|
النكبة الدائمة: تحول مصر لخرابة في دمار مستمر وخراب معحل.
مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 17:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التحويل المشوه والتغيير الجذري: نكبة ١٩٦٧ باعتبارها تداعيات ضاربة في التاريخ الحديث. في صباح ٧يونيو في عام ١٩٦٧، وجهت الضربات الإسرائيلية من سلاح الجو نحو سيناء فدمت الدفاعات الجوية تمامًا والمدفعية المصرية، ما أدى لتدمير عسكري غير مسبوق وهائل شمل بطريقة بانورامية عدة جوانب حيوية وأساسية في حياة المصريين ، بطريقة مخيفة ومفزعة ممتدة لأيام حالية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة وحتى تحول عقدي خطير وممكن للعبودية المختارة لجموع الشعب المصري، فالنكبة المصرية الملطفة من قبيل هيكل عميد الصحافة المصرية سلمت مصر كلها أمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا للكيان الإسرائيلي اللقيط. لكن من الضروري التذكير بتكملة ما قاله الأستاذ محمد جلال كشك في كتابه كلمتي للمغفلين حينما نسف منطق فجأة النكبة وعدم التحضير لها، وكذلك وزير العدل أحمد علاونة في كتابه شهادا حق أن ذلك جاء نتيجة استحواذ قلة قليلة من العسكر على مقاليد الحكم والاقتصاد والقضاء المدني والعسكري فأدوا بذلك لجعل الدولة المصرية آنذاك لمقابر جماعية وإعدامات ميدانية لمن يحاول الإصلاح قيد أنملة أو حتى الانتقاد من الحلفاء والأولياء مثل سيد قطب الأديب والمفكر الإسلامي. و ترافق هذا التغيير القسري بعدة موجات تشويهية لعدة أمور مشوهة للأنماط الاجتماعية و التفاصيل الدقيقة منها انتشار اليأس و انعدام الثقة بالعسكر و كذلك خروج جيل مهزوم نفسيًا لم يجد من وسائل التعبير شئيًا فقرر التعبير عن غضبه و سخطه العام بالمظاهرات المتتالية و المتعاقبة بشدة ، أشهرها مظهرة ١٩٦٨ الذي وصفها الدكتور أحمد عبدالله رزه بالهزة العنيفة ، فكونت مثل عدة اهتزازات ارتدادية على المجتمع رسخت الهوان و سالإحساس بالندية من السلطة الغاشمة و الباطشة تجاه الشعب بأكمله ، فضاعت جهود عبدالناصر "المظفر "من أجل بناء مجد شخصي ، غير تحقيق الثروات المتراكمة عبر النهب و الإلهاء "بالفضائح القذرة "مثلما ألمح المؤرخ ج .م فاتيفكيس في كتابه عبد الناصر و أيامه . وأما بالنسبة للأمن القومي ، فيكفي أن سيناء والضفة والجولان وقعوا تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، غير فصل غزة عن مصر إداريًا، فتحول الأمن القومي لمزحة ثقيلة الدم في ظل دولة اعتبرت حكامها ونخبتها الفاسدة والمنحدرة أمنها القومي الوحيد، ولهذا يلخص الدكتور محمد مورو المفكر الإسلامي في كتابه عن تاريخ مصر أن النكبة أو "نكسة ١٩٦٧ " تعبير صارخ عن الاستباحة الكاملة والفتح الكامل على الراتق، الذي حولها من جمهورية فعلية لمملكة عسكرية مغلقة قضبانها ممدودة الطول مرفوعة الجوانب. و إكمالًا على ما سبق ، يتناول الكاتب المرموق و المؤرخ صلاح عيسى إشكالية الثقافة في المملكة العسكرية باعتبارها "سمة محددة "فيقسم المثقفين لمثقفين للسلطة و مثقفين للمجتمع، و على الأغلب مصير مثقفي المجتمع إما التضييق أو الفصل أو السجن والإعدام مثل حالتي سيد قطب و شهدي عطية اليساري أي بعبارة أخرى تحولت مصر ما قبل النكبة المدمرة لملامح الدولة و المجتمع لما أشبه بالجثة المخطوفة عنوة من أهاليهم ؛ بآثار مستمرة انتهت بالتخلي عن القضية الفلسطينية تمامًا بكامب ديفيد اتفاقية العار و الخزي ، و أخيرًا إجهاض ثورة يناير ٢٠١١ و السيرك السياسي المنصوب يوم ٣٠ يونيه ٢٠١٣ م. مصر من حاضنة لمقبرة دائمة لأولادها .... النكبة الثانية على مدار ١٢ عام. كشأن المنظر المأساوي عقب القصف الإسرائيلي للطيران عام ١٩٦٧ ، نزلت صور المركبتين المصدمتين الخاصة بحادث الطريق الدائري الإقليمي باعتبارها حادثًا دالًا على استمرار النكبة البادئة من ١٢ عام على وجه التحديد ، فالحادثة مركبة و معقدة لأبعد الحدود لتداخل عدة كوارث من السلطة الغاشمة و الباطشة و اعتبار القانون الوحيد قانون الغابة الذي سمح بالحكم بالإعدام على الرئيس السابق الشهيد محمد مرسي الذي قال ذات مرة أنه يريد الحفاظ على الفتيات ؛فترك مرميًا و محبوسًا حتى أتته المنية عام ٢٠١٩ ، و هرولوا بشكل سريع على جلاد جديد عام ٢٠١٣م . في هذا الصدد ، أكد بروفسور العلوم السياسية و العلاقات المدنية العسكرية يزيد صايغ في أكثر من دراسة موسعة منها المنشور في ١٢ مايو ٢٠٢٥ تحت اسم إعادة تشكيل الدولة المصرية عبر عمليات متعددة ، استنزفت المواطنين ، فأضحت الجمهورية الجديدة مملكة عسكرية مطعمة بنزعة نيولبيرالية متوحشة غرضها الأساسي حصرًا زيادة ثروات الأغنياء ، عن طريق صياغة منظومة نهب و فساد فادح مفضوح، ممزوج بغباء خالص و جهل مدقع عالي الوتيرة ينم بحق عن الروح الكاملة و المتجسدة لنكبة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ؛من دون حتى الالتزام بإرث الأنظمة السابقة لها سواء مبارك أو حتى السادات . و بحق ، لقد قزمت الجمهورية الجديدة كل شيء بدءً من روح القوانين و الأخلاق حتى المكانة الخارجية لمصر الشقيقة الكبرى ، فلا سبيل إلا للسبوبة السريعة و الثراء الفاحش بعزل الفقراء الذين ينتجون و يحرقون حرقًا و لا سعر كبير أو اهتمام بهم إلا عند التجارة الرخيصة بهم و نيل اللقطة السينمائية ، من دون حتى أي رد فعل تذكر لإن مصير أي شخص معلوم بالضرورة في الجمهورية الجديدة فهو محجوز مستعبد إما طبقيًا أو تعسفيًا أو في المنافي : لتتبلور بذلك الشريعة الأهم و الأحق في عهد السيسي " أنت ميت حتى إثبات العكس " لصالح النخب الفاسقة المجرمة التي تخدم بمنتهى الأريحية الواسعة و البذخ الفاحش . فكما اختفى كل شيء في عهد مقدمات نكبة يونيو 1967، تبخرت حتى قيمة الإنسان فأصبح رخيصًا يموت في كل زمان ومكان في الأبنية والطرقات وعلى قارعة الطريق وفي الصحراء تحت مسميات واهية وحججًا أكثر وهنًا غير أنها مثبطة بشكل مهنك ومهلك؛ فالسكوت الركود المقيت الذي حدث سابقًا في النكبة الأولى بات أمرًا اعتياديًا لإن الألم المشاهد والدماء المراقة والقهر المتراكم حولت النفوس لمسوخ مشوهة ومصمتة كالجبال، فالتسلط والاستبداد والإفقار والتجويع الممنهج سمات دولة إحلالية تهدم نفسها بنفسها. و المضحك المبكي ان الفقراء رعوا بهم في عهد عبدالناصر أكثر من السيسي الذي يستحقر المعارضين السياسيين و الخبراء، و حتى الطبقة الوسطى لإنهم يرون أنفسهم أسياد الدولة و الناس فوق المحاسبة و القانون ، فهي كما قالت الفيلسوفة حنة أرندت في كتاب الأصوليات أن الدكتاتورية العسكرية "مميتة للفرد، مهشمة للمجتمع "،فيصبح الموت السمة الأساسية و المناخ السائد ، لإن الأصنام العسكرية التي لا تفقه غير الضبط و الربط و الالتزام تحول الدولة كلها لمفهوم السجن المشدد في جميع لحظات الحياة اليومية منذ الاستقياظ للنوم غير تحولها لدرع قديم و رديء ؛فمثلما أكد الباحث ماجد مندور في كتابه مصر في عهد السيسي :أمة على حافة الهاوية أن مصر انهارت على كافة الأصعدة و المستويات المتباينة الحقيقة فأضحت البلد كما في كتاب ميشيل فوكو العقاب و الالتزام الدول العشوائية ما يجدر النظر للحلول الواردة من غزة و الجزائر في تلك التجربة الاحتلالية أي ما تفرعت تصنيفها. الثورة تبدأ من العقل و إزالة الخوف المتشرب في العظام . ...غزة و الجزائر أنموذجين . في كتابه معذبو الأرض يخبرنا المنظر الأساسي للثورة الجزائرية فرانز فانون أن أولى خطوات التحرر الفعلي من الاستعمار الخارجي أو المحلي يبدأ من الإدراك الفعلي و الاحتكاك المتبادل و القريب مع السياسة الداخلية اليومية ليس حبًا فيها ،بل لإنها تأتي لك إن لم ترغبها ، و هذا ما حدث مرارًا و تكرارًا أكثر من مرة في مختلف الحوادث و توفير العيش ، حتى و إن انعزلت و توقععت حول ذاتك فما مصيرك غير أنك ستجد نفسك في الأخبار اليومية إما سجينًا أو متوفيًا بأي حادثة طريق أو إهمال طبي . بعد الإدراك العقلي ، يجي الدور على الخوف الأمني و الشعوري الحاكم للدول الديكتاتورية كافة بشتى أنواعها ، باعتباره علاقة أصيلة بين الحاكم و المحكوم ، لعلم الحاكم أنه في السلطة عنوة أو اغتصابًا بدرجة أولى لها إما من أجندات خارجية أو نتيجة تقاسم معين للسلطة أو تحويلها لسلطوية يحكمها فئة معينة دون الأخرى أو أقلوية تحكم من أقلية عرقية أو دينية أو سياسية أو عسكرية، و الخوف الشعبي أو المبسط بصورة مجملة هو الخوف الأمني بطريقة أشبه بالالتصاق المحكم في الأرض ، و هو ما أطلق عليه عالم الاجتماع الشهير بيير بوديو بالخوف الرمزي أو الخوف السائل بتعبير زيجمونت باومان . و هذا الخوف التخلص منه مرهق و صعب لكنه يزيل الحدود الصلبة و الاجتماعية و النفسية بين الحاكم و المحكوم ليعلم أن الحاكم ضئيل الحجم صغير المقدار مهتز العقل مهزوز النفس فضلًا عن البناء للقاعدة الواسعة و القوية لفكرة المقاومة سواء سليمة أو غيرها ، و لعل هذا ما نجحت فيه بصورة مبهرة و مبهجة و خارقة الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي ، و غزة بمختلف الفصائل المقاومة في الاحتلال الإسرائيلي مع الصبر الطويل و التفريح بالإيمان و المعاني الرفيعة التي حررتهم من أسر نفسية المحتل قبيل الاستمرار العملياتي ضدهم بقوة نادرة . فالمشكلة المغلقة في مصر أن الجمهورية الجديدة متحللة و باطلة و شرنقة جوفاء فارغة ، فبالتالي يتعامل معها الناس باعتبارها نجاة فردية أو مؤقتة أو فكرة الضعف أمام القوة الباطشة بإغفال متعمد أو نتيجة الضغط أن لم تتعاون و ننجو جميعًا ستغرق السفينة بأكملها، أو كما عبر عنه عالم السياسة الهولندي دان انييرغ في كتابه سقوط النظام الدكتاتوري أن "الضغط السلطوي هادم بقوة لأسس الدولة من جذورها الماسكة و المحكمة " دون حتى أن يجد الفروع الواصلة بالماضي أو بقاياه لمحاولة الإصلاح المخفف الطويل بعد زوال النظام نهائيًا أو تبخره في حالة النظام السوري البائد الذي أثبت فيه إخفاق الوسائل السلطوية. فلا خير منتظر من وراء سلطويات عسكرية قمعية طالما الرؤية الإجمالية و العامة لها جبانة عاجزة غير قادرة لإنها تسير على طريق ذي اتجاه مميت ، مع العلم الجازم بأن الخوف السلطوي نفسي ينبع من الخوف من التغيير الأفضل للحرية ، فالحرية في تلك الحالة القوية تهدد بتبدد الدولة كليًا بمنطلق الحاكم و حاشيته ، و هو ما حدث مع الأنظمة الفاشية و النازية ؛بالتدمير الممنهج و الخراب الشامل الذي انطلق من السكوت و إغلاق المجال العام كليًا لتتمكن النزعة التدميرية منها بحد تعبير إريك فورم ، و لا سبيل للفرار منها غير بالانطلاق المنظم و المنهجي نحو التغيير الدراماتيكي لمستقبل مشرق.
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكارت المحترق الرابح: إثبات حرب إبران امتلاك إسرائيل لأمن ا
...
-
قوافل الصحوة الأخلاقية و الفضح المعري للضمير الدولي الميت :م
...
-
عيد غزة :لا طقوس للبهجة ، و إنما طقوس للنجاة و البقاء .
-
ليلى سويف و آلاء النجار :المعتقل الكبير الذي يقتل بدم بارد ش
...
-
ليلى سويف و آلاء النجار ...المعتقل القاتل لشعبين ببرود
-
مقاومة المقاومة :الأردن خنجر حاد في ظهر غزة
المزيد.....
-
كيف تتحوّل الموضة إلى أداة للتعبير عن الذات؟
-
لحظات تثاؤب لا تُنسى لحيوانات يلتقطها مصور في مقدونيا
-
مقترحات مشتركة من المنظمات غير الحكومية قبيل انطلاق المفاوضا
...
-
الحكم بالسجن خمس سنوات على الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صن
...
-
غزة ـ مقتل المزيد من منتظري المساعدات والجيش الإسرائيلي يحقق
...
-
سوهان..طفلة ليبية تفر من المرض على متن -قارب موت- ووالدتها ت
...
-
الجزائر: محكمة الاستئناف تصدر حكما بالسجن 5 سنوات نافذة في ح
...
-
بسبب الحرب والحصار.. تفاقم معاناة ذوي الإعاقة في قطاع غزة
-
فايننشال تايمز: هكذا أعادت إسرائيل إحياء القومية الإيرانية
-
-ما وراء الخبر- يناقش مستقبل المفاوضات الإيرانية مع الغرب
المزيد.....
-
الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
/ زهير الخويلدي
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
المزيد.....
|