أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق















المزيد.....

في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 3 تشرين الأول/أكتوبر 1932، تم قبول العراق رسمياً في عصبة الأمم، وهو التاريخ الذي اعتُبر لاحقاً "اليوم الوطني العراقي". على المستوى الخارجي، بدا هذا الحدث بمثابة اعتراف دولي بسيادة المملكة العراقية الناشئة. لكن عند النظر بعمق إلى الواقع الداخلي، يتضح أن القبول لم يكن مجرد مناسبة رمزية، بل كان أداة سياسية لتعزيز السلطة المركزية في وجه تحديات كبيرة.

السلطة المركزية بين الرمزية والسيادة الفعلية

الحكومة العراقية، بقيادة الملك فيصل الأول والنخبة السياسية المحيطة به، استخدمت هذا الحدث الدولي لتقوية سلطتها أمام القوى المحلية المختلفة. على الرغم من القبول الدولي، بقي النفوذ البريطاني قائماً، خصوصاً في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يعني أن السيادة كانت جزئية. بالتالي، كان قبول العراق في عصبة الأمم فرصة لتعزيز شرعية الدولة وظهورها بمظهر قوة مركزية قادرة على إدارة شؤون البلاد.

تجديد العلاقة مع بريطانيا

القبول في عصبة الأمم لم يكن مجرد رمز دولي، بل أتاح فرصة لإعادة إنتاج اتفاقية بريطانية قديمة بشكل يعطيها طابعاً دولياً مقبولاً.

اتفاقية 1922 بين العراق وبريطانيا كانت أساس العلاقة بين الدولة الوليدة والانتداب البريطاني السابق، وسميت رسميًا “اتفاقية الحماية البريطانية”. هذه الاتفاقية أعطت بريطانيا سيطرة كبيرة على السياسة الخارجية، الجيش، وبعض الامتيازات الاقتصادية، وقد قوبلت بالرفض من بعض القوى المحلية.

بعد قبول العراق في عصبة الأمم، وقع العراق اتفاقية جديدة مع بريطانيا عام 1932، عُرفت أحيانًا باسم “معاهدة الصداقة والتعاون 1932”. هذه الاتفاقية حلّت محل اتفاقية 1922، وأضفت واجهة قانونية ودولية أكثر مقبولية، بينما حافظت بريطانيا على امتيازاتها إلى حد كبير.


بهذا الشكل، أصبح القبول الدولي للعراق أداة مزدوجة: على المستوى الخارجي رمز للسيادة، وعلى المستوى الداخلي وسيلة لإضفاء الشرعية على اتفاقية بريطانية كانت مثار جدل محلي.

التحديات الداخلية التي كانت تواجهها السلطة

على الصعيد الداخلي، واجهت الحكومة العراقية في عام 1932 مجموعة من التحديات المعقدة:

1. الانقسامات العرقية والطائفية: السنة، الشيعة، الأكراد، ومكونات أخرى مثل المسيحيين والتركمان، كان لكل منها مصالح وامتيازات محلية، مما صعّب بناء سلطة مركزية متماسكة.


2. ضعف الإدارة والمؤسسات الحديثة: الدولة الوليدة كانت تعمل على تأسيس أجهزة حكومية حديثة، لكنها لم تتمكن بعد من فرض السيطرة الكاملة على كل المناطق، خصوصاً الريفية والقبلية.


3. النفوذ القبلي والمناطقي: بعض المناطق، خصوصاً في الجنوب والشمال، حافظت على درجة كبيرة من الاستقلالية في مواجهة الحكومة المركزية، ما أدى إلى توترات مستمرة.


4. الضغوط الاقتصادية: كان الاقتصاد العراقي زراعياً بالأساس، واعتمد على تصدير الحبوب والقطن والتمور. الكساد العالمي في بداية الثلاثينيات أثّر على الأسعار والدخل، وزاد من الاحتقان الاجتماعي بين الفلاحين والعمال.


5. المسائل الأمنية: الجيش العراقي كان الأداة الأساسية لفرض النظام، لكنه لم يكن كافياً للقضاء على جميع أشكال الاحتجاج أو المقاومة القبلية.


الأحداث الداخلية لعام 1932 (للاشهر التي سبقت القرار)

اذار_1932

بدأت الحكومة العراقية بالتحضير للانضمام إلى عصبة الأمم، مع التركيز على تنظيم ملفات الدولة لإظهارها جاهزة للقبول الدولي.

الضغوط البريطانية على الحكومة كانت عالية لضمان أن يتم القبول بطريقة سلسة.

الحكومة بدأت في المشاورات مع القوى القبلية والسياسية لتفادي أي معارضة محلية قد تعيق القبول.


نيسان-1932

شهدت هذه الفترة مناقشات مكثفة حول اتفاقية الصداقة والتعاون الجديدة التي ستحل محل اتفاقية 1922.

بعض القوى القبلية والسياسية أعربت عن رفضها، معتبرة أن الاتفاقية الجديدة لا تمنح العراق سيادة كاملة.

الحكومة استخدمت الحملات الإعلامية والدعاية الرسمية لتسويق "الشرعية الدولية" داخليًا، وحاولت إظهار أن الدولة الجديدة أصبحت دولة ذات اعتراف عالمي.


حزيران_ 1932

الوضع الاقتصادي والاجتماعي كان مضطربًا نتيجة الكساد العالمي، وظهرت احتجاجات فلاحية ومظاهرات ضد سياسات الدولة في بعض المناطق.

الجيش تدخل بشكل محدود للسيطرة على بعض مناطق الاحتجاج، لضمان استقرار الوضع قبل القبول الدولي.

الحكومة ركزت على إظهار قوتها وقدرتها على إدارة البلاد أمام المجتمع الدولي.


تشرين-1932

في 3 تشرين الأول، تم القبول الفعلي للعراق في عصبة الأمم، ورافق ذلك احتفالات رسمية كبيرة لتعزيز الشرعية الرمزية للحدث.

تم توقيع اتفاقية 1932 الجديدة مع بريطانيا، التي أعطت الدولة واجهة قانونية دولية مقبولة، بينما أبقت على بعض النفوذ البريطاني الفعلي.

الحدث أظهر التوازن بين الشرعية الدولية والسيادة الجزئية على الأرض، وأصبح مادة تحليلية سياسية مهمة لاحقًا.

القبول كأداة مزدوجة

من هذا المنظور، يمكن القول إن قبول العراق في عصبة الأمم كان أداة مزدوجة الوظيفة:

على المستوى الدولي، منح الدولة العراقية رمزاً للسيادة والاعتراف بوجودها على الساحة العالمية.

على المستوى الداخلي، ساعد النخبة الحاكمة على تعزيز سلطتها، استخدام الشرعية الدولية في مواجهة التحديات المحلية، وفرض فكرة الدولة الحديثة على جمهور متعدد المكونات، وأتاح تسويق اتفاقية بريطانيا الجديدة 1932 على أنها خطوة نحو السيادة الكاملة.

من 1932 إلى 1958: الثورة كمحاولة لاستعادة السيادة الكاملة

قبول العراق في 1932 أضفى واجهة قانونية ودبلوماسية على الاتفاقية البريطانية، لكنه لم يلغ النفوذ البريطاني ولم يمنح سيادة كاملة.

14 تموز 1958 كان بمثابة "قطع اليد البريطانية" نهائياً في الشؤون الداخلية، إذ أسقطت الثورة الملكية ونظامها التقليدي، وأعلنت الجمهورية العراقية.

هذا الحدث أعاد تعريف السيادة العراقية من رمز دولي جزئي إلى سيادة فعلية على أرض الواقع، مع تحرر من التبعية المباشرة لأي نفوذ استعماري.

الثورة كانت استمرارًا للفكرة الوطنية التي بدأت مع رفض اتفاقيات الحماية، لكنها كانت أكثر فعالية وعملية، محققة استقلالاً حقيقياً بعد عقود من التعامل مع النفوذ البريطاني الرمزي والمقنن.

الاعتبار الفلسفي–السياسي ليوم 3 تشرين الأول

من وجهة نظر الفلسفة السياسية، إعلان 3 تشرين الأول يومًا وطنيًا من قبل النظام الحالي هو اختيار رمزي كثيف الدلالة:

1. الاعتراف بالنظام الملكي: يعني ضمنيًا أن الشرعية التاريخية للدولة تُستمد من النظام الملكي ومن قبول العراق دولياً في عصبة الأمم، لا من الثورة الجمهورية.


2. احترام الاتفاقيات البريطانية، وبالذات اتفاقية 1932، ما يشير إلى تبني فكرة أن الشرعية الدولية والتسلسل القانوني أهم من السيادة الفعلية.


3. إلغاء أو تهميش تاريخ النظام الجمهوري، وجعل الثورة الشعبية لعام 1958 مرحلة لاحقة غير تأسيسية.


4. إعادة صياغة الذاكرة الوطنية بحيث تصبح الملكية البريطانية–العراقية الأصل، والجمهورية لاحقًا مجرد مرحلة ثانوية، وهو ما يعكس فلسفة الدولة في تأصيل سلطتها من الاعتراف الدولي أكثر من إرادة الشعب أو الثورة.


5. هذا الاختيار الرمزي يعكس موقفًا من مصدر السلطة والشرعية، ويبيّن أن الدولة الحالية ترى في الدولة الملكية والنظام الدولي إطارًا شرعيًا أساسياً لتاريخ العراق الحديث، مع تهميش السيادة الفعلية التي تحققت لاحقاً في 14 تموز 1958.

الخلاصة النهائية

قبول العراق في عصبة الأمم، تجديد الاتفاقية البريطانية 1932، وإعلان 3 تشرين الأول كيوم وطني، جميعها محطات مترابطة في سردية السلطة التي تؤكد أن الشرعية الدولية والرمزية السياسية هي المصدر الأساسي للسيادة، بينما الثورة الشعبية والسيادة الفعلية تُعتبر لاحقة أو ثانوية.
بينما تأتي ثورة 14 تموز 1958 لتكمل المسار الوطني على أرض الواقع، محققة السيادة الحقيقية، وتوضح أن السيادة ليست مجرد اعتراف دولي، بل قدرة على فرض القرار الوطني داخليًا.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...


المزيد.....




- كيندال وكايلي جينر تخطفان الأضواء بعرض -سكاباريللي- في باريس ...
- مباشر: الجيش الإسرائيلي يعترض آخر سفن -أسطول الصمود- المتجهة ...
- بن غفير يتطاول على محتجَزي أسطول الصمود ويصفهم بـ-الإرهابيين ...
- تحقيق صحفي: الجيش الإسرائيلي تدرب على جثث نقلتها جامعة أميرك ...
- شاهد.. ركلة حرة كارثية للامين جمال في مواجهة سان جيرمان
- عالم بريطاني: سلاح الإبادة الصامتة يستخدم الآن في غزة والسود ...
- من -ديسكورد- إلى الشارع.. جيل زد بالمغرب يواصل الاحتجاج ويرف ...
- مئات المُسيرات الروسية تستهدف منشآت الطاقة الأوكرانية
- تعرّف على آخر التطورات الميدانية والأوضاع الإنسانية في قطاع ...
- شاهد.. طائرات مسيرة تُجبر مطار ميونيخ على الإغلاق


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق