ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 18:47
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إعلان دونالد ترامب عن مشروع جديد لوقف الحرب في غزة، يتضمن تشكيل «مجلس سلام» برئاسته، يعيد إنتاج المسرحية القديمة التي اعتادت الإمبريالية الأميركية وحلفاؤها تقديمها في كل صراع: هم من يصنعون الحرب، وهم من يعرضون أنفسهم كوسطاء سلام. لكن خلف هذه الواجهة الناعمة ثمة واقع شديد القسوة، يكشف كيف تُدار المنطقة بوصفها ساحة تجارب للابتزاز السياسي والاقتصادي.
الحرب على غزة لم تكن مجرد صدام عسكري، بل لحظة مفصلية أطلقت فيها القوى الكبرى آلياتها المزدوجة: أولاً، عبر تغذية الاحتلال الإسرائيلي بكل أدوات البطش والتدمير لضمان سحق أي إمكان لمشروع فلسطيني مستقل؛ وثانيًا، عبر إبقاء «خيار السلام» حكرًا على المبادرات الأميركية، حيث يتم التلويح بالحلول بعد أن يكون الدم قد أغرق الأرض. هذا هو منطق الهيمنة: الإمبريالية تشعل النار، ثم تعرض إطفاءها مقابل ثمن سياسي واقتصادي باهظ.
في هذا السياق، لا يمكن التعامل مع حركة «حماس» كقوة مقاومة وطنية. لقد صادرت هذه الحركة معنى المقاومة الفلسطينية، وأدخلت النضال في أفق طائفي–ديني ضيق، بدلاً من أن يبقى تحرريًا–وطنيًا وأمميًا. صعودها لم يكن نتاجًا طبيعيًا للحركة الجماهيرية، بل حصيلة دعم خارجي واضح من قطر وتركيا، واستثمار مصري في بعض المراحل باعتبارها ورقة أمنية، بل إن اليمين الإسرائيلي نفسه وجد فيها أداة مناسبة لتفتيت البنية الوطنية الفلسطينية. فمن خلال حماس، أُفرغ المشروع الوطني من مضمونه، وأُعيد توجيه الصراع من مواجهة الاحتلال كجهاز إمبريالي إلى مواجهة داخلية تُضعف أي أفق تحرري حقيقي.
اليوم، بعد أن أدى هذا المسار وظيفته، تعود القوى الإمبريالية لتطرح نفسها كمنقذ، عبر مشاريع «سلام» تكرّس التبعية وتعيد إنتاج الحصار بصيغة جديدة. فترامب، الذي يعلن نفسه راعيًا لمجلس سلام، ليس سوى وجه آخر للابتزاز: توزيع للأدوار بين القوى الكبرى، حيث يُترك الاحتلال ليعيث تدميرًا، ثم يُستدعى «السلام» بوصفه وسيلة للسيطرة على الإعمار، وضمان استمرار الهيمنة الاقتصادية والسياسية على غزة.
الحقيقة الجوهرية التي يكشفها هذا المشهد أن المقاومة المزعومة التي تديرها أجهزة المخابرات لا يمكن أن تكون بديلاً عن مشروع تحرري حقيقي. وأن «السلام» الذي يُفرض من فوق ليس سوى إعادة ترتيب للهزيمة. الدرس هنا ماركسي بامتياز: لا تحرر للشعب الفلسطيني خارج إطار أممي–طبقي يضع الصراع مع الإمبريالية في مركزه، يستعيد السيادة والإنتاج المحلي، ويكسر القيود القومية–الدينية التي حاصرت غزة وحولتها إلى ساحة رد فعل مستمر.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟