أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانتخابي العراقي














المزيد.....

الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانتخابي العراقي


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 14:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لم تعد الإشكالية السياسية في العراق محصورة في فساد الطبقة الحاكمة أو عجزها البنيوي عن إنتاج دولة فعالة، بل باتت تمتد إلى السلوك الانتخابي نفسه، بوصفه أحد أبرز العوامل التي تعيد إنتاج الأزمة السياسية مع كل دورة انتخابية. فالعملية الانتخابية التي كان يُفترض أن تكون أداةً للتعبير الشعبي وتداول السلطة، تحولت إلى أداةٍ لإعادة تدوير نفس القوى، ونفس التوازنات المختلة، ونفس الخراب العام، عبر صناديق الاقتراع ذاتها.
وهذا التحول لا يمكن تفسيره فقط بتزوير الانتخابات أو تحكم الأحزاب، بل لا بد من الالتفات إلى المسؤولية الاجتماعية والسياسية للناخبين أنفسهم، الذين يمارس قسمٌ منهم أدوارًا مضادة للمصلحة العامة، إمّا عن وعيٍ انتهازي، أو عن جهلٍ سياسي عميق.

البنية الاجتماعية للناخب العراقي

يتوزع الناخب العراقي على طيفٍ واسع من الانتماءات الطبقية والمناطقية والطائفية، الأمر الذي يجعل سلوكه الانتخابي معقدًا ومركّبًا. فالريف، على سبيل المثال، غالبًا ما يخضع لمنظومات الزعامات المحلية والعشائرية والدينية، ويصوت على أساس الولاء الشخصي أو المذهبي أكثر مما يصوت وفق برامج سياسية. أما في المدن، فتغلب الاعتبارات الطائفية والزبائنية الاقتصادية، حيث أصبحت شبكة المصالح اليومية (الوظائف، الرواتب، الخدمات) مرتبطة بشكل مباشر بولاءات انتخابية.
هذا الواقع البنيوي خلق ناخبًا غير مستقل سياسيًا، تحكمه إما اعتبارات الهوية المغلقة أو المصالح الفردية الضيقة، في غياب شبه تام لأي وعي جماعي بالمصلحة العامة.

الانتهازية والجهل الانتخابي

ثمة نمطان رئيسيان يتكرران في كل دورة انتخابية:

1. الناخب الانتهازي الواعي: وهو الذي يدرك تمامًا فساد من يمنحه صوته، ويعي خطورة إعادة انتخابه، لكنه يختار دعمه لأنه يحقق له مصلحة مباشرة، كالحفاظ على وظيفة، أو امتيازٍ مناطقي، أو مكسبٍ مالي، ولو كان ذلك على حساب عموم المجتمع. هذا السلوك يجعل الناخب شريكًا فعليًا في تكريس الفساد، لا مجرد ضحية له.


2. الناخب الجاهل أو غير الواعي: وهو الذي يُقاد بعواطفه الطائفية أو المذهبية أو العشائرية، دون إدراك للنتائج السياسية والاقتصادية المترتبة على خياره. هذا النمط لا يقل خطرًا، لأنه يُساق بسهولة في الحملات الانتخابية الشعبوية، ويُستخدم لتثبيت القوى التقليدية في مواقعها.



كلا النمطين يساهمان — كل بطريقته — في إنتاج نتائج انتخابية مضادة للمصلحة العامة، ويمنحان الغطاء الشعبي لاستمرار البنية السياسية المشوهة.

غياب المساءلة الاجتماعية

يُعامل قرار الناخب في العراق وكأنه شأن شخصي بحت، محصّن من أي نقد اجتماعي أو محاسبة مدنية. فلا توجد تقاليد اجتماعية أو ثقافية تجعل التصويت فعلًا مسؤولًا تجاه الجماعة السياسية. في المقابل، في العديد من المجتمعات التي تمتلك حسًا مدنيًا متطورًا، يتحول الخيار الانتخابي إلى موضوع نقاش وجدال علني، ويُحاسَب الفرد اجتماعيًا على خياراته إذا كانت تضر بالمصلحة العامة.
هذا الغياب للمساءلة الاجتماعية جعل الناخب الانتهازي أو الجاهل يتحرك بحرية دون أن يشعر بأي ضغط أخلاقي أو سياسي من محيطه.

مساءلة الناخب في المجتمعات ذات الحس المدني

في المقابل، تُظهر تجارب عدد من المجتمعات التي تمتلك حسًا مدنيًا متطورًا كيف يمكن للخيارات الانتخابية أن تتحول إلى موضوع مساءلة اجتماعية علنية، وليس مجرد قرار فردي مغلق.
ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يُنظر إلى التصويت للأحزاب اليمينية المتطرفة على أنه موقف سياسي وأخلاقي يستدعي النقاش والمحاسبة، وغالبًا ما يواجه الداعمون لهذه التيارات عزلة اجتماعية أو حوارات حادة في أماكن العمل والجامعات.
أما في الولايات المتحدة، فقد تصاعدت في السنوات الأخيرة حملات مجتمعية تحمل شعارات من قبيل “your vote has consequences” (صوتك له تبعات)، محوّلةً التصويت إلى فعل خاضع للرقابة الاجتماعية داخل الأحياء والعلاقات اليومية، بحيث يُحاسَب الفرد سياسيًا على خياره.
وفي السويد، حيث الثقافة المدنية راسخة، يُتوقع من المواطن أن يصوت وفق المصلحة العامة لا وفق المصلحة الضيقة، ومن يدعم التيارات الشعبوية أو المعادية للمهاجرين يواجه مساءلة علنية في محيطه الاجتماعي.
هذه الأمثلة لا تعني أن تلك المجتمعات مثالية، لكنها تؤكد أن التصويت هناك يُعامل بوصفه فعلًا سياسيًا ذا تبعات اجتماعية، وليس رأيًا شخصيًا محصنًا من النقد، وهو ما يخلق وعيًا انتخابيًا جماعيًا يضغط على الأفراد لتبنّي خيارات أكثر مسؤولية.

الحاجة إلى حركة اجتماعية توبيخية

لم يعد كافيًا توجيه النقد إلى الأحزاب والسلطة وحدها؛ لا بد من هزّ أكتاف الناخبين أنفسهم. يجب أن تنشأ حركة اجتماعية نشطة تفضح السلوك الانتهازي والجهل السياسي، وتعيد تعريف التصويت باعتباره مسؤولية جماعية لا خيارًا فرديًا معزولًا.
ينبغي أن يُوبَّخ هؤلاء الناخبون اجتماعيًا، لا بمعنى الإقصاء أو العنف، بل بمعنى فضح خياراتهم سياسيًا، ومساءلتهم علنًا، وخلق وعي جمعي يجعل من السلوك الانتخابي موضوعًا للمحاسبة الأخلاقية والمدنية. فالديمقراطية لا تستقيم فقط بقوانين الانتخاب، بل أيضًا بثقافة انتخابية مسؤولة.

خاتمة

من دون إصلاح الوعي الانتخابي، سيظل أي إصلاح سياسي في العراق هشًا وعرضة للانتكاس. فصناديق الاقتراع ليست محايدة؛ إنها تعكس وعي المجتمع أو جهله، أخلاقه أو انتهازيته. وإذا استمر الناخب العراقي على هذا المنوال، فإن العملية الانتخابية ستبقى دائرة مغلقة تعيد إنتاج الأزمة نفسها.
إن بناء حركة اجتماعية تحاسب الناخب وتحمّله مسؤولية قراره هو خطوة أساسية في كسر هذه الدائرة، وفتح أفقٍ سياسي مختل



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...


المزيد.....




- حزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة استمرار اختطاف الرفي ...
- شاهد.. اشتباكات بين متظاهرين وعناصر فيدراليين في بورتلاند
- م.م.ن.ص// التضامن مع معتقلي أسطول -الصمود- معركة أخرى في مس ...
- رؤيتنا: نظام بلا هياكل شعبية في عالم متزايد الأزمات
- -ماركسي- أميركي من تركيا.. كيف جذب المؤثر حسن بايكر ملايين ا ...
- وسط سلام بين أنقرة وحزب العمال.. قرويون يعودون إلى مزارعهم ف ...
- جيل Z 212 واحتجاجات الشباب في المغرب: من الفضاء الرقمي إلى ا ...
- جورجيا: الحزب الحاكم يفوز بالانتخابات المحلية وسط تصاعد الاح ...
- محتجون في فرنسا وإسبانيا يطالبون بوقف الدعم العسكري للكيان ا ...
- الغضب يملأ عشرات آلاف المتظاهرين لأجل غزة في شوارع مدريد


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانتخابي العراقي