أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني














المزيد.....

فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 16:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حين نشر الباحث الأمريكي غراهام أليسون كتابه الشهير ( هل محكومون بالحرب ...امريكا والصين عام 2017،) وأعاد فيه صياغة عبارة ثوسيديديس عن خوف إسبرطة من صعود أثينا باعتبارها "فخًا" يفسر اندلاع الحروب بين القوى المهيمنة وتلك الصاعدة، وجدت النخبة السياسية والإعلامية في واشنطن أداة مثالية لتسويق رؤيتها. سرعان ما تحوّل "فخ ثوسيديديس" إلى شعار جاهز يتردد في المؤتمرات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية كلما طُرح سؤال عن العلاقة مع الصين، وكأن التاريخ يحكم على الأمريكيين بالحرب الحتمية.

غير أنّ هذا الاستدعاء يكشف عن وظيفة أيديولوجية أكثر مما يعكس حقيقة تاريخية. فالأمريكيون، في لحظة يشعرون فيها بأن هيمنتهم تتآكل، يحتاجون إلى قصة مقنعة يقدمونها لشعبهم، ولا شيء أنسب من تحويل صراع قديم بين مدينتين يونانيتين إلى "قانون" يفسر ضرورة المواجهة مع بكين. وهنا يظهر جوهر الخدعة: ما يُسوَّق كحتمية تاريخية ليس سوى ذريعة لتغطية مصالح استراتيجية واقتصادية معقدة، لا علاقة لها بما حدث في القرن الخامس قبل الميلاد.

هكذا يصبح "فخ ثوسيديديس" أداة خطابية تسوّق الخوف وتقدمه على أنه حقيقة موضوعية لا مهرب منها. فإذا كانت إسبرطة قد خشيت صعود أثينا فاندلعت الحرب، فالأمريكي العادي يُقال له اليوم: لا عجب أن نخشى صعود الصين، فهذا ما تقتضيه طبائع التاريخ. ومن هنا تُصبح كل سياسة عدائية تجاه بكين مجرد ترجمة لقدر تاريخي محتوم، لا خيار سياسي قابل للنقاش.

لكن أي قدر هذا، إذا كان أكبر دائني واشنطن هي بكين نفسها؟ وأي خوف هذا، إذا كان السوق الأمريكي مفتوحًا حتى التخمة أمام البضائع الصينية، بينما لا يمكن لاقتصاد الصين أن يعيش خارج الدولار الأمريكي؟ إن العلاقة بين الدولتين ليست علاقة خصمين يتهيآن لمجابهة نهائية، بل علاقة مشبّعة بتناقض غريب: مواجهة سياسية وإعلامية، مقرونة بتشابك اقتصادي يجعل كل طرف رهينة للآخر. فهل كان بين إسبرطة وأثينا شيء كهذا؟ كلا.

إن الذين يصرّون على "فخ ثوسيديديس" يتجاهلون أن خطوط الإنتاج الأمريكية تعتمد على العمالة الصينية الرخيصة، وأن شركات التكنولوجيا الصينية تحتاج السوق الأمريكي كي تحافظ على وتيرة نموها. يتغاضون عن أن وول ستريت تستثمر في البورصة الصينية، وأن الصين تموّل جزءًا من عجز الخزانة الأمريكية. كيف يمكن إذن اختزال هذه الشبكة المعقدة إلى مجرد "خوف" من الصعود؟ إنها ليست قراءة للتاريخ بل تلاعب به، وليست رؤية للعالم بل خدعة سياسية لتغطية مصالح مادية يجري إخفاؤها عن الجمهور.

بل الحقيقة أعقد وأكثر إثارة للسخرية: العلاقة الأمريكية–الصينية ليست خصومة بسيطة بل شراكة غير مرئية، تجمع بين الاعتماد الاقتصادي المتبادل والتهديد السياسي الظاهر. فالولايات المتحدة تحتاج السوق الصيني لاستمرار أرباح شركاتها الكبرى، والصين تحتاج السوق الأمريكي لتمويل نموها الصناعي والحفاظ على استقرار اقتصادها الداخلي. أي أن الخصومة المعلنة في الإعلام الأمريكي لا تلغي حقيقة التبادل الاقتصادي العميق، ولا تحل محل شبكة مصالح مترابطة تجعل كل طرف لا يستطيع تجاهل الآخر.

من هنا يغدو "فخ ثوسيديديس" ليس أداة لفهم الواقع بل قناعًا إغريقيًا تخفي الولايات المتحدة خلفه سياساتها. فإذا كان لا بد من اسم آخر لهذه الحالة، فهو "فخ التبعية المتبادلة"، حيث الخصومة لا تنفصل عن الحاجة، والمواجهة لا تلغي الشراكة. وحين يُقال للأمريكي إن التاريخ يحكم بالمواجهة، فإن ما يُحجب عنه هو أن هذا "العدو" المزعوم شريك في إنعاش أسواق بلاده وفي سدّ فجوات موازنته.

والأدهى أن الإعلام الأمريكي يشارك في هذه اللعبة بحماسة. فبدل أن يكشف للجمهور حقائق الاقتصاد المتشابك، يكرر على مسامعه رواية "الفخ" كأنها نبوءة علمية، ويعرض الخبراء الذين يرددونها بوصفهم أصواتًا محايدة. الإعلام هنا لا يفسر الواقع، بل يُنتج وعيًا زائفًا يحشد الرأي العام خلف سياسة صدامية. وهكذا تتحول شاشات الأخبار ومراكز الأبحاث إلى مصانع للرواية الرسمية، تبيع للمواطن قصة إغريقية قديمة كي تبرر له سياسات معاصرة لا يمكن الدفاع عنها علنًا دون قناع.

وبهذه الصورة، يصبح نقد التشبيه بين الصين وأمريكا ضرورة ليس فقط فكرية، بل سياسية، لأنه يفضح كيف يُسوَّق التاريخ ليخدم مصالح راهنة، وكيف تتحوّل أحكام التأريخ الغابر إلى أدوات لإخفاء الحقائق الاقتصادية والسياسية المعقدة.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين
- البعد التاريخي لتواجد الإخوان في قطر
- قطر: راعية حماس تختبئ خلف ستار “وساطة سلام”
- فضلات بغداد إلى أوروبا: تجارة غير متوقعة في بدايات القرن الع ...
- الاقتصاد الرقمي: سلعة وهمية بين الرأسمال الوهمي والوهم السيا ...
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج2
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج1
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- بين القانون والسياسة: مفارقة القضاء التركي
- تركيا : الصناعة الدفاعية كأداة تموضع إقليمي


المزيد.....




- الولايات المتحدة اغتيال كيرك يجعل اليسار في خطر
- إيران: نظرة إلى السنوات الثلاث المنصرمة منذ بداية انتفاضة ”ا ...
- هل يمكن لـ-ضريبة الأغنياء- أن تنقذ فرنسا؟
- “الثقافة الإسرائيلية” تحت المقاطعة: حين يتحوّل الفن إلى مرآة ...
- -اليابانيون أولا-.. كيف ظهر اليمين المتطرف في اليابان وما عل ...
- كلمة الميدان: دولة الحرب والمليشيات
- ألمانيا.. حزب اليسار يدعو الحكومة للاعتراف بدولة فلسطين
- فرنسا في الشوارع وفي أزمة سياسية عميقة
- “هذا المكان ملك  لنا”: إسرائيل تواصل هجومها التوسعي في الضفة ...
- تقرير تحقيق للأمم المتحدة يخلص إلى أن إسرائيل مذنبة بارتكاب ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني