أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - فك ضيق المحتاج














المزيد.....

فك ضيق المحتاج


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


جلست السيدة ميساء في صالة بيتها الأنيق، تتأمل صور العائلات البغدادية العريقة في كتابٍ رصين، كأنها تُقلب صفحات مدينةٍ كانت الأمانة فيها خلقًا شائعًا، والبيوت تعيش راحةً لا تعرفها اليوم. وبين صفحةٍ وأخرى، تسلّل إلى ذاكرتها وجهُ السيد رزّاق، لعلها تذكّرته عند انقطاع الكهرباء، تلك التي لم يكن يكفّ عن الشكوى من انقطاعها في بيته المشيَّد من الصفيح فوق أرضٍ متجاوزٍ عليها، ليضاعف – في كل مرة – ما تنوي منحه إياه من مساعدة.
بدافعٍ من فضولٍ غامض، التقطت هاتفها واتصلت بجارها السّاخر من مساعدتها لأولئك "الكسالى المتواكلين،" وما إن ردّ حتى بادرت قائلةً بلا مقدمات:
- أبا عادل، تتذكّر رزّاق؟
ضحك عارف، ساخرًا من نفسه هذه المرّة، وقال:
يبدو أنني ظلمت الكسل يا ميساء... فرزاق حوّل الكسل من عادة مذمومة الى مشروع يدر الملايين.
رمشت غير مصدّقة، كمن يحاول فرز المزاح من الحقيقة، وقالت:
- أبا عادل، أرجوك، لا تقل إن رزّاق صار مدير عام!
ابتسم عارف ابتسامةً مائلة بين الحسرة والسخرية، وأسند ظهره إلى الكرسي مستعدًّا لإتمام الحكاية، ثم قال بنبرةٍ تجمع الثقة والتهكّم:
- أيّ مدير عام؟ أمثالُه لا يشغلون أنفسهم بمناصب الدولة، إنهم يبتلعونها قطعة، قطعة! رزّاقُنا قفز بخطوةٍ واحدة من باب الحسنات إلى عتبة المليارات، حتى صار من الكبار... من أولئك الذين يكسبون بسهولةٍ ويتبرّعون بسخاءٍ لعشراتٍ من مسؤولي الدولة كلما ضاق رزقهم. للرجل اليوم أسطول سيارات فارهة، وقصرٌ عامر في الجادرية، ومال لا يعد ولا يحصى.
شهقت ميساء، فسارع عارف لإكمال ما بدأه، وكأنه يروي معجزة:
بعد اقتراب داعش من أطراف بغداد وصدور الفتوى، تطوّع رزّاق في فصيلٍ يقوده ابنُ عمّه. وفي أول اقترابٍ من الميدان، لمع نجمه سريعًا، وصار من الرجال الموثوقين؛ أُوكلت إليه مهمّة جمع الغنائم وترتيب صفقات "الإنقاذ" لمن التبست عليهم التهم. ومع الوقت، تضاعفت ثروته واشتدّ نفوذه، فقرّر استثمارها في أكثر الموارد وفرةً وأسرعها ربحًا: حاجات الناس وضيقهم. فابتدع مشروعًا للتسليف قصير الأجل، يقدّمه في ثوبٍ خيريٍّ تحت اسم فكّ ضيق المحتاج.
لم يكتفِ بالاسم الخيري، فأراد أن يكسوه بشرعيةٍ تضمن الطمأنينة لزبائنه، وتُرضي ضميره في الوقت نفسه.
قاطعته ميساء باستغراب، لتسأل وماذا حصل؟ فعاود الحديث قائلًا:

- في مساءٍ غائم، ارتدى رزّاق عباءته الجديدة وابتسامةً لا تخلو من التقوى، قاصدًا الجامع الصغير عند ناصية الحيّ. انتظر حتى فرغ الشيخ جابر من الصلاة، ليتقدّم نحوه بخطواتٍ محسوبة. قال بهدوءٍ واثق:
– مولانا، لديّ فكرة مشروعٍ فيه خيرٌ لنا ولكم... وللفقراء طبعًا. ثم شرع يزوّده بالتفاصيل.
رفع الشيخ رأسه وتأمّله لحظةً كمن يزن الكلام بميزان الفقه، ثم قال:
- النية شرط القبول يا رزّاق، لكن المشروع يحتاج إلى صيغةٍ شرعية تُبعد عنه إثم الربا. ثم أضاف بثقة العالِم بأحكام السوق والدين معًا:
– من يطلب اقتراض مليون، نحرّر له عقدَ بيعٍ وشراءٍ على سلعةٍ رمزية، بثمنٍ مقداره مليون ونصف، يؤدّيها بعد حينٍ على وجهٍ من الرفق، دفعةً واحدة أو مجزّأة، حسب ما ييسّر الله. وبهذا يصبح الأمر بيعًا وشراءً لا قرضًا ولا ربا... وربك كريم.
أشرق وجه رزّاق كمن اكتشف طريقًا إلى الجنة من بوابة الربح، وانفرجت أساريره بارتياحٍ ظاهر، وقال مطمئنًّا كمن يبرّئ ضميره من الذنب: وستكون أنت شاهدًا ونسبتك مضمونة في كل عقد، شيخنا الجليل.
ردّ الشيخ بثقةٍ أبويةٍ هادئة:
– إنها حصةُ الجامع يا ولدي، نُطعم بها اليتامى، ونُنير بها المصابيح... والله لا يضيع أجر المحسنين.
هزّت ميساء رأسها غير مصدّقة، بينما واصل عارف حديثه وقد ازداد حماسةً كأنّه يروي ملحمة وطنية:
– صار المشروع مؤسسة، والمستلفون يدفعون في المواعيد المضبوطة؛ ليس بدافع الأمانة طبعًا، بل لأن خمسة من شباب فصيله يتولّون التحصيل... بالحسنى كما يقولون، ومن يتأخّر يومًا عن الوقت المحدد في العقد المكتوب، يجد نفسه والعائلة في العراء “بإجراءٍ مدعومٍ شرعيا". وهو اليوم ما شاء الله، المموّل الرئيس لعددٍ من الأحزاب التي رفعت الراية في تلك الأيام، يتبرّع لهم كل موسم ليذكّروه، ويحموه! والأجمل من هذا كلّه، أصبح شريكًا في بنكٍ إسلاميٍّ يحرم الربا، ويخصّص قروضه لـ “ فكّ ضيق المحتاجين”.
أغلقت ميساء الهاتف، وأغلقت معه آخر صفحة من كتاب العوائل العريقة، وتمتمت بمرارةٍ لا تخلو من سخرية: تغيّرت بغداد يا عارف... خرج أهلها من الأبواب، ودخل إليها آخرون من النوافذ يحملون مفاتيح جديدة للمجد على طريقة رزاق.
***



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شظايا وطن: تقرير الحالة المعنوية
- السيد جبار
- من دفاتر الحرب: صولة رجل واحد
- عبد الرزاق النايف: رحلة من القصر الى القبر
- امرأة في حضرة الظل
- من غزة إلى قطر… سقوط خطاب الإبراهيمية
- حين يضحك الوزير
- سجن يبيع الحياة
- في بريد الوزير
- عروس التاسعة
- الانتخابات العراقية: حين تتحول صناديق الاقتراع إلى أداة مقاو ...
- عندما يرفع القبو
- من الأديرة إلى المصانع… حكاية شراب مثير للجدل
- من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة
- بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها


المزيد.....




- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...
- تظاهرة بانوراما سينما الثورة في الجلفة بطبعتها الثانية
- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - فك ضيق المحتاج