مصطفى المنوزي
الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 16:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
إنّ التحول الذي يعيشه المغرب الحزبي اليوم يضعنا أمام سؤال فلسفي بامتياز:
هل نحن بصدد نفي النفي الذي ينقد الفكرة الاتحادية ويضمن تواصلها الجيلي مع الفكرة الزيدية دون إلغائها؟ أم أننا نعيش العكس — نفي الاستمرارية نفسها باسم القطيعة والصدمة؟
بهذا السؤال المادي الجدلي، نختبر ليس فقط حدود التحليل السياسي، بل عمق الوعي التاريخي الوطني وقدرته على إنتاج تراكُم نقدي لا انكسار جيلي؛ ففي منطق ماركس / الهيغلي وريكور معًا، لا يكون “نفي النفي” إلغاءً، بل تحويلًا — إذ تتجاوز الفكرة ذاتها نحو وعي أرقى، يحتفظ بجوهرها ويعيد تأويله في ضوء التحولات.
ومن هنا، يمكن القول إن الفكرة الاتحادية — بما تمثله من إرث نضالي ومشروع للمواطنة والمساواة — لم تُلغَ في الوعي الجمعي، بل تم تحييدها رمزيًا حين فقدت الدولة وسيطها المجتمعي الحقيقي. أما جيل زد، فهو لا يسعى إلى إحيائها في صيغتها القديمة، بل إلى تحويلها إلى طاقة جديدة للمعنى، طاقة رقمية وثقافية وشبابية تشتغل بمنطق "التواصل النقدي" لا بمنطق "القطيعة الثورية".
إنّ الجدلية هنا لا تقوم بين الأجيال، بل بين نمطي وعي:
وعي تاريخي تأسيسي عاش تجربة بناء الدولة والشرعية، ووعي جديد تشكل في زمن الرقمنة، اللايقين، والمواطنة الشبكية.
وهنا بالضبط تتجلى مهمة العدالة التوقعية والحكامة الأمنية التواصلية: أن تدمج هذين الوعيين ضمن مشروع وطني مشترك، لا عبر الوعظ أو الإقصاء، بل عبر إنتاج ذاكرة تفاعلية تتسع للتعدد وتحتفظ بالمعنى.
فالوساطة في هذا السياق ليست مجرد قنطرة نحو التفاهم، بل آلية جدلية لتوليد التراكم التاريخي: حيث يتم الحفاظ على جوهر الفكرة الاتحادية — أي حلم العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية — مع إعادة ترجمته في لغة جيل زد، بلغة تشاركية لا شعاراتية، وبمنطق نقدي لا تبجيلي.
بهذا المعنى، يصبح سؤال “نفي النفي” سؤالًا عن التحول التاريخي للشرعية:
هل نملك القدرة على تحويل نقد الماضي إلى طاقة بناء، أم أننا نعيد إنتاج الماضي في صورة أزمة هوية وانقسام؟
الجواب، في ضوء ريكور وهابرماس وبهضوض، يرتبط بإرادتنا في جعل الحكامة مشروع اعتراف متبادل لا مجرد ضبط مؤسساتي، وبقدرتنا على تحويل جيل زد من "قوة احتجاجية" إلى "قوة تأسيسية" تشارك في صياغة معنى الدولة من جديد.
إننا، بهذا الأفق، لا نعيش نفي الماضي، بل نفي جموده ، ولا نعيش قطيعة مع الفكرة الاتحادية، بل تحولها عبر وسائط جديدة وأجيال مختلفة نحو معنى أوسع للعدالة، يتجاوز المؤسسات إلى الضمير الجمعي التوقّعي، الذي يصوغ سردية مغربية جديدة للكرامة والسيادة والاعتراف.
_ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة: لا علاقة للنص بتنظيم الإتحاد الاشتراكي ولكنه من وحي مؤتمره
#مصطفى_المنوزي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟