أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار















المزيد.....

الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 14:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في عالمنا، الماضي ليس مجرد زمن مرّ، بل التأريخ نفسه مشمول بوصفه وهم، يختبئ وراء الثقافة، يقدّم سرديات جاهزة، بينما هو إعادة تركيب لما نريد أن نتذكره. المستقبل يتخفى بالتفكير، يغري العقل بالاحتمالات والتحليلات، لكنه مجرد خيال لما قد يكون. بين وهم التأريخ وخيال المستقبل يلمع الحاضر كوميض قصير، مراوغ، لحظة الحقيقة الوحيدة التي نستطيع اصطيادها، مرتبطة بزمننا البيولوجي ووجودنا ونشاطاتنا العملية، لحظة نلتقطها كصورة ضمن سيناريو متحرك ودؤوب، تضعنا على تماس مباشر مع الواقع.

الحاضر، بكل عمقه، يتجسد في المشاريع التي تلتزم بالطبقية كحقيقة ثابتة. الثقافة والتفكير، رغم ارتباطهما بالماضي والمستقبل، هما أدوات وعي الحاضر، وسيلتنا لصيد وميض الحقيقة بين وهم الأمس وخيال الغد. الحقيقة ليست شيئًا نملكه بشكل مطلق، بل لحظة إدراك للحاضر الملموس، مرتبطة بزمننا البيولوجي ووجودنا ونشاطاتنا العملية. من هذا الجانب، نصبح قادرين على الإمساك بالحقيقة، ولو مؤقتًا، كأننا نلتقط لقطة لصورة داخل سيناريو متحرك ودؤوب، لحظة تتبدد سريعًا لكنها حقيقية بما يكفي لتوجيه وعي الفعل واتخاذ القرار.

لكي نفهم لماذا اعتُبرت الطبقية حقيقة الحاضر، علينا أن ندرك أن هذه الحقيقة ليست مجرد فكرة نظرية، بل مرتبطة مباشرة بوجودنا البيولوجي ومعايشنا اليومية: نحن نأكل، نعمل، نستهلك، ننتج، ونجابه العالم بأجسادنا وحواسنا. هذه الوقائع المادية هي التي تجعل الطبقية ملموسة وحاضرة في كل لحظة من حياتنا، وليست مجرد تصورات أو تحليلات.

الطبقية لا تتأجل إلى الماضي ولا تترسخ في المستقبل؛ فهي ليست ذكرى نحتفظ بها، ولا حلم نتصوره، بل واقع محسوس الآن، يتجلى في توزيع الثروة، في تنظيم العمل، وفي مراكز السلطة. وعليه، فإن الحاضر يمسك بالطبقية باعتبارها أقرب صورة مادية للوعي: حين يواجه الإنسان حقيقة وجوده، يجد نفسه مصنفًا طبقياً، محددًا في علاقته بالممتلكات والقدرة على اتخاذ القرار والعمل.

أما المشاريع السياسية التي تدّعي تجاوز الطبقات أو تجاهلها، فغالبًا ما تعود إلى الوهم، سواء كان تاريخيًا أسطوريًا أو مستقبليًا طوباويًا، لأنها تنأى عن الواقع المادي الذي يُشكّل أساس كل وعي وإدراك للحقيقة.

سواء كانت المشاريع سياسية ماركسية أو معارضة للماركسية، فإن نجاحها أو واقعيتها يقاس بمدى وعيها بالطبقات وحقائقها، وقدرتها على التعامل مع الواقع الاجتماعي كما هو، لا كما كان، ولا كما نتخيله. أي مشروع سياسي يتجاهل البنية الطبقية أو يختال على الحاضر متسلحًا بالتاريخ أو المستقبل، يخون الحقيقة ويغرق في أوهام السرديات التاريخية أو الطوباويات المستقبلية.

المعيار السياسي إذن واضح: القدرة على قراءة الحاضر بدقة، وفهم البنية الطبقية، واتخاذ القرار والعمل بناءً على الواقع الملموس. كل مشروع سياسي ينجح في ذلك يتجاوز وهم التأريخ وخيال المستقبل، ويصبح قادرًا على التفاعل الحقيقي مع المجتمع وتحقيق التغيير.

الحقيقة، في نهاية المطاف، ليست محطة، ولا زمنًا مطلقًا، بل وميض مستمر من الإدراك الصافي للحاضر، لحظة قصيرة، مراوغة، تدفعنا دائمًا نحو لحظة جديدة من الإدراك، نحو حقيقة أخرى، نحو وعي حقيقي للطبقات وممارسة سياسية واقعية.
أمثلة عالمية على وهم الماضي وخيال المستقبل

عبر التاريخ السياسي الحديث، تتكرر النماذج التي تُظهر كيف أن المشاريع التي ارتكنت إلى الماضي أو إلى المستقبل أخفقت في الإمساك بالحاضر.

المشاريع التاريخانية (الوهم):
الفاشية والنازية مثّلتا أوضح تجليات هذا النمط. كلتاهما أعادتا تشكيل الحاضر عبر وهم ماضٍ أسطوري: "المجد الجرماني"، "روما الجديدة"، "العِرق الآري". هذه المشاريع أخفقت لأنها عجزت عن الإمساك بالواقع الطبقي الذي كان يضغط على أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى. بدل أن تواجه البطالة والأزمات الاقتصادية، غرقت في أساطير التاريخ، فدفعت شعوبها والعالم نحو الكارثة.

المشاريع المستقبلية الطوباوية (الخيال):
النيوليبرالية منذ الثمانينيات قدّمت نفسها باعتبارها "نهاية التاريخ" و"الطريق الوحيد للمستقبل"، واعدةً بالرخاء عبر السوق الحر والخصخصة والعولمة. لكنها في الواقع تجاهلت البنية الطبقية، فأعادت إنتاج الانقسام الاجتماعي بشكل أعنف: أقلية تحتكر رأس المال، وأغلبية مفقرة ومهمشة. ما قدّمته لم يكن سوى خيالٍ اقتصادي يبرّر مصالح النخبة المالية.

المشاريع التي لامست الحاضر الطبقي:
التجربة الماركسية في أميركا اللاتينية (فنزويلا، بوليفيا، كوبا بدرجة ما) استطاعت، رغم التحديات، أن تضع يدها على جوهر الصراع الطبقي: توزيع الثروة، السيطرة على الموارد، تمكين الطبقات الشعبية. ورغم ما شاب هذه التجارب من أخطاء أو إخفاقات، إلا أنها بقيت أوثق ارتباطًا بالحاضر المادي مقارنة بمشاريع اليمين أو النيوليبرالية.

الصين كنموذج مختلط:
الصين المعاصرة تقدم مثالًا معقدًا: فهي لم تبقَ أسيرة وهم الماضي الإمبراطوري، ولم تستسلم لخيال المستقبل النيوليبرالي، بل اشتغلت على بنية طبقية محددة: تطوير قوة العمل، السيطرة على وسائل الإنتاج الكبرى، وتوظيف الدولة في إدارة التوازن الاجتماعي. نجاحها الاقتصادي ليس معزولًا عن هذا الوعي الطبقي، حتى لو جاء في صيغة تختلف عن الماركسية الكلاسيكية.

بهذا، يتضح أن كل مشروع سياسي لا يُمسك بالطبقية إنما يخاصم الحاضر ويغرق في الوهم أو الخيال، بينما وحدها المشاريع التي تُدرك أن الطبقة هي حقيقة الحاضر قادرة على الإمساك بوميض الحقيقة والعمل انطلاقًا منه.

أمثلة راهنة على وهم الماضي وخيال المستقبل

في العقد الأخير، تتضح الصورة بجلاء في تجارب سياسية حية:

اليمين الشعبوي في أوروبا وأميركا: عاد إلى أوهام الماضي، مثل شعار "استعادة العظمة" في الولايات المتحدة أو خطاب "أوروبا المسيحية" في المجر وإيطاليا. هذه المشاريع لم تواجه الأزمات الطبقية المتمثلة في التفاوت الاجتماعي وأزمات العمل، بل لجأت إلى التاريخ كملاذ وهمي يعيد صياغة الهوية القومية.

النيوليبرالية المتجددة: ما زالت تتغذى على وعد المستقبل، من وعود "التحول الأخضر" إلى "الثورة الرقمية" باعتبارها حلولًا سحرية لكل أزمة. لكنها في الواقع أعادت إنتاج الاستغلال الطبقي بأشكال جديدة: شركات التكنولوجيا العملاقة التي تحتكر المعرفة والعمل، وأسواق الطاقة الخضراء التي بقيت رهينة مصالح رأس المال.

الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا: أغلب المشاريع السياسية المتنازعة فيها تلوذ بالماضي أو المستقبل: شعارات "المجد التاريخي" و"العودة إلى الهوية"، أو أحلام "بناء دولة جديدة" على أنقاض القديم. لكن الحقيقة الحاضرة التي تفرض نفسها يوميًا هي طبقية: من يموت في الجبهات؟ من يُهجّر؟ من يحتكر الثروات في ظل الخراب؟ الواقع يجيب بوضوح أن الطبقات الشعبية تتحمل الكلفة بينما النخب تتصارع على الوهم والخيال.

حركات الاحتجاج العالمية (من تشيلي ولبنان إلى فرنسا): على النقيض، هذه الحركات جسدت الإمساك بالحاضر. شعاراتها انطلقت من هموم طبقية مباشرة: الأجور، الضرائب، الخدمات، توزيع الثروة. لم تنطلق من الماضي ولا من وعود مستقبلية طوباوية، بل من الحاضر العياني الذي يعيشه الناس.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين
- البعد التاريخي لتواجد الإخوان في قطر
- قطر: راعية حماس تختبئ خلف ستار “وساطة سلام”
- فضلات بغداد إلى أوروبا: تجارة غير متوقعة في بدايات القرن الع ...
- الاقتصاد الرقمي: سلعة وهمية بين الرأسمال الوهمي والوهم السيا ...
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج2


المزيد.....




- م.م.ن.ص// رؤية جدلية للصحة العامة (رؤية ثورية بديلة)- الجزء ...
- حزب التقدم والاشتراكية إثر زيارة التهراوي لتطوان: سبق وحذرنا ...
- فرنسا: اليمين ينتقد -حكما سياسيا- واليسار يشيد بـ-انتصار الع ...
- م.م.ن.ص// تحول الصحة من الحق الى سلعة: التخطيط المنظم لإفقا ...
- الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يجتمع بالقيادة العامة ل ...
- العدوان الصهيوني الغادر على اليمن يعمق مأزق الاحتلال وفشله ف ...
- اللجنة الوطنية لدعم عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك بمكناس: بلاغ ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو للمشاركة ال ...
- اضطرابات الأكل تصيب الأثرياء.. لكن الفقراء يدفعون الثمن الأك ...
- محمود عباس يدعو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لتسليم سلاحه ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار