أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - تشرين: منتفضون بلا انتفاضة














المزيد.....

تشرين: منتفضون بلا انتفاضة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 13:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


اندلع حراك تشرين بوصفه انفجارًا اجتماعيًا غاضبًا، لكنه لم يتطوّر إلى انتفاضة ثورية مكتملة. الطابع العام كان عاطفيًا مباشرًا، أقرب إلى ردّ فعل على انسداد الأفق السياسي والاقتصادي، لا مشروعًا سياسيًا ناضجًا. وسرعان ما انقلب المسار من هدف التغيير الجذري إلى مطلب إصلاحي ضبابي: استبدال رأس السلطة.

لقد رفع التشرينيون شعار إسقاط الحكومة، لكنهم توجهوا بمطالبهم إلى ذات القوى التي ثاروا عليها، وكأنهم يصرخون في وجه النظام: "أيها أثَمون، اختاروا لنا قديسًا". هذا الانحراف من خطاب الثورة إلى خطاب الإصلاح جعل الحركة عُرضة للانقضاض والاحتواء.

ولم تُسفر التضحيات عن نتائج ملموسة. تراجع الصوت، وخبا الزخم، فيما واصلت حكومتا الكاظمي ثم السوداني النهج ذاته: فساد بنيوي، تبعية اقتصادية، عجز سيادي. هذه الاستمرارية تؤكد أن تشرين لم تملك مشروعًا سياسيًا يضمن استمراريتها، وأنها أُفرغت من مضمونها قبل أن تستكمل شروط الانتفاضة الثورية الحقيقية.

مصيدة التوظيف الدولي

الأخطر أن المعارضة التي مثّلها التشرينيون، بكل عفويتها ونقاء دوافعها الأولى، تحولت إلى أداة ضمن لعبة النفوذ الدولي. فالحراك، من حيث لا يدري، وقع في شبكة القوى الخارجية التي تسعى لتفكيك توازنات الداخل العراقي بما يخدم تنافسها.

لقد كان واضحًا أن بريطانيا تحديدًا رأت في تشرين فرصة لاختراق المشهد العراقي. فهي، بعكس الولايات المتحدة التي تمسكت بصيغة إدارة النظام القائم كمنظومة متوازنة ومسيطر عليها، دفعت باتجاه تصعيد الغضب الشعبي لإضعاف خصومها المحليين وتعزيز موقعها التنافسي. بمعنى آخر: تحولت المعارضة العراقية من أداة للضغط الاجتماعي إلى ورقة في الصراع البريطاني–الأمريكي على العراق
كيف دخلت بريطانيا على خط تشرين؟

1. الخلفية الاستراتيجية:
بريطانيا لم تغادر العراق فعليًا منذ 2003. احتفظت بقنواتها الأمنية والاستخبارية خاصة في الجنوب النفطي، ولها نفوذ تاريخي–اجتماعي يعود إلى الانتداب. بعكس واشنطن التي أدارت النظام كله عبر المحاصصة، ركزت لندن على تغذية تيارات احتجاجية تُربك خصومها وتفتح لها مجال النفوذ.


2. الأدوات المستخدمة:

الإعلام: تضخيم الرمزية الثورية وتوجيه الخطاب نحو استبدال الأشخاص لا النظام.

المنظمات والـ NGOs: عبر شبكات "المجتمع المدني" التي دعمتها لسنوات، دخلت لندن تحت عنوان الحقوق والديمقراطية، وأعادت تشكيل وعي الاحتجاج.

التدريب السياسي والإعلامي: استقطاب شباب إلى برامج في أربيل وعمان وبغداد نفسها، لبناء نخب "معارضة مروّضة".

إبراز رموز معيّنة: دعم وجوه شبابية تُقدَّم كقيادات "حديثة" ومقبولة غربياً، لتكون قنوات وسيطة بين الحراك والسلطة.

3. لماذا بريطانيا وليس أمريكا؟

واشنطن تمسكت بالتهدئة، ولم تكن معنية باضطراب جديد يعطّل تفاوضها مع إيران أو معركتها الكبرى مع الصين.

لندن أرادت انتزاع دور جديد على حساب واشنطن، مقدمة نفسها كراعٍ لـ"جيل التغيير".

بريطانيا دفعت نحو تأجيج الاحتجاجات لإضعاف النفوذ الإيراني من الباب الشعبي، بينما واشنطن فضلت ضبط التوازن بدل كسره.

بنية هشّة بلا وعي طبقي

جزء أساسي من هذا التوظيف يعود إلى هشاشة بنية تشرين نفسها:

غياب البرنامج الطبقي: الأزمة صُوِّرت كأزمة حكم فردي، لا أزمة اقتصاد ريعي وملكية فاسدة.

الاعتماد على الإعلام الخارجي: جعل الوعي الجمعي موجهًا مسبقًا.

الفراغ التنظيمي: غياب حزب أو نقابة أو تنظيم مستقل جعل الحراك لقمة سائغة للتدخلات.

ما بعد الخفوت

اليوم، وبعد مرور سنوات على تشرين، تتضح الصورة: لم يتغيّر شيء على مستوى الدولة أو البنية الاقتصادية. ما تغيّر فقط هو أن جيلًا واسعًا من الشباب خَبِر معنى الاصطدام بالآلة الأمنية من جهة، ومعنى الوقوع في مصيدة التوظيف الخارجي من جهة أخرى.

إن دروس تشرين لا تكمن في شعاراتها أو نتائجها، بل في فضح الوهم الإصلاحي الذي يفتقر إلى قاعدة مادية صلبة، وفي كشف هشاشة أي حراك شعبي حين يُترك بلا وعي طبقي ولا استقلال سيادي.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين


المزيد.....




- جيل العولمة الرأسمالية والثورة التقنية والرقمية والنضال المي ...
- الجبهة الديمقراطية تثمن الموقف الكولومبي بطرد بعثة الاحتلال ...
- الأحزاب الحكومية تعلن استمرار حرب الطبقة البورجوازية على  ال ...
- غوستافو بيترو.. رئيس كولومبيا اليساري القادم من -حلقة النار- ...
- صوفيا ملك// الثورات لا تعلق على حروف
- النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة هجوم الجيش الصهيوني على ا ...
- نحن أمام مسؤولية تاريخية لوقف المحرقة والحفاظ على قضيتنا
- شاهد اعتقال متظاهرين خارج منشأة تابعة لإدارة الهجرة والجمارك ...
- آلاف المتظاهرين في مدن إيطالية رفضًا لاعتراض إسرائيل -أسطول ...
- بمناسبة الذكرى الـ27 لرحيل جلالة المغفور له الحسن الثاني، وف ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - تشرين: منتفضون بلا انتفاضة