|
صنع الله إبراهيم
مقداد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 13:36
المحور:
الادب والفن
صنع الله إبراهيم : كأن روايته ُ منحوتات جياكوميتي (*) يومها كنت في الأول المتوسط، بتوقيت التاسعة صباحا، أكون في سوق الجمعة، في البصرة القديمة، كانت السوق، تقع في براحة خلف سوق السمك، قدمي لا تقودني لغير الكتب، بقية المعروضات لست معنيا بها، لكن في تلك الجمعة اشتريتُ فتيلة لمدفأة علاء الدين، كما طلبت مني أمي، و اشتريت عددين من مجلة شعر، بعد أن تصفحت عناوين العددين . وكتاب قليل الصفحات عن الشاعر (بن لنكك البصري).. بعد وجبة الغداء، رأيتُ شقيقي الأكبر، يتصفح أحدى المجلتين، ويرتشف الشاي، تلك الليلة نقدني شقيقي الأكبر ربع دينار: وهو يخاطبني على مرأى شجر العائلة: تستحق المكافأة على هذين العدد ين الثمينين من مجلة شعر: عدد فيه صفحات من(تلك الرائحة) رواية صنع الله إبراهيم، أديب شيوعي مصري ، يتناول تجربته حين كان سجينا، والعدد الثاني من مجلة (شعر) توجد صفحات خاصة برواية (موسم الهجرة إلى الشمال) لروائي سوداني اسمه الطيب صالح.. (*) في منتصف سبعينات القرن العشرين، كنت جالسا في كازينو زهير، كانت الكازينو، خلف عمارة النقيب، وقبالة الكازينو كانت (غرفة التجارة) في كازينو زهير، كنا نلتقي كل مساء: فخري شاكر الذي سوف يستشهد تحت التعذيب، وبعد سنوات، عيسى عبد الجبار ابن خالتي، قبره الآن في شمال العراق، وطالب الطب والمترجم حسن مرجان، يستشهد تحت التعذيب في الثمانينات، أحيانا نكون في المقهى أنا والشاعر حيدر الكعبي، وبين الحين والآخر يأتي صديقي الحميم عبد الباقي فرج.. في ذلك اليوم كان الشاعر محمد حمد شقيق التشكيلي الكبير شاكر حمد، قد سبقنا بالمجيء متأبطا حقيبته السوداء الصغيرة، وحين انتهى وقتنا اليومي، ولما غادروا، فتحَ محمد حمد حقيبته، وسلمني: (نجمة أغسطس) رواية صنع الله إبراهيم بطبعة أنيقة في دمشق، يومها كان محمد حمد قد اطلق ديوانه( أسرار الطيور الغريبة الأطوار) وكانت المقدمة بقلم عبد الرحمن طهمازي، وقد بادرت بتوزيع نسخ من الديوان، حين عدت للبيت، تناولت من مكتبتي الصغيرة، مجلة (شعر) وغصتُ في المنشور، من(تلك الرائحة) فشعرت أن قراءتي الثانية، نفت القراءة قبل سنوات، ومنحتني مساحة كبيرة من تذوق النص.. ثم في اليوم التالي: لم اغادر البيت كنت أحاول عروجا نحو (نجمة اغسطس) التي تشتغل نصين في الرواية ذاتها، ما يفعله ميكيل انجلوا مع الحجر، يتجاور مع معجزة السد العالي, من يومها صرتُ أبحث في المكتبات عن كتب الروائي صنع الله إبراهيم، وبعد 2003 صرت أبحث عن كتبه، عبر الحاسوب، لأزداد سعادة ً بروايته وبأسلوبه السردي الذي لا يتجاور مع أساليب الروائيين المصرين والعرب كأن رواياته منحوتات جياكوميتي (*) من تكرار قراءتي في مؤلفات صنع الله إبراهيم، الروائية وغير الروائية صنعتُ هذا التحاور وكل أجوبته اقتطفتها من مؤلفاته، وثبتّها كما هو قالها، شخصياً. (*) روايتان مصريتان، تمت طباعتهما خارج مصر، ثم بعد سنوات ليست بالقصيرة ، وافقت الحكومة المصرية، على طباعة الروايتين في مصر: (تلك الرائحة) رواية صنع الله إبراهيم، وسبقتها (أولاد حارتنا) رواية نجيب محفوظ، لكن رواية محفوظ تم نشرها على حلقات في جريدة الأهرام، في 1959، ومُنع طبع رواية (أولاد حارتنا) في مصر، فصدرت الرواية من خلال دار الآداب في بيروت في 1962 ثم طبعت في بيروت ثانية ً في 1967،من خلال دار الآداب أيضاً، ولم تطبع في مصر إلا في 2006 عن دار الشروق، وفي 2017 صدرت (أولاد حارتنا) عن دار هنداوي. رواية (تلك الرائحة) صدرت وصودرت في 1966، تلتها طبعة ثانية في 1969 وهي طبعة غير مكتملة، ثم طبعة غير مكتملة، نشرتها مجلة (شعر) في بيروت، في 1971 اعادت القاهرة طبع النسخة الناقصة، الطبعة الكاملة تم نشرها في الخرطوم في 1986 وفي هذه السنة تم نشر نسخة الخرطوم في القاهرة والدار البيضاء. كأن رواية (تلك الرائحة) اعتقلها القضاء المصري عشرين عاماً، أما (أولاد حارتنا) فقد غيّبت، عن الشعب المصري، نيفا وأربعين عاما !! أرى أن المختلف الإبداعي لا ينتصر بالمجان، بل عليه مواصلة المكابرة حتى الرمق الأخير. (*) م: بتوقيت فشل انقلاب الشواف في مدينة الموصل في عراقنا الجديد، نقلوك في مصر، يا صنع الله في قطار خاص مع مئات اليساريين والشيوعيين المصريين، أنت أخبرتني : قيدونا إلى بعضنا البعض بسلسلة واحدة، تمر من ثقب في القيود(الكلبشات) التي يضم كل منها شخصين متجاورين، وكان من شأن هذه (الوحدة) المتينة أن من يرفع يده لشيء ترتفع أيدي رفاقه الشيوعين كلها معه، وكذلك شأنه عندما يرغب بالتبول عشرون ساعة وأنتم السجناء الشرفاء دون طعام ولا ماء.. عشرون ساعة من بوابة (سجن مصر) الشهير وصولاً إلى مدينة سوهاج 1959 ومنها إلى (الواحات) 400 كيلو متر.. أيها الكبير في مواقفه ورواياته الأستاذ صنع الله إبراهيم: يبدو أن هذا التعامل الوحشي له علاقة بأخلاقيات القومية العربية، بعد انقلاب 8 شباط الأسود 1963، زجوا أكثر من 500 سجين من الشيوعيين العراقيين في قطار حمولة، في فجر 4/ 7/ 1963 . خمسة عشر عربة حديدية مقفل، أرضية العربة مفروشة بالزفت، على بوابات بعض العربات : ما شية لا تصلح للذبح، انطلقت نحو السماوة، أرادوا أن يورطوا سائق القطار بجريمتهم أمروه أن تكون سرعة القطار بطيئة، وحين يعرف السائق، من الجماهير التي تعترضه في المحطات: أن حمولة القطار من قوى الخير في العراق، يضخ كل سرعة القطار لكي يصل إلى السماوة، حيث تنتظرهم أواني مياه صالحة للشرب مزوجوا فيها كمية من الملح من أجل سلامة الأبطال السجناء (*) أخبرني يا قسيمي في زهرة الرمان يا صنع الله: حين قامت ثورة مصر 1952 وأطلقوا سراح كافة المسجونين، مَن مِن الشيوعيين لم يشملهم العفو السياسي؟ ص: دعني أكمل لك وصولنا إلى الواحات: كان في انتظارنا اللواء إسماعيل همت، المتخصص في الاستقبالات الدموية وحفلات التعذيب.. ها نحن نسير مقيدين وثمة مدافع رشاشة مصوبة إلى صدورنا، ولجنا ساحة بها ثلاثة عنابر. العنبر الأول للمعتقلين الشيوعيين الذين صدر قرار من الحاكم العسكري الأول أو رئيس الجمهورية باعتقالهم دون توجيه أي تهمة لهم أو عرضهم على جهات التحقيق. العنبر الثاني يضم الشيوعيين الذين صدرت ضدهم أحكام محددة بمدة معينة، بعضهم حكم عليه قبيل الثورة وعندما أفرجت عن كافة المسجونين السياسيين في أول عهدها استثنتهم بعد أن أبتدع لها سليمان حافظ قانونا( يعتبر الشيوعية جريمة اجتماعية وليست سياسية).. م: كم مكثتم في (الواحات)..؟ ص: شهور قليلة وفجأة جرى ترحيلنا إلى سجن (القناطر الخيرية) م: هل كان المكان أكثر رحمة ؟ ص: وضعنا في مكان منعزل، حرمنا من فرصة الاختلاط بالسجناء العاديين والحصول على الصحف منهم، منعنا من استخدام المكتبة، ومن الاستماع إلى الراديو.. وفوجئتُ بالصول العجوز أبو رجيلة، الذي كان يتولى تدريبي في المقاومة الشعبية، مسؤولا عن الطابق الذي أقمنا به، وكان يستمتع بأن يجلس في منتصف العنبر ويأمر بأن نقعي أمامه وفي مقدمتنا شهدي عطية م: روايتك (تلك الرائحة) كان القائد الشيوعي الشهيد شهدي عطية الشافعي ساطعا داخل النص، وفي روايتك (نجمة أغسطس) في دمشق كانت طبعتها الأولى أيضا أهديتها للشهيد شهدي ص: تعلمت ُ من شهدي أخلاقيات العمل الجاد المنضبط والترجمة من الإنجليزية إلى العربية، وأحتل شهدي مني موقع الوالد أو الأخ الأكبر، وكان يعتمد منهاجاً في التربية يقوم على إفساح المجال للمبادرات الشخصية فشجعني على تنفيذ اقتراحاتي بإعادة صياغة الموضوعات المملة للمجلة السوفيتية التي كان المكتب يتولى ترجمتها وطباعتها، ثم القيام بإعداد التوضيب الفني لصفحاتها. شهدي يتميز ببساطة آسرة ومقدرة على عقد أواصر العلاقات الثقافية مع مختلف النوعيات من الناس. بعد محاكمتنا في الإسكندرية مباشرة نقلنا إلى معتقل (أبي زعبل) الملحق بالليمان الشهير في ضواحي القاهرة. ولم يكن أغلبنا يعلم أن أحدى الصفحات السوداء في التاريخ السياسي المصري الحديث ستكتب فيه. م: كيف كانت أحوالكم في (سجن القناطر)..؟ ص: كانت هذه الفترة قاسية. المكان شديد البرودة. فرضوا علينا أن نضع فراشنا كل صباح خارج الزنازين التي تغلق علينا حتى المساء. ونقضي اليوم كله ونحن نقفز كالقرود ألتماسا لبعض الدفء. م: وأنت في هذا الظرف الأشد قساوة ً كيف كنت تتصرف؟ ص: بدأت أتذكر أحداث طفولتي التي انشغلتُ عنها بحاضري. وعندما انتهت الحكايات واستنفدت ذكرياتي انفتح المجال لأحلام اليقظة، وتأليف القصص وتحولت كل حكاية سمعتها إلى قصة فنية بعنوان مثير. فقد منعنا تماما من الكتب، لكن لم يكن بوسع مدير السجن أن يرفض مطالبتنا بالكتب المقدسة. هكذا اتيح لي أن أقرأ التوراة والإنجيل وأرى العلاقة القائمة بين الكتب السماوية الثلاثة والتجليات المختلفة للحلم الإنساني بالعدل والمساواة. كما أن الحكايات التاريخية في التوارة والقرآن والإنجيل روت عطشي إلى القصص. ونشط خيالي في تطوير كثير منها. م: تم ترحيلكم إلى (سجن الإسكندرية) للمثول أمام محكمة عسكرية !! ص: بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم. تولى رئاسة المحكمة هلال عبد الله، الذي عُزل بعد عدوان 1967 بصفته أحد المسؤولين عن الهزيمة، استمرت المحاكمة ثلاثة شهور، بلغت أوجها بدفاع شهدي الذي أقر باعتناقه الماركسية وفي نفس الوقت أوضح التأييد الذي اتخذته (حدتو) من عبد الناصر.. استمرت المحاكمة ثلاثة شهور ودّع في نهايتها القضاة وطالب بالإفراج عنا للمساهمة في بناء الوطن كجنود مخلصين لحكومتنا الوطنية ولرئيسنا جمال عبد الناصر، وختم كلمته بالهتاف بحياة الحكومة الوطنية ووحدة الصف العربي ووحدة الصف الوطني. م: 1963 بالنسبة لقوى الخير في العراق تعتبر من أتعس السنوات العراقية بسبب مجزرة الانقلاب الدموي ضد الجمهورية العراقية الفتية في 8 شباط 1963 التي راح ضحيتها المئات من الشيوعيين والشيوعيات، بالنسبة للروائي والقاص صنع الله إبراهيم ماذا تعني له 1963؟ ص: في يوليو 1963 صرّح عبد الناصر لمندوب جريدة اللوموند الفرنسة، بأنه ينوي الإفراج عن الشيوعيين وأنه يدعوهم للانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي العربي ليسهموا في بناء الاشتراكية. كان هذا التصريح أول اعتراف رسمي منذ سنوات بوجود معتقلين، فقبل ذلك وفي مؤتمر صحفي عالمي أنكر عبد الناصر وجودهم متجاهلا أكثر من 600 معتقل غير مائتي مسجون سياسي. م: ماذا تعني لك 1964..؟ ص: في الرابع من أبريل 1964 كان جميع المعتقلين قد أفرج عنهم. لم يبق في الواحات سوى مائة وأثنين من المسجونين الشيوعيين.. أخيراً ترحيلهم إلى سجن أسيوط ثم توزيعهم على سجون المحافظات. وجدتُ نفسي في( سجن بني سويف). ثم تجمعنا مرة أخرى في (سجن مصر) وكانت آخر دفعة أفرج عنها في العاشر من شهر مايو بعد زيارة خروشوف بيوم. ويبدو أنه كان هناك أمر بأن لا يتبقى مسجون واحد داخل الحبس بعد منتصف ليلة ذلك اليوم. م: كيف كانت العلاقة بينكم كسجناء وبين السجانين ؟ ص: لم يصب الإرهاق المعتقلين وحدهم بل أمتد إلى الحراس أنفسهم حتى أن السجان عبد الصادق الذي لُقِب بنخاس العبيد، مِن جراء قسوته أصيب بالإعياء، ذات يوم صرخ في ضحاياه قائلا:( يا أولا الكلب يا للي ما فيش في قلوبكم رحمة!!) ولا ريب أن المنوط بهم التعذيب، والذين لمسوا من قبل ما هو معروف عن الشيوعيين من صلابة وقدرة على المقاومة، قد دهشوا من تقاعس قادة المعتقلين عن المقاومة وسماحهم بتدهور الوضع حتى وصل إلى درجة الهزل. م: هل هناك وجه آخر للسجانين ؟ ص: السجن منفى وفي أمثال هذه المنافي تخلق وضعا لا تسطيع أي سلطة مقاومته. فالحراس من جنود وضباط هم أيضا مسجونون بسبب المسافة التي تفصلهم عن العمران. ولا مفر من أن تنشأ بينهم وبين مسجونيهم مع الوقت علاقات إنسانية. هكذا أمكن إقناع البعض بالقول وأغلب الأحيان بالمال لكي يجلبوا بعض الكتب عند عودتهم من العطلات، ويدفنونها في رمال الصحراء، وفيما بعد يتم نقلها إلى داخل السجن .. م: هل بهذه الطريقة، وصلت لك (ثلاثية) نجيب محفوظ؟ ص: لا زلت أذكر اليوم الذي وصلتنا فيه ثلاثية نجيب محفوظ في ثلاث مجلدات، وكان الزميل المسئول عن توزيع الكتب يحتفظ بقائمة طويلة يسجلها بعود محروق من الخشب فوق قاعدة صندوق سجائر. وعندما هرعت ُ لإضافة أسمي أمام ثلاثية نجيب محفوظ وجدت ُ أمامي طابوراً طويلا من الحاجزين، ولما كان المرضى يقدمون على غيرهم في مختلف منافع الحياة المشتركة، فقد تظاهرتُ بالمرض، لكني اكتشفت أن أمامي عددا كبيرا ً من المرضى، فزعمت ُ أني مقبل على كتابة عدد من النصوص الأدبية وفي حاجة شديدة أكثر من غيري لقراءة الثلاثية لكي اتعلم منها. وفوجئت بأن عددا لا بأس به من الزملاء يحتاجون الثلاثية لشحذ إبداعهم منهم : فؤاد حداد، محمود أمين العالم، عبد العظيم أنيس، الشاعر الفلسطيني معين بسيسو، فتحي خليل، عبد الحكيم قاسم، حسين عبد ربه، متولي عبد اللطيف، مجدي نجيب، مهران السيد، إبراهيم عبد الحليم، محمد خليل قاسم، محمد صدقي، زكي مراد م: ننتقل من العام إلى خصوصية الخاص القصصي لديك، متى سطعت قصتك القصيرة الأولى..؟ ص: دفعني الملل من المدرسة، إلى عالم القصص الساحر، من حسن حظي وحظ جيلي من الكتّاب، وجدنا أمامنا مجلة أسبوعية تدعي(روايات الجيب) تصدر منذ الثلاثينيات، تنشر ملخصات وافية لكافة أنواع الروايات العالمية من كلاسيكية إلى بوليسية، أسبغ عليها ناشرها عمر عبد العزيز أمين، ما يتميز به أسلوب عصري بعيد عن التقعر، وشاركه في ذلك عدد من المترجمين المتميزين: شفيق أحمد فريد، صادق راشد، محمود مسعود، بدر الدين خليل.. وهكذا صار أبطالي هم (أرسين لوبين) (روبن هود) (الفرسان الثلاثة).. شجعني أبي على قراءتها، فشغفت بالروايات البوليسية التي دفعتني إلى كتابة أولى رواياتي، وأنا بعد في الثانية عشرة من عمري. م: كيف يكون ذلك والروايات تحتاج خبرة حياتك وخبرة قراءات غزيرة؟ تريد أن تقنعني أنك .... ص: مهلا.. مهلا (يقولها الأستاذ صنع الله مبتسما ثم يكمل) : جمعتُ كمية من الورق المسطّر ونقلتُ عليه رواية بوليسية اسمها(الرجل المقنع) بعد أن غيرت أسماء الشخصيات ووضعتُ إسمي مكان اسم المؤلف الحقيقي. أما القصة القصيرة الأولى التي كتبتها، فكانت مشاركتي في مسابقة لكتاب القصة القصيرة الشبان، والمسابقة القصصية من تنظيم القاص عزيز أرماني وفازت قصتي(الأصل والصورة) بالجائزة الثالثة ومقدارها ثلاثة جنيهات م: ثلاثة جنيهات..؟ مكافأة قيّمة في تلك السنوات.. ص: أي مكافئة وأي قيمة لها، الحق أقول لك: لم يكن في نية منظم المسابقة صرف قيمة الجائزة، وبحت ُ مطالباتي له عن طريق صندوق البريد الخاص به، أعني عزيز أرماني. وتمكن أبي الذي كان معاشه الشهري لا يتجاوز أربعة عشر جنيها من التوصل إلى عنوانه الحقيقي في مسكن متواضع بشبرا. .ذهبت إليه وانتظرته عدة ساعات برفقة زوجته التي كانت تحمل طفلا على صدرها. وعندما جاء أخيراً غضب غضباً شديداً من وجودي وانصرفت على وعد منه بإرسال المكافأة على عنواني، لكنه لم يف بالوعد. م: في السجن كنتم كسجناء شيوعيين، تجترحون المعجزات من أجل الحصول على الكتب والتحرر من حيز السجن وجهامته، ماذا كتب صنع الله إبراهيم آنذاك؟ ص: لم أكن قادراً بعد على تمثل تجاربي الشخصية، فاعتمدت على تجارب الآخرين، كان من الصعب الحصول على أجزاء صغيرة من أقلام الرصاص، وسرعان ما تمكنت من كتابة أول قصة باسم (الضربة) تصوّر رد فعل التأمينات الناصرية على أحد أصحاب الشركات الرأسماليين. عرضتها على إبراهيم عبد الحليم في مزيج من الزهو والخجل ثم تتابعت القصص. م: لكن قصة(الضربة) حسب رأي لا تمثلك تماما، لكنها تمرين تحدي للقضبان. ص: هكذا تلقيت الدرس الأول: ألا أكتب عن شيء إلاّ إذا كنتُ أعرفه جيداً. وكان من الطبيعي أن تتحول الطفولة إلى منجم غني بالعمل الأول، إلا أني لم ألبث أن توقفت عندما واجهت المشاكل التي يواجهها كل كاتب في بداية عمله: أي طريق بين عشرات الطرق والأساليب والمدارس والأشكال م: بالنسبة للروائي صنع الله إبراهيم: في أي مدرسة تعلمت؟ وفي أي جامعة ٍ تخرجت؟ ص: السجن هو جامعتي. فيه عايشت القهر والموت، ورأيت بعض الوجوه النادرة للإنسان، وتعلمت الكثير عن عالمه الداخلي وحيواته المتنوعة، ومارست الاستبطان والتأمل، وقرأت في مجالات متباينة. وفيه قررتُ أن أكون كاتباً. أما أبي فهو المدرسة. كان حكاءً، يتقن سبك كلماته ونوادره المختلفة من تجاربه أو قراءاته، بحيث يستولي على مستمعيه. م: احتاجُ : شذرات ٍمن كلماتك، أجعلها تعويذاتٍ إبداعية ً لي.
ص : عندما نعبّر عن أنفسنا فإنما نعبر عن الجماعة (*) كلما كبرنا في السن بدأ العالم يفقد بريقه وروعته. لكننا نستعيد حدة إبصارنا ويعود العالم مشرقا إلينا من خلال الطفل الذي يرقب العالم من حوله بعيون واسعة متطلعة (*) كلما قرأنا المزيد من الكتب، أتضح لنا أن وظيفة الكاتب الحقيقية هي أن ينتج عملا من الطراز الأول (*) عندما يكون الإنسان أمام مصيره وجها لوجه تفقد التفاصيل قيمتها.
#مقداد_مسعود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بينما هو
-
زياد رحباني
-
(كوثرة متدحرجة) قصص قصيرة : بلقيس خالد
-
قراءة في (الفساد في الدولة الفاطمية)
-
( زنديق بغداد) للروائي جعفر رجب
-
بذخ الحكومات
-
الصحافة الشيوعية في العراق
-
راية
-
(عمتي زهاوي) للروائي خضير فليح الزيدي
-
هواء أيلول
-
(ديالاس وشجرة التوت) بقلم القاص والروائي محمد عبد حسن
-
أبوءُ لك َ
-
قراءة في نص (رأيته ُ) للشاعر مقداد مسعود/ بقلم الأستاذ الدكت
...
-
رأيته ُ
-
فقط
-
زهرتان
-
(الملك في بجامته) برواية خضير فليح الزيدي
-
شاكر نوري/ مقداد مسعود
-
الشاعر جلال عباس.. (البحر مرآة السماء)
-
دخان أبيض واقف
المزيد.....
-
الموت يغيب الفنانة العراقية سليمة خضير
-
ألفريد هوبير مع القرآن.. رحلة مستشرق ألماني بين الأكاديميا و
...
-
بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل
...
-
بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل
...
-
صفحة قائد الثورة باللغة العبرية: الكيان الصهيوني هو الكيان ا
...
-
أول ظهور للفنانة أنغام بعد رحلة العلاج
-
في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال
...
-
صناع أفلام عالميين-أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
-
محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ
...
-
-بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
المزيد.....
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
المزيد.....
|