أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقليمية














المزيد.....

توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقليمية


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 13:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أكثر من أربعة عقود، حين تسربت أنباء عن صفقة صواريخ صينية دخلت الترسانة السعودية، كان ذلك بمثابة إشارة أولى إلى طموح الرياض في امتلاك أوراق ردع تتجاوز الاعتماد الكامل على المظلة الأمريكية. ومع أن الصفقة ظلت ملفوفة بالغموض، إلا أن أثرها الاستراتيجي بقي حاضرًا: السعودية لا تكتفي بالدور التقليدي كـ"مستهلك للأمن"، بل تسعى منذ زمن بعيد إلى بناء خيارات بديلة.

هذا الخيار اكتمل لاحقًا عبر العلاقة الخاصة مع باكستان، حيث يقال إن التمويل السعودي كان الركيزة الأهم وراء البرنامج النووي الباكستاني. ومع أن الرياض لم تعلن يومًا امتلاكها لسلاح نووي، إلا أن "الحق غير المعلن بالوصول" إليه ظل حاضرًا في معادلات القوة الإقليمية.

الإعلان الأخير عن معاهدة دفاع أمني بين السعودية وباكستان، وبتوقيع مباشر من ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني، يعيد فتح هذا الباب على مصراعيه. فالمسألة لم تعد مجرد تعاون عسكري، بل صياغة مظلة ردع متبادلة: ثروة السعودية المالية والتكنولوجية تقترن بترسانة باكستان النووية والخبرة العسكرية.

هنا يصبح السؤال مشروعًا: أليست السعودية بصدد الحلول في الموقع ذاته الذي بنت إيران صورتها فيه طوال العقود الماضية؟ أي "قوة الردع الإقليمية" التي تفرض معادلاتها على الخصوم؟ الفارق أن طهران سارت في طريق التصنيع النووي المباشر، فيما اختارت الرياض طريق التمويل والتحالف. النتيجة، مع ذلك، قد تكون واحدة: توازن رعب جديد في الخليج.

لكن هذه المرة، لا يتوقف الأمر عند الردع العسكري. فإصرار السعودية على مشروع حل الدولتين يأخذ معنى مختلفًا حين يُسند بقوة ردع موازنة لإيران ومقيدة لإسرائيل. إذ لم يعد مشروع الرياض مجرد مبادرة دبلوماسية، بل مشروعًا مدعومًا بغطاء استراتيجي يحميه من الابتزاز العسكري ويمنحه وزنًا تفاوضيًا أكبر. إيران قدمت نفسها كقوة "ممانعة" في مواجهة إسرائيل، بينما السعودية تقدم نفسها كقوة "راعية للسلام" وفق مشروع الدولتين – لكن مع امتلاك أدوات ردع تجعلها قادرة على فرض هذا السلام بشروط عربية، لا مجرد الاستجداء بوعود الغرب. وهنا تكتسب الرياض شرعية مضاعفة: فهي من جهة تمثل الإجماع الدولي الساعي إلى حل الدولتين، ومن جهة أخرى تثبت أنها ليست الحلقة الأضعف في ميزان القوى.

ولا يكتمل هذا المشهد من دون الإشارة إلى الصين، التي تقترب شيئًا فشيئًا من لعب دور مركزي في معادلات الردع الجديدة. فالصين لم تعد مجرد شريك اقتصادي للرياض، بل دخلت كمورد مهم ومباشر لمنظومات الدفاع الجوي السعودية، بما يشكّل خطًا موازيًا في بناء القدرة الردعية. إن استمرار ضخ الأسلحة الصينية إلى السعودية لا يعزز فقط مناعة المملكة في وجه التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة، بل يرسخ كذلك الحضور الصيني كضامن لتوازنات جديدة في المنطقة.

بهذا تصبح صورة التحالف أوضح: معاهدة دفاعية مع باكستان تعني ربطًا غير مباشر بالقدرة النووية، وتسليح صيني متنامٍ يعني إدخال لاعب دولي ثانٍ إلى ساحة الردع الإقليمي، بجانب الولايات المتحدة التي يتراجع حضورها العسكري المباشر. نحن إذن أمام ملامح محور جديد صيني–باكستاني–سعودي، يمتد كرمح استراتيجي يمر فوق إيران وصولًا إلى إسرائيل.

إنه محور لا يُبنى على التصادم المباشر بقدر ما يُبنى على فكرة "الردع الموزون": السعودية في مركزه بفضل المال والسياسة، باكستان بحكم السلاح النووي والخبرة العسكرية، والصين باعتبارها المزود المركزي للأنظمة الدفاعية المتقدمة. ومن هنا يمكن القول إن السعودية لا توازن إيران فحسب، بل تعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط بما يضعها في صدارة محور دولي–إقليمي جديد قادر على فرض شروطه على معادلات الحرب والسلام معًا.

ومع ذلك، ومن الضروري التأكيد، ما نراه اليوم لا يمكن اعتباره أكثر من قراءة أولية متواضعة للحدث. هذه القراءة مفروضة نفسها بكونها مرحلية ومحدودة، لأن أي محاولة لنقل الحدث مباشرة إلى إطار المخيال السياسي الشامل لن تكفي إلا لوصفه بأنه انقلاب مفصلي في النمطيّة التاريخية للمنطقة. حتى الآن، لا يمكن اعتبار المعاهدة السعودية–الباكستانية–التسليح الصيني أكثر من فعالية مرحلية، تؤسس لأسس تحولات محتملة في بنية القوى الإقليمية، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة تشكيل موازين نهائية أو معادلات استراتيجية مكتملة.

ولذلك، يمكن إضافة بعد استشرافي محدود: ما نشهده اليوم قد يشكل نواة سيناريوهات مستقبلية متعددة. فمن الممكن أن يتطور محور السعودية–باكستان–الصين ليصبح قوة ضاغطة على إيران، ويعيد رسم التوازنات الإقليمية بشكل أوسع، وربما يؤثر على فرص نجاح أو تعطيل مشاريع كحل الدولتين.

ويمكن تشخيص بعد أعمق في هذه المرحلة: الصين تستثمر المحور من طرفين متوازيين، باتجاه إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى نحو الهند، مستفيدة من تواجد باكستان في الخليج الذي يتيح لها تطوير إمكانيات مواجهة الهند بشكل استراتيجي. وهذا البعد يضفي على المحور طابعًا دوليًا–إقليميًا مزدوج التأثير، حيث لا يقتصر دوره على ضبط التوازنات في الشرق الأوسط فحسب، بل يمتد إلى المنافسات الكبرى في جنوب آسيا، ما يعزز قدرة المحور على استثمار القوة الاقتصادية والعسكرية لتحقيق أهداف استراتيجية متعددة في وقت واحد.

لكن، في أي حال، الحدث الحالي يمثل إطلاق عملية استراتيجية متدرجة، تتطلب متابعة دقيقة ومستقرة عبر الشهور والسنوات القادمة لتحديد مدى تأثيرها على المشروع السياسي السعودي، على موازين القوة الإقليمية، وعلى فرص تحريك ملفات حساسة مثل حل الدولتين.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين
- البعد التاريخي لتواجد الإخوان في قطر
- قطر: راعية حماس تختبئ خلف ستار “وساطة سلام”
- فضلات بغداد إلى أوروبا: تجارة غير متوقعة في بدايات القرن الع ...
- الاقتصاد الرقمي: سلعة وهمية بين الرأسمال الوهمي والوهم السيا ...
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج2
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج1
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- النفط العراقي بين منفذ الأردن واستراتيجية -النفط مقابل الماء ...
- بين القانون والسياسة: مفارقة القضاء التركي
- تركيا : الصناعة الدفاعية كأداة تموضع إقليمي
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط..ج6
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط...ج5
- الأرستقراطيه المقاتله..من بدر الى معركة شرقاط ...ح4


المزيد.....




- اكتشاف يذهل العلماء.. فتاة تعثر على صدفة سلحفاة عمرها 32 ملي ...
- مجلس الأمن يصوت ضد مشروع قرار يمنع تفعيل -آلية الزناد- في ال ...
- مقتل قيادي في -داعش- بعملية أمنية عراقية في سوريا.. ما علاقت ...
- كيف تحولت عملية مياه بيضاء بسيطة إلى كابوس يهدد بصر العشرات ...
- غزة: لماذا كانت دائماً ساحة صراع؟
- -سيأتي دورك-.. كاتس يهدد زعيم الحوثيين ويتوعد برفع العلم الإ ...
- الدوحة تستقبل بريطانيين أفرج عنهما من أفغانستان بوساطة قطرية ...
- التجويع الإسرائيلي يحصد مزيدا من أرواح الأجنة والخدج
- الاحتلال يهدد بقصف غير مسبوق لغزة وغاراته توقع عشرات الشهداء ...
- كابل ترفض تصريحات ترامب بشأن السيطرة على قاعدة باغرام


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقليمية