ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 14:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يختلف مفهوم العدالة عند الليبراليين وعند الماركسيين لا على مستوى الوسائل أو الآليات فحسب، بل على مستوى التصور الأنطولوجي للوجود الاجتماعي. أي أن الخلاف ليس إصلاحيًا أو سياسيًا، بل يتعلق بماهية الإنسان ذاته، وما إذا كانت العدالة نابعة من أصلٍ سرمدي أو من مسار تاريخي قابل للتحول.
1. العدالة الاجتماعية الليبرالية
في التصور الليبرالي، تُفهم العدالة من داخل أفق الملكية الخاصة. الملكية هنا ليست واقعة تاريخية مشروطة بظروف نشوئها وتطورها، بل هي جوهر خالد، قدرٌ إنساني ثابت لا يُمسّ. ولهذا لا يجرؤ الخطاب الليبرالي على نقد الملكية أو مساءلتها؛ كل ما يستطيع فعله هو الاعتراف بما تخلّفه من مظالم وتفاوت، ثم السعي إلى تشذيب هذه المظالم عبر إصلاحات اجتماعية محدودة. العدالة الاجتماعية، بهذا المعنى، هي تلطيف الجرح دون مسّه، وهي اعتراف ضمني بأن الظلم حادثٌ وتاريخي، بينما الملكية أبدية وسرمدية.
2. العدالة الاشتراكية الماركسية
أما في التصور الماركسي، فالعدالة أسبق من الملكية الخاصة. العدالة هنا ليست ممكنة داخل الرأسمالية، بل تتحقق في تجاوزها. فالملكية الخاصة ليست جوهرًا خالدًا، بل موضوعًا تاريخيًا ظهر في لحظة معينة من تطور المجتمع البشري، ويمكن –بل ومن المحتوم– أن ينقض. بهذا المعنى، العدل ليس تلطيفًا لآثار الملكية الخاصة، بل نفيٌ لها وإعادة بناء لشروط الاجتماع الإنساني على أساس جماعي.
3. في البنية الفلسفية
الليبرالي إذن مثالي مفطر: ينطلق من فرضية مسبقة تقول إن الملكية قدرٌ سرمدي، ثم يحاول التوفيق بين هذا "القدر" وبين فكرة العدالة. لكنه بذلك يقع في تناقض صريح، لأن التاريخ والأنثروبولوجيا والاقتصاد جميعًا تؤكد أن الملكية الخاصة ليست سوى مرحلة في مسار التطور الاجتماعي. الماركسي، بالمقابل، مادي تاريخي: يعيد العدالة إلى شرطها الأول، أي إلى ما قبل ظهور الملكية الخاصة، ويرى في هذه الأخيرة مجرد طورٍ قابل للنقض.
4. في طبيعة الإنسان
وإذا انتقلنا إلى مستوى الإنسان ذاته، اتضح أن ما يقوله الماركسي ينسجم مع الطبيعة الإنسانية أكثر مما يقوله الليبرالي. فالإنسان، في جوهره البيولوجي والاجتماعي، لم يُخلق مالكًا خاصًا، بل كائنًا جماعيًا عاش أولًا في المشاعية البدائية قبل أن ينشأ التملك الفردي. العدالة إذن ليست "ترويضًا" لآثار الملكية، بل عودة إلى الأصل الإنساني في صورته الأرقى: أصل المشاركة والتكافؤ.
الخلاصة
العدالة الاجتماعية، كما يطرحها الليبرالي، هي تسليم بالملكية الخاصة كقدر أبدي وتشذيب لنتائجها. أما العدالة الاشتراكية فهي تفكيك لهذا القدر المزعوم وكشف لطابعه التاريخي، ومن ثم تجاوزه. الليبرالي مثالي يستمد منطقه من وهمٍ سرمدي، أما الماركسي فيستند إلى التاريخ والعلم والطبيعة الإنسانية ذاتها. وهكذا، يتبدى الفرق الجوهري: العدالة الاجتماعية وهمٌ إصلاحي، والعدالة الاشتراكية حقيقة مادية في طريقها إلى التحقق.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟