أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي















المزيد.....

كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 14:05
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تجربة كوبا الاشتراكية، الممتدة منذ ثورة 1959، ليست مجرد بقايا من زمن الحرب الباردة، بل هي حالة مقاومة تاريخية ضد الرأسمالية العالمية وضد الهيمنة الأمريكية المباشرة. ستة عقود من الحصار الاقتصادي والسياسي لم تنجح في تفكيك بنيتها الأساسية، لكن هذا الصمود لم يخلُ من التحديات والتناقضات الداخلية التي تصوغ اليوم المشهد الاجتماعي الكوبي.

الاقتصاد بين الاشتراكية والحصار

اختارت كوبا منذ البداية ملكية الدولة لوسائل الإنتاج الأساسية، معتبرة ذلك شرطاً للاستقلال الوطني والاجتماعي. غير أن سقوط الاتحاد السوفييتي أوقف الدعم الحيوي، ودفع البلاد إلى ما سمي بالفترة الخاصة، حيث ساد نقص حاد في الغذاء والطاقة وأُجبرت الدولة على تبني إجراءات تقشفية قاسية. لتجاوز الأزمة، سمحت الدولة بقدر محدود من الانفتاح الاقتصادي عبر فتح المجال أمام مشاريع صغيرة محدودة، وتحويلات مالية من الخارج، والاعتماد بشكل متزايد على السياحة كمصدر للعملة الصعبة. هذه التنازلات لم تلغِ النظام الاشتراكي، لكنها أدخلت تفاوتاً طبقياً جديداً بين من يملكون الوصول إلى الدولار ومن يعيشون على العملة المحلية، وهو ما شكّل أول اختراق ملموس لمبدأ المساواة الذي ارتكزت عليه الثورة. التناقض الأساسي هنا أن الاشتراكية الكوبية تحافظ على السيطرة العامة على الاقتصاد، لكنها مضطرة لفتح ثغرات رأسمالية لحماية المجتمع من الانهيار الاقتصادي الشامل.

البناء الاجتماعي: إنجازات الثورة الحقيقية

رغم الضغوط المستمرة، يبقى أكبر انتصار للاشتراكية الكوبية في مجالي التعليم والصحة. التعليم مجاني وعالي الجودة، وقد جعل الشعب الكوبي من بين الشعوب الأكثر تعليماً في أمريكا اللاتينية. الصحة متاحة للجميع، وأطباء كوبا تحولوا إلى ما يشبه سفراء الثورة في العالم، من خلال بعثات طبية واسعة النطاق في عشرات الدول. هذه الإنجازات ليست ترفاً، بل هي جوهر الرؤية الاشتراكية التي تضع كرامة الإنسان خارج منطق السوق. ومع ذلك، فإن العقوبات الأمريكية المتواصلة والندرة الداخلية المزمنة تحد من جودة هذه الخدمات وتجعل الحفاظ عليها تحدياً دائماً في ظل نقص الموارد وغياب التمويل الخارجي المستقر.

التناقضات الاجتماعية في الحياة اليومية

يعيش المجتمع الكوبي اليوم على وقع مفارقة واضحة. فمن جهة، ما تزال هناك شبكة دعم اجتماعي قوية تحمي المواطن من الانهيار الكامل، من خلال التعليم المجاني، الرعاية الصحية الشاملة، والدعم الحكومي للسلع الأساسية. ومن جهة أخرى، ندرة السلع الأساسية، الطوابير الطويلة، والتفاوت المتزايد بين من يمتلكون الدولار ومن يعتمدون على العملة المحلية تخلق تمايزات طبقية مقنّعة داخل مجتمع يُفترض أنه متساوٍ. هذه التناقضات لا تعني فشل الاشتراكية بالضرورة، لكنها تكشف حدود قدرة الدولة على ضبط السوق الداخلية في ظل الضغط الخارجي الهائل، وتسلط الضوء على المسافة المتزايدة بين المبادئ الاشتراكية والواقع المعيشي اليومي.

السياسة والشرعية الثورية

لا يزال النظام السياسي في كوبا قائماً على حزب واحد هو الحزب الشيوعي، وهو بالنسبة للنخب الثورية ضمانة أساسية ضد اختراق السوق والسياسة الأمريكية. غير أن الأجيال الجديدة، التي لم تعش لحظة الثورة أو زمن فيدل كاسترو، باتت تبحث عن صوت مختلف. هذه الأجيال لا تنكر الإنجازات الاجتماعية، لكنها تريد مساحة أكبر للحرية والانفتاح والتعبير السياسي. الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وإن كانت محدودة، تعكس هذا التحول في المزاج الاجتماعي والسياسي. معضلة النظام هنا واضحة: كيف يحافظ على شرعيته أمام جيل جديد لم يعش الثورة ويطالب بالانفتاح، من دون أن يتخلى عن اشتراكيته التي تشكل جوهر هويته السياسية والاجتماعية.

الاحتجاجات ومطالبها

تجلت هذه التغيرات الاجتماعية بوضوح في احتجاجات يوليو 2021، التي شملت أكثر من أربعين مدينة وبلدة، وعبّرت عن تململ شعبي واسع. هذه الاحتجاجات لم تكن مؤطرة حزبياً، بل اندفعت من القاعدة الشعبية مطالبة بالحرية وتحسين ظروف المعيشة. المطالب التي رفعتها الجماهير كانت موضوعية من حيث تعبيرها عن حاجات حقيقية يشعر بها المواطن يومياً، لكنها لم تكن واقعية ضمن القدرات الحالية للدولة الكوبية. فالنظام يعيش ضمن موارد محدودة، محاصر اقتصادياً، ولا يمتلك الأدوات التي تمكنه من الاستجابة الفورية لتلك المطالب. وهنا يكمن الفرق الجوهري بين المطالب الموضوعية التي تعكس حاجة واقعية، والمطالب الواقعية التي يمكن تنفيذها ضمن الإمكانات المتاحة.

لو افترضنا جدلاً أن الحكومة قررت تلبية تلك المطالب بسرعة، فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا عبر التخلي عن النموذج الاشتراكي والانخراط في الليبرالية الاقتصادية للاندماج في السوق الرأسمالية العالمية. مثل هذا التحول قد يحقق بعض التحسينات الجزئية، كتحسين قطاع الكهرباء أو جذب استثمارات معينة، لكنه سيؤدي في المقابل إلى نتائج اجتماعية غير متكافئة. سيستفيد نحو خمسة إلى عشرة في المئة من السكان من مزايا الرفاه الناتجة عن هذا الانفتاح، بينما سيبقى تسعون في المئة في وضعهم الطبقي الحالي أو يتراجعون أكثر مع تفكك شبكة الحماية الاجتماعية التي وفرتها الاشتراكية لعقود. هذا السيناريو يطرح سؤالاً جوهرياً حول مدى عقلانية مثل هذا الخيار بالنسبة لمجتمع كوبي تشكل فيه العدالة الاجتماعية جوهر الهوية الوطنية منذ الثورة.

الخاتمة

كوبا اليوم تقف أمام خيار تاريخي بالغ الحساسية. إما أن تثبت على الاشتراكية كخط دفاع سيادي واجتماعي ضد الرأسمالية العالمية مع إدخال إصلاحات محسوبة تمنع تفكك المجتمع، أو أن تنفتح ليبرالياً بطريقة غير منضبطة تؤدي إلى إعادة إنتاج التبعية والتفاوتات الطبقية. احتجاجات يوليو 2021 لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت مؤشراً على وصول النموذج الكوبي إلى حدود طاقته التاريخية في صورته الحالية، في الوقت الذي لا يمتلك فيه المجتمع بديلاً جاهزاً يضمن العدالة الاجتماعية والرفاه معاً. اشتراكية كوبا ليست نموذجاً مثالياً خالياً من التناقضات، لكنها شهادة حيّة على إمكانية الصمود ضد الإمبريالية لعقود طويلة. قوتها تكمن في التعليم والصحة والكرامة الإنسانية، وضعفها في اقتصاد مرهق ومحاصر. المعركة الحقيقية اليوم ليست بين الاشتراكية والديمقراطية، بل بين اشتراكية متجددة تحافظ على جوهر العدالة وبين رأسمالية مشوهة تهدد بتحويل إنجازات الشعب إلى مجرد ذكرى.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...


المزيد.....




- هاوپ?چي ??ژنام?ي ??وت ژمار? 38 ئ?يلولي 2025
- بن?ما ??کخراو?يـي?کاني ??کخراوي ب?ديلي ک?م?نيستي ل? ع??اق
- ??ژنام?ي ??وت ژمار? 38
- تارمايي ش??شي ک?م??اي?تي ب?س?ر ئ?جينداکاني ب?رژوازيدا
- رؤيتنا: تسقط خطة ترامب “مقترح الاستسلام”
- رسالة إلى رفاق ورفيقات النضال من جيل212z
- نداء المشاركة في المسيرة الوطنية بالرباط يوم الأحد 5 أكتوبر ...
- كوت ديفوار تحظر التظاهر قبيل مسيرة للمعارضة
- إغلاق قناة -ناصر-.. وأسرة عبد الناصر تتحرك لإنقاذ الأرشيف
- هتافات المتظاهرين في المغرب.. لا نريد كأس العالم، نطالب بتحس ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي