزة عيدًا من نوعًا أشد ألمًا لإنه عيد ليس فقط مخلوط بطعم الإبادة و الدعم بل كان عيد جراح غائرة بصورة مميتة افتعلها الاحتلال منذ يوم التورية للقول للمرة الرابعة للجميع أن جميع الفظائع الوحشية مستمرة ، فضلًا عن تنوع المجازر و تفاصيلها البشعة ، و المخيفة ليكمل مع أهل غزة العيد الرابع وسط القصف المدوي و التجويع و الجديد في السجل الأسود قصف الأضاحى و المزارع المشكوك بصلاحياتها للتربية .
فقد قصف الاحتلال الإسرائيلي في غزة ما لا يقل عن ٨ مزارع للتربية الحيوانية ، فضلًا عن مراكز المساعدات و التوزيع المعتمدة على خطة المساعدات المسممة خصيصًا لتنفيذ التهجير من الشمال للجنوب، و كذلك إنهاء فرصة حضور اللحوم ، لتكمل المجاعة الشديدة دورها بثالوث الموت البطيء و ارتفاع الأسعار و ندرة السلع بنبرة متغطرسة تنم عن رغبة حقيقة في الامتهان للضغط على أهالي غزة الأشراف من أجل خيارين لا ثالث لهما إما الاستسلام أو الانقلاب على المقاومة ، في مشهد عبثي لم يتعلم الاحتلال الإسرائيلي اللقيط من الحرب الدائمة أن الشعب مع المقاومة بصورة متلاصقة قوية للغاية .
علاوة على ذلك ، لجأ الاحتلال الإسرائيلي في لافتة حقيرة بعصابات أبي شباب ، و هو تاجر مخدرات و قائد ميليشات غزية محكوم عليه من القضاء بسرقة الأضاحى إما لبيعها في السوق السوداء أو تقسيمها على بعضهم البعض ، ما اعتبره البغض حتى من الإسرائيليين الصهاينة جرائم حرب مثل إيهود أولمرت و يائير جولان ، معتبرين أنها حركة لفرض الأمر الواقع و تثبيت المجاعة و خاصة في الأعياد للتنغينص المشوب بزرع اليأس المسيطر على النفس ، وصولًا للحلم المستحيل بنزع الكرامة و العزة عن طريق استهداف المنظومة البروتينية التي تم تجريفها الشامل و تدميرها بصورة لا يمكن تخليها .
و لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بمجرد تلك الإجراءات في المزارع بل وصل لامتهان استهداف المزارعين الحيوانين و مربي المواشي ، فقصفوا بيوت العائلات المربية في أيام العيد بكثافة وقحة في رسالة واضحة ، و تهديد سادي يشكل موجة استهدافية لمفهوم الغذاء نفسه ، و كذلك اعتبار البينة الأساسية للمزارع كدروع بشرية لحماس يحتمون بها ، أو يخفون الرهائن بداخلها ، ما يثير سخرية كبيرة من الصورة الهزلية للأمر إذ أن السؤال المطروح هنا كيفية استهداف حركة المقاومة للمزارع باعتبارها نشاطًا اقتصاديًا، لتحويله قسرًا لنشاط عسكري دون خطط بديلة أو تعويضية لأصحاب المزارع .
و ثم ، هناك عدة بدائل لدى المقاومة الإسلامية في غزة لاحتجاز الرهائن الصهاينة في الأنفاق ، لكنها حجة مكررة و باهتة الملمح لاستهداف أي مؤسسة حيوية مثل المدارس و المستشفيات و الآن المزارع ، حتى تدمر البنية التحتية بالكامل ، مع تحول الصورة الكلية للعيد لسلخانة لا للأضاحى و إنما للأهالي و الأسر من استهداف غاشم و ممنهج لها فضلًا عن سلاح التجويع المستخدم قسرًا ، ما يشكل انهيارًا كاملًا و تدميرًا شاملًا لمفهوم البينة الاجتماعية و التحتية و الأهم من ذلك خلق أرضية خصبة للإبادة الديموغرافية عن طريق التضحية بالأسر ما يحول عيد الأضحى لسلخانة حية للغزيين و ممارسة حية للطقوس للبقاء و النجاة
الإبادة السكانية في العيد:حين يتحول العيد لجرحى مفتوحة .
بشكل أكثر تفصيلًا، يحرص الكيان الغاشم لاستهداف الأسر الكبيرة تحديدًا في الأعياد، لمدة ٤ أعياد متواصلة لعدة أغراض استعمارية في المقام الأول ، منها على سبيل المثال قطع النسل للفلسطينيين كما قالت الناشطة الصهيونية في لحظة صدق نادرة ممزوجة بانحطاط كاره دفين للآخر "علينا ألا نبقى منهم نسل منعًا لمشاكلهم"، و من هنا يفسر السبب الكامن وراء استهداف أكثر من ١٠ أسر كاملة بمعدل من ١٢٠ ل٣٠٠فرد في خلال عدة ساعات ما يعبر بالضرورة عما أسماه جوزيف مسعد بالإبادة الغشيمة ، في تعبير عميق و تسمية دالة .
و في سياق متصل ، يطرح هذه الفكرة المفكر الاسترالي مارسيلو سفريسكي في كتابه ما بعد إسرائيل تحول ثقافي أن الإبادة و المحو متأصل بجذرية قوية ، تصل لدرجة التصريح بذلك ، فضلًا عن التربية العقدية القائمة على المحو الأبدي و الإزالة التجريفية ، ما جعل العيد خلال العامين عبارة عن عيد جرحى مفتوحة ، و شهداء و أشلاء ، فمن لم تستطع هزيمته عسكريًا أو عقديًا ، اكسره ضلعه الأعوج ، و أفراد أسرته العجزة و المسلمين كما تقول البروفسورة الإسرائيلية نورين بنت الحنان في كتابيها عن التعليم و أساليب التدريس في الكيان اللقيط.
و مع ذلك ، يحاول أهل غزة رغم كل شيء أن يحاولوا العيد لمناسبة بقاء و نجاة ، لإنهم يواجهون نسف وجودهم ، فهم في حرب وجودية على الاستمرار ، و لعل هذا ما يفسر المشاهد السارة و المبهجة لصلاة العيد مع الفرحة بعدة طرق منها ذكر الله و قراءة و تحفيظ القرآن في رسالة تحدي ، و صمود ندية ، برغم فخ المساعدات بمؤسسة غزة الإحلالية ، و عقد مصائد لاقتناص الجوعى ، حتى الأطفال المبتورة أطرافهم لم يسلموا من قصف الخيام الخاصة بهم ، في تأكيد صارخ على أطاريح مفكرين عدة يجزمون أن هذا حركة طارئة لرفع الحرج و الخجل المدوي صداه في الكيان و خارجه على رأسهم سمية الغنوشي و بيترو ستفياني و جوناثان كوك .
فمن خلال الصورة السابقة ، فمن الجدير بالتأمل و الذكر كيفية صعود الروح الخاصة بأهالي غزة ، و كأنها العنقاء التي تصعد من أكوام الركام ، و تراكمات الخراب المدمرة ، الممتدة بين جميع أطياف الأهل ، غير الزبادات الخفيفة لمقابر الأحباب من الأهل و الأصحاب ، و تلك الروح تنبض و تتنفس بأسمى معنى الاحتفال ، فضلًا عن حب الحياة بمعانيها الحقيقة بكرامة و عزة و شموخ و إباء فريد لا يجسدها فقط غير بيت محمود درويش الشهير "نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلًا "، و النجاة و البقاء تتحول من مردافين لمحاولة التكيف ، لمحاولة الحياة الغنية .
المقاومة أحضرت أعيادًا مجمعة:يد حمراء تثخن في الاحتلال .
مثلما يحاول أهل غزة الاحتفال بالعيد عبر الاستعانة بعدة طرق حيوية ، فالمقاومة احتفلت بطريقتها الخاصة بالعيد من خلال تحقيق عدة انتصارات ساحقة في الكمائن المعقدة و القوية في مناطق متنوعة و متفرقة منذ أول أيام العيد يوم الجمعة ٦ يونيو ، ما أحدث إرباكًا شديدًا و إيلامًا مبالغُا في صفوف الصهاينة ، جاعلًا القادة الإسرائيليين يغضبون و ينقدون نتنياهو و حكومته بحدة و شدة قوية أكثر من أي وقت مضى .
في المجمل ، شنت المقاومة المباركة كمائن مدوية في الداخل المحتل مثل حادثتي قتل ضابط الشرطة و المتطوع في الضفة الغربية ، فضلًا عن بيانين فارقين تحث فيه المقاومة ليس بصفتها المهزوم أو حتى المدافع الطبيعي عن نفسه بل لإن المقاومة هي من تعتمد على إدارة و تمركز المعركة و الطوفان كله ، مع الوضع في الاعتبار عجز الاحتلال الكبير عن تحقيق أي هدف منذ عامين على المستوى الشعبي و العسكري ، بل أن الحرب اللانهائية هزيمة مدوية في حد ذاتها للكيان اللقيط أو كما قال آدم شاتز و عاموس هارئيل المحلل العسكري لصحفية معاريف في مقال مطول لمجلة فورن آفيرز .
و بالتبعية ، قدمت المقاومة العديد من الأعمدة الفارقة في الصراع المحموم بين الصهاينة و الفلسطينيين لإنه لم يسبق أن تحكمت المقاومة في زمام المعركة بشكل مركزي ، و أحضروا العيد لبقية الشعوب العربية بتلك الكمائن الهائلة التي أثخن فيها العدو بشكل جعل الحريديم (مجموعة اليهود الأرذكوس) تهدد بحل البرلمان الصهيوني، و لهذا يهدد بتفكك الحكومة للإبد ، و من ثم محاكمة المتسببين عن تلك الخسائر الحربية الرائعة ، التي جعلت الحكومة الصهيونية توجه إذلالها للسجناء و المعارضين الإسرائيليين من نفس الكيان كما روت الصحفية أورن زيف في مقال مطول على صفحة "972+"بتفاصيل مثيرة و أحداث دقيقة .
فيشمل كل تلك المباهج المريحة للنفس ، و النابضة للروح ضمن ثقافة رسخت على مدار ٧٧ عامًا من الاحتلال الوحشي و كذلك التعلم المباشر و الاحتكاك بالتجارب السياسة كافة ، من مختلف التيارات السياسية و الفكرية و العسكرية ، مجربًا الحل السياسي الفاشل في أوسلو ، و سبل المقاومة الموجعة لغزة ، و الاحتلال بدرجة أكبر لما لها من حمولة ثقافية ثقيلة و رصينة ، لعل تلك الثقافة الموجهة لحل أساسي ، ووحيد في القضاء المطلق ، و فناء الاحتلال ، و تكوين التطلع الفلسطيني القديم بتكوين دولة مستقلة أي بعبارة المفكر الكبير منير شفيق التحرر الكامل لفلسطين.
تشكلت هذه الثقافة الرصينة ، و الرفيعة نتيجة أعوام طويلة كذلك من التكوين العلمي و الأخلاقي رفيع المستوى ، جاعلة الضربات القاسية ، و المؤلمة للشعب الفلسطيني أو بتعبير المسيري المقاومة الدائمة النابعة"لثقافة المقاومة"، التي تنبع من اعتبار المقاومة المستمرة أساسًا من الوجود و الأمر البديهي لحق عالمي في كافة الشرائع و المواثيق الوضعية و السماوية كافة ، ما يفرض عليه صفة العالمية ، و الإجماع الإنسان ، مع تطبيق عام من دول أخرى مثل الأرجيتين ، و الأورغواي و كذلك الهند التي بخلاف الهند المتحررة من غاندي و إضرابه الشهير عن الطعام ، و إفلاس الإمبراطورية الإنجليزية آنذاك .
ختامًا ، يحمل العيد الرابع تحت النار أوجه عديدة من قصف و تجويع و تدمير للبنية التحتية من المرافق الأساسية كما يشاهد الجميع النكبة الثانية على الهواء مباشرة ، بكافة أشكالها التي تنم عن جميع المعاني القبيحة ، منها تأليه إسرائيل ضمنيًا ، لكن في نفس الوقت يتضمن محاولات عدة كالعادة الاجتماعية و البنيونية الأساسية في الشعب الفلسطيني أن يخرج بمعان عظيمة على رأسها فهم الحياة ، و محاولة البقاء و النجاة لا بوصفها تحايلًا و هروبًا للدعة و الاستقرار ، بل كما يقول ألمني ألكاي أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا البريطانية محاولة"للوجود في ظل أكبر حرب إبادية في العصر الحديث ".
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟