مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 08:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجيل الخارج عن المألوف : شباب أسيا يزيلون أنظمتها بإبداعه الرقمي و شجاعته الفريدة.
أثار الجيل الحالي ، جيل زد المولود بين الفترة الزمنية المتأرجحة بين ١٩٩٥ و ٢٠١٢ ، و الذي له صفات فريدة و سمات مختلفة تمامًا في الشخصية اليومية غير السمات المتكاملة و التربية العامة من جميع الجوانب المشتملة من عدة نواح منها التكوين و التأصيل للصفات المشكلة لوعيه العام و تفاعله البانورامي الواسع القائم بالأساس على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة لدرجة انفتاحه الكبير ما زاد من قابلية المقارنة و تكوين القواعد الراسخة و الأسس المؤصلة الرافعة لبقية المبني بالكامل لامتلاكهم أدوات جديدة و سبل ثورية خارجة عن الأنماط السائدة اجتماعيًا .
فوفقًا للباحثة جين توينج في كتابها الأجيال كيف تغيير تلك الأجيال بشكل جذري ، فإن التعامل مع الأجيال الكبيرة يتسم بالغرابة و العشوائية المحضة ، لكنه جيل متمرد مبدع مشتعل يتميز بروح التفرد الذاتي ، و كرهه لمخالفته القيم المخالفة للبديهات العقلية ، و المسلمات الأخلاقية ما يعني بالضرورة تغير الصور الاجتماعية و أمله التطلعي للأفضل ، ليس فقط عبر الأسرة بعكس الرؤية العكسية له في بعض الدراسات الغربية التي تربطها بالتشظي و الفردانية المعاصرة و هو أمر لا ينكر لكنه قصر النظر على رؤية استعمارية أو غربية أو فلنقل أنها قاصرة من ناحية السنن التاريخية و الإلهية القائمة بالأساس على التغيير السريع و المستمر .
و من هنا ، يمكننا فهم دور الأجيال الجديدة و الشباب الهمام في تغيير السياسات مستخدمين التكنولوجيا ، التي تعدها باحثة العلوم الاجتماعية و أساتذة علم الاجتماع النفسي في ساينس بو أسما ماهلا " أساس مؤطر لاتخاذ السياسات " بكل أشكالها من صناعة الوعي و الرأي العام لصناعة و تأسيس الأنظمة و سقوطها المدوي و السريع كأحجار الدومنيو حادثة في نبيال منذ منتصف سبتمبر الماضي حتى أسقط النظام الاستبدادي من جروب على تطبيق ديسكورد احتاجًا على الفساد الفاحش ،و الوسائط التوظيفية متشابهة مع جارتها بنغلاديش التي أطاح الشباب فيها بالشيخة حسينة حسن ، مسببين زلزالًا سياسيًا قويًا في أقل من 48 ساعة عبر التظاهرات العنيفة و الاشتباكات حتى سقوط الحكومة في الحالتين السابقتين .
فالسر الكريم في ذلك التسارع هو الشباب الواعي بسبب الهاتف الذكي في يديه ، فهو تطبيق متكامل يرسم من خلاله عالمه الشخصي و النفسي ، مكونًا تأثيره و تأثره الاجتماعي ، و لعل هذا الذي أشارت له البروفسيرة كيت أورتون في كتابها " نهاية النسيان " ، رامية فيه إلي أن النسيان و الجهل المعشش أصبح سرابًا و خرافة ، بل يتمدد الأمر لأبعد من ذلك بمراحل دقيقة حيث يدخل في رسم النمط السائد و التعبير عن المشاعر ، و هذا ما فسره الفيلسوف الأمريكي و عالم الانثروبولوجيا الثقافية مايكل إنجلندونر "بالثورة الخفاقة " و هي ثورة منتقلة من جيل لآخر بنفس المشاكل العميقة و المأزومة ، لكن ليس بنفس الذاكرة المشاعرية و الحمولة الجماعية الجامعة و الموحدة ، و غالبًا ما تكون سلبية و كئيبة مثل القمع المنتهج ، و الاستبداد السياسي ، و بخاصة الارتباط الدموي بها .
فاستغلال تلك العوامل بجانب عوامل بين سلطوية ، بتعبير الفيلسوف الفرنسي الشهير لوي ألتوسير ، هي من سرعت الأمور و راكمت كرة الثلج ، ضد أنظمة سياسية مشابهة لتلك الموجودة في الإقليم العربي و الإسلامي التي تنطوي على عدة رواسخ قبيحة وقحة أهمها التمركز حول الاعتقال ، مع الحرص على الانحطاط الإنساني و هدم أساسيات القيم الأخلاقية ، ما يحول الأراضي العربية لمجرد سجون قضبانها نهاية الحدود ، و مداها السماء ، لتنتقل تلك العدوى الكريمة لكن بشكلين مختلفين يجمع بينهما إرادة التغيير و تبيان الحق حصرًا دون مغالاة أو مواربة تخفيها فضحت بها الكيان الإسرائيلي اللقيط للنظام الملكي في المغرب .
جيل زد الثوري ....عزلة إسرائيل الأبدية بدايتها من تيك توك و تويتر.
بشكل معقل للسردية الإسرائيلية ، يواجه الجيل زد المؤثرين الإسرائيليين و الأمريكان و الغربين بشكل متوازي مع استهداف ممنهج من شركات التواصل الاجتماعي ، ما قلبت المنصات الإلكترونية لساحات حرب مفتوحة بين المعسكرين المؤيدين و المعارضين لحرب الإبادة الجماعية على غزة ، بخاصة بين الشباب المراهق و متوسط العشرينيات ، مؤديًا لنتيجة كاسحة بالضرورة لأعداء القضية الفلسطينية تكمن في عزلة تاريخية و بغض عالمي ، و بخاصة بعد انتشار صور المجاعة الفتاكة بأهل غزة و كمائن الموت المنصوبة غدرًا في نقاط توزيع المساعدات المهينة .
فمن شدة الوطأة و العزلة الدولية ، تحولت مظاهر الكره اليومي لمشاهد واقعية تحدث بشكل متكرر مثل رفض استقبالهم في المطاعم الإيطالية و الفنادق الإسبانية وصولًا للمواجهات في المظاهرات المستمرة في الميادين العامة ، في تعبير صارخ و قوي عن قوة السوشيال ميديا لدرجة أن ٤٠%من الناس في الولايات المتحدة يعتبرون أن إسرائيل قطعًا دولة فصل عنصري و إبادة جماعية، ما أعدته محررة الشئون الدبلوماسية في مجلة بولتيكو فلنسييا شوارتز أن "هذا الجيل مناهض تمامًا للسردية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق و غير معتاد في تاريخ الولايات المتحدة نفسها ".
فبعد العزلة الإلكترونية و الفعلية التي بدأها الجيل زد ، أراد الكيان الإسرائيلي تحسين صورته القبيحة و سمعته الدموية ، فلجأ لعمودين أساسين التجنيد التجيشي للمؤثرين الأمريكان في الموضة و الصحة و الأكل و التذوق لغاية التكنولوجيا، فعقدوا على إثر خطة مطولة عدة اجتماعات بعضها في مقرات المخابرات المركزية الأمريكية فقط للتأكد من كتمان الرواية الفلسطينية بأي شكل مقابل مبلغ شهري يقدر آنذاك ب ٢٥٠٠دولار وقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ، ثم ما لبثت أن أخفقت الخطة بسبب تنوع الأنشطة و الفعاليات المختلفة في الجامعات و الشوارع العامة و الميادين المفتوحة من اعتصامات طويلة مستمرة ، و مظاهرات ينزل فيها الآلاف مكونين بذلك ضغطًا مكبلًا لتلك الدول الداعمة بشكل مطلق لأكبر قوة عسكرية لديها نشوة القوة المفرطة .
كما أن الفشل في ترميم الصورة ألقى بظلاله على الكيان الإسرائيلي اقتصاديًا و حتى على المستوى الشعبي داخليًا، فخاض لعبة قذرة يرغب بشدة جامحة امتلاك السردية الغالبة حاسبًا نفسه يتعامل مع وسائل الإعلام الغربية العامة الذي فضحت فضحية مدوية كشفها حتى صحفيون إسرائيليون مثل جوناثان كوك و كاتلين جونستون ، ما ألجأه لاتخاذ بعض الإجراءات بالتحالف المعتاد مع أمه بالتبني أمريكا ، و صديقهم الأوفي و الأقرب ترامب المستعد لتمزيق أمريكا من أجلهم بإخلاص و صدق .
فوفقًا للكاتب و الباحث في شئون التحول الديمقراطي نيك شفيلاند سوتوت ، فإنها أرادت السييطرة على موقع تيك توك و الذكاء الاصطناغي التوليدي فقامت بتوكيل الشركة البريطانية برتجس برتدنرز المدارة من رجلي الأعمال الإسرائيليين يوري استدربيرك و يائير ليفي ، فتدفع مقابل المؤثر الواحد راتب 7000دولار ، غير عابئة حتى بالقوانين الأمريكية لاختراقها الصريح لمبادىء التسجيل الضريبي لوزارة الخزانة الأمريكية و الهيئة الفيدرالية للعمل بالخارج ، ما يعني أنها أصبحت فوق القانون و الرقابة ، مع محاولة شراء كامل لآليات الذكاء الاصطناعي بالضرورة بتخصيص 6 ملايين دولار لدفع رواتب الأفراد ، مما يعكس نجاح باهر للجيل زد في الولايات المتحدة لدرجة صعبة الإمساك و سائلة للغاية و غير قابلة للتحكم و الرقابة ، و لعل هذا ما تكرر في المغرب مع جيل زد بطريقة جديدة و مبتكرة.
جيل زد من القاهرة للمغرب ..الربيع العربي لن يدفن أبدا!
في حين الانتهاء من كتابة هذا المقال ، فمن المؤكد أن جيل زد المغربي قد رسم مشهدًا جديدًا في الساحة العربية كلها منذ عقود من القمع الوحشي و الجمود السياسي الصلب حتى مع تولي الإسلاميين الحقبية الوزارية ، و تنفيذ أمر الملك محمد السادس بالسير في الاتفاقيات الإبراهيمية مع الكيان المحتل الإسرائيلي فقط للتخلص منهم بخروجهم بفضيحة مفجرة للأوضاع ضدهم بالمغرب ، و بالفعل تم التخلص منهم بانتخاب عزيز أخنوش لتولية الوزارات المغربية المختلفة .
فكانت المظاهرات بالآلاف للشوارع كحبات المطر و الرمان المندثرة بطلبات مشروعة تتمثل في تحسين التعليم و الصحة بطريقة مزيلة للعوائق و العيوب الجوهرية الذين يعانون منها منذ عقود طويلة متظاهرين طيلة خمس سنوات بمستويات مختلفة ، و لكن الأدوات الجديدة المستخدمة بقوة و عنفوان هي ما أرعبت الحكومة و الملك محمد السادس نظرًا لاهتمامه البالغ و المراعي لبناء ملاعب الكرة مثلما يفعل السيسي في مصر مع اختلافات طفيفة .
بشكل مكمل ، تمثل المظاهرات الأخيرة امتدادًا مستمرًا للربيع العربي الذي وأدته الثورات المضادة ، و على رأسها المغرب الثوري و الاحتجاجي بحركته الاجتماعية المتمثلة في 20 فبراير المطالبة بالحرية و الكرامة الإنسانية و العدالة الاجتماعية ، التي تحايل عليها النظام المغربي بإصلاحات سطحية و مزيفة في الدستور و الميزانية العامة بغرض امتصاص غضب الناس آنذاك ، ليتفاجئ المغربيون بأن تلك الإصلاحات كانت مجرد تفادي تحايلي من النظام عليهم لمجرد تجنب الإطاحة به .
فالموجة العاتية في المغرب لن تهدأ و لن تنخفض ، لإن البلد وضعه مزري و بائس لأبعد الحدود ، و الموازنة مخصص حصرًا و بتكثيف منقطع النظير نحو الملاعب و الخرسانات و المدرجات الجماهرية الضخمة ما يعكس خللًا جوهريًا في المنظومة الحاكمة نفسها ، كاشفًا أيضًا أن هذه الجيل يريد فقط أن تنتظم حياته اليومية بثبات و استقرار يكمل يومه العادي فيه بشكل لا تمس فيه كرامته أو يشعر بعجز مقهور .
ففي كتابها رأسمالية المراقبة ، تلقي المؤلفة و عالمة الاجتماع شوشانا زوبوف بتلك الفكرة المسماة بالسيولة التكنولوجية ، مقتربة من فكرة توماس هوبز حول الليفاثان الفني و لكنه تقني و سريع ، و مهدد أيضًا للديمقراطيات قبيل الديكتاتوريات ، و هذا ما سيفسر سقوط فكرة الدولة من الأساس ، و الانفتاح على عصر فشل إسرائيل و انبعاث الربيع العربي من مرقده بروح شبابية جديدة يقودها الجيل زد المظلوم في حياته كلها ، ليردع فقط لإنه الموقع المولود فيه يعارضه و يعديه بقوة ، فيجد نفسه قائدًا للتغييرات الكبرى على المستويات السياسية و الاجتماعية المختلفة.
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟