ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 15:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
المقاطعة لا يمكن أن تكون خيارًا هادئًا أو انسحابًا سلبيًا. إنما هي فعل صدامي، رفض جذري لبنية سياسية فاسدة تُعيد إنتاج الخراب نفسه مع كل دورة انتخابية. فالذهاب إلى صناديق النظام ليس مجرد ممارسة "ديمقراطية"، بل هو مساهمة مباشرة في تثبيت سلطة أقلية طائفية–ريعية لا تعترف بغير مصالحها.
المشكلة الأعمق تكمن في الموقف الانتهازي لأولئك الذين يروجون للانتخابات أو يعلنون تأييدهم لها. هؤلاء لا يمثلون سوى وجه آخر للسلطة، حتى إن ادعوا أنهم مستقلون أو إصلاحيون. إنهم يغلفون مصالحهم الخاصة بخطاب زائف عن التغيير، بينما الحقيقة أنهم يضعون أصواتهم وأصوات الآخرين في خدمة نفس النظام الذي دمّر الأغلبية وسلبها حقها في العمل والعيش الكريم. إن المشاركة في هذه الانتخابات ليست بريئة، بل هي أداة مركزية في تيئيس المظلومين والمهمشين، وتحويلهم إلى كتلة خاملة تُقاد من أزمة إلى أخرى.
ولا يمكن التغاضي عن التيار الصدري، الذي يعلن مقاطعته الانتخابات لكنه يتجنب السير في الطريق الصحيح. تجاربه السابقة تكشف بوضوح أنه لا يمثل مصدر ثقة، وأن مقاطعته قد تتحول في أية لحظة إلى ورقة ابتزاز جديدة. من يتخذ موقفًا مزدوجًا كهذا لا يختلف عن داعمي الانتخابات، فكلاهما يشتغل على حساب الطبقات المقهورة، سواء بالتواطؤ المباشر أو باللعب على التناقضات.
إن كشف هذه الانتهازية ليس ترفًا فكريًا، بل واجب سياسي وأخلاقي. فالانتخابات ليست سوى آلية لإعادة تدوير النخب، أما المقاطعة فهي إعلان صريح عن رفض أن يكون الإنسان شريكًا في جريمة إعادة إنتاج الاستبداد. والمطلوب أن تتحول المقاطعة إلى فعل صدامي ناقد، يفضح كل من يحاول تسويق الوهم الانتخابي، ويجعل من حضور الأغلبية قوة اجتماعية تعطل ماكينة السلطة بدل أن تغذيها.
ومع ذلك، يجب التحذير بوضوح: حالة مقاطعة الانتخابات إن لم تُنظّم على أساس الخطة الجماهيرية والطبقية التي ناقشناها، وإن لم تنتج حركة منظمة وواضحة المعالم، فإنها قد تتحول إلى فراغ سياسي وفوضى حال فشل الانتخابات. وغياب عنصر التنظيم الجماهيري والطبقي، إلى جانب التداعيات المحتملة للمشهد السياسي الدولي في المنطقة، قد يجعل المقاطعة تبدو لاحقًا كمحاولة شكليه لتغيير السلطة وفق مصالح الجهات الدولية، بدلاً من أن تكون قوة فعّالة لبناء بديل شعبي حقيقي ومستقل.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟