|
بقلم الكاتب علاء لازم العيسى/ قراءة في كتاب (ديالاس وشجرة التوت) للناقد مقداد مسعود
مقداد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 02:04
المحور:
الادب والفن
قراءةٌ في كتاب : عـلاء لازم العيـسى " ديالاس وشجرة التّوت شاكر نوري " للنّاقد مقداد مسعود ( 1 ) لو أردتُ أن أختار تعريفاً موجزاً للنّقد الأدبيّ وبأربع كلمات فقط ، لقلتُ أنّه : ( تحليلُ النّصّ لتقييم جدارتِهِ )، وبواسطة تقييم هذه الجدارة يستطيع النّاقد الحاذق والألمعيّ إثبات قيمة النّصّوص واستحقاقها ، والمفاضلة بينها وبين غيرها من النّصوص ، لمجموعة كتّاب أو لكاتب واحد ، وبهذا تتحوّل وظيفة النّاقد من قارئ عادي يبغي من وراء قراءته تمضية الوقت أو قتل الفراغ ، ومن متصيّد للأخطاء والنّواقص فقط ، إلى قارئ منتج لخطاب جديد وهي ( قراءته النّقديّة ) ، على حساب خطاب قديم هو ( النّصّ المنقود ) . ممّا يجعل العلاقة بين الكتابات النّقديّة الجادّة والكتابات الفلسفيّة علاقة وثيقة ، باعتبار اجتماعهما بنقطتين مهمّتين : التّحليل والكشف ، وإعادة إنتاج خطاب جديد . وهذا ما فعله مقداد مسعود في كتابه : ( ديالاس وشجرة التّوت شاكر نوري ، ط1 ، منشورات نادي الفلسفة ، البصرة ، 2025 )، بصفحاته الـ ( 136ص ) الّتي احتوت قراءات جادّة في عشر روايات للقاص والرسّام والمترجم والرّوائيّ العراقيّ المبدع شاكر نوري ، المولود في جلولاء سنة 1949 ، والحاصل على شهادة الدكتوراه في الإعلام من جامعة السّوربون في باريس سنة 1983 ، والحاصل على جائزة ابن بطّوطة للرّحلات سنة 2013 . ( 2 ) منذ البدء أعلمنا الكاتب الأستاذ مقداد مسعود بأنّ قراءاته للرّوايات ، بصورة عامّة ، لا تتعكّز على منهج نقديّ بعينه ، وأنّ اقتراضه من الكتابات النّقديّة لا يكون إلّا عند الضّرورة الأقصى ؛ لأن تجربته في الحياة والكتابة صيّرت له كافّة النّظريّات رماديّة اللون " فهي تضطهد الإبداع وتسقط عليه مناهجها " . كما أنّه أختار أن يكون في قراءاته قارئاً ينظر ( في ) الأشياء ، فيختار وقتاً ملائماً للقراءة ليغوص في طبقات الرّواية ويُصغي إلى حوارات الأبطال ويتماهى مع الحدث الرّوائيّ ثُمّ يميط اللثام عن خباياها ويكشف عن المسكوت عنه في أعماقها ، لا ( إلى ) الأشياء فيكتفي بظواهرها فقط دون الغوص في أعماقها والتعرّف على مقاصدها . ( 3 ) وكانت المحطّة الأولى في كتابه هي رواية ( خاتون بغداد ) فبعد أن فرّق النّاقد بين المؤرّخ ، وهو من يكتب أمالي السّلطة بهذه النّسبة المئويّة أو تلك ، وبين الرّوائيّ المنصف ، وهو من يكتب تاريخ بلاده بنزعة جماليّة ، وبخبرته يمتزج الأرشيفيّ بالمخيال والرّوائيّ فيسخّر الخيال في خدمة التّأريخ وليس العكس ، نسب الرّوائيّ شاكر نوري إلى الصّنف الثّاني وهو الرّوائيّ المنصف ؛ وراح يحاكم النصّ الرّوائيّ ( خاتون بغداد ) الّذي اتّخذ من الدّبلوماسيّة البريطانيّة صانعة الملوك المس بيل ، الّتي كانت تصوغ القرارات على الورق في الليل ، لينفّذها المندوب السّامي في الصّباح ، الشّخصيّة المحوريّة الرّئيسة في الرّواية ، وأثبت أنّ الرّواية لم تكن وثائقيّة ولم يكن شاكر نوري ناقلاً أرشيفيّاً فقط ، بل مبدعاً لجأ إلى استحضار حبكة تدور حول الاستعمارين البريطانيّ والأميركيّ من خلال جعله الزمنين 11 / 3 / 1917 ، و 2003 يتجاوران في المطبوع الرّوائيّ ( خاتون بغداد ) " وهذا التّجاور لا يخلو من دلالات عميقة ، حيث لا يوجد قطع تاريخيّ بين الزّمنين فكلاهما احتلال إمبرياليّ ، الأوّل بطبعته البريطانيّة والثّاني بطبعته الأمريكيّة " . ( 4 ) وبعد قراءته لرواية ( خاتون بغداد ) انتقل النّاقد ، وبحسب التّرتيب الآتي ، إلى الغوص في بطون الرّوايات : ( طائر القشلة ، جحيم الرّاهب ، شامان ، ديالاس ، نافذة العنكبوت ، الرّواية العمياء ، كلاب جلجامش ، نزوة الموتى ، المنطقة الخضراء ، وجنون خلف جدران بوكا ) فسبر أعماقها وبدّد ظلمات أغوارها بمسبار ثقافته الموسوعيّة ، وبحسّه النّقديّ المرهف ، وبحساسيته العالية الّتي ألهمته القدرة على ملاحظة أدق التّفاصيل في العناوين والنّصوص وعتباتها . ( 5 ) فعن طريقة الحكي أو السّرد الّذي اتّبعه الرّوائي شاكر نوري لتقديم أحداث رواية ( طائر القشلة ) قال مقداد مسعود تحت عنوان التّسارد الرّوائيّ " التّسارد الرّوائيّ في هذه الرّواية يكتنز جهويّات ثرّة ، ولا يقتصر التّسارد على الشّخوص إذ للّون سرديّاته من خلال خالد الرسّام وأستاذ الجماليّات ، ... ، لهذا الليل سرديّاته من خلال المشّاء السّاري غدير ، ... ، وهناك ما تسرده الحانة في الليل ، وسردها الليليّ لا يتجاور مع سرديّات الليل بالمفرد من خلال تكليم غدير لذاته وللأشياء " ( ص26 ) . وفي ( جحيم الرّاهب ) كانت وقفته الأولى مع عنوان الرّواية الّذي ينفتح على سلسلة من الدّلالات ، لماذا هذا العنوان الصّادم ؟! فإذا كان " الرّاهب هو منتج الطّمأنينة المطلقة يكرّزها ويُعلنها وينثرها في قلوب المخذولات والضّالين ، إذن كيف يكون الحال إذا كان الرّاهب جحيماً !! فمن ينظّف العائذين به من الألم والإثم ويحميهم بالمغفرة " ( ص30 ). ثمّ تتعدّد الوقفات والتّحليليّات بتعدّد حزمة المثاني : الغلط والصّح ، الرّاهبان : جوزيف الّذي أمضى ثلاثين سنة في الدّير ناسكاً زاهداً ثمّ خذل الرّاهبات والرّهبان قائداً ، وأسحق الرّاهب الّذي خذلهم أكاديميّاً ، ثمّ داخل الدّير وخارج الدّير ، الأرض والسّماء ، الزّي الكهنوتيّ والتحرّر من الزّي الكهنوتيّ . أمّا في ( ديالاس ) ذلك النّهر الخالد الّذي هجره النّاس ، فيرى الأستاذ مسعود أنّ " الأدب الرّفيع لا الجغرافية مَنْ يخلّد الأمكنة " ( ص53 )، مستشهداً بالسيّاب ونهره الحزين بويب وبنجيب محفوظ وثرثرة النّيل ، ثمّ يتتبّع ( آدم ) بطل الرّواية في حركاته وسكناته ، ورحلته بين الذّات والنّهر، ويعرّج على الذّاكرتين الّلتين صنعتا الرّواية : ذاكرة المؤلّف شاكر نوري وذاكرة الأم الّتي تبثّها لولدها عبر الموبايل ، وبسبب وجود الفراغات والثّقوب في الذّاكرتين " يبرز دور الطّرف الثّالث وهو المخيّلة السّرديّة الّتي يستمدّها المؤلّف من تجربته الرّوائيّة العميقة والمديدة " ( ص64 ). وبهذه الطّريقة نفسها ، تفكيكاً وتحليلاً وتأويلاً ، اشتغل ناقدنا الألمعي مع بقيّة قراءاته لما تبقّى من روايات . ( 6 ) أخيراً ، فإنّ مقداد مسعود قدّم بكتابه : ( ديالاس وشجرة التّوت شاكر نوري ) قراءات ، بل قل دراسات نقديّة ناضجة وثريّة بالمعاني والدّلالات ، تدفع القارئ لروايات الرّوائي المبدع الدكتور شاكر نوري إلى الغوص في أعمق أعماقها ، والتركيز على التفاتاتها الذّكيّة ، والّتي قد لا يلاحظها أثناء القراءة ، مع المحافظة على جانب الإدهاش في هذه الرّواية أو تلك . وبعبارة أخرى أنّ هذا الكتاب هو دعوة من المؤلّف لأن ننظر ( في ) النّصوص لا أن ننظر ( إلى ) النّصوص كما ذكر في مقدّمة كتابه ، وأن نتحوّل إلى قرّاء غوّاصين لا يكتفون بالانفعال المنبعثُ من التعبير الوجدانيّ الإنشائيّ للنصّ فقط ، بل أن يجمعون مع الانفعال الوجدانيّ ، عند تلقّي النصّ الأدبيّ ، الانفعال العقليّ ، وهو ما أطلق عليه أحد النقّاد الأكاديميين العرب عبارة تشريح النصّ .
#مقداد_مسعود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هالة الوردي
-
قوس وعافية
-
ثلاثة أصوات من البصرة
-
العدد
-
من الرماد تفقس المصابيح
-
صنع الله إبراهيم
-
بينما هو
-
زياد رحباني
-
(كوثرة متدحرجة) قصص قصيرة : بلقيس خالد
-
قراءة في (الفساد في الدولة الفاطمية)
-
( زنديق بغداد) للروائي جعفر رجب
-
بذخ الحكومات
-
الصحافة الشيوعية في العراق
-
راية
-
(عمتي زهاوي) للروائي خضير فليح الزيدي
-
هواء أيلول
-
(ديالاس وشجرة التوت) بقلم القاص والروائي محمد عبد حسن
-
أبوءُ لك َ
-
قراءة في نص (رأيته ُ) للشاعر مقداد مسعود/ بقلم الأستاذ الدكت
...
-
رأيته ُ
المزيد.....
-
لا أسكن هذا العالم
-
مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
-
بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|