مقداد مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 02:49
المحور:
الادب والفن
رقصة رحلو.. وثورة 14 تموز 1958 : (الملك في بجامته) برواية خضير فليح الزيدي
19 نيسان 2025
(*)
هذه الرواية مطبوعة في بيروت 2018، ضمن منشورات دار الرافدين في العراق، قراءتي الأولى لها في 17/12/ 2018.. قراءتي الثانية 4/4/ 2025. تتمحور الرواية حول عنوانها وطوافها حول اليوم الثاني والثالث وفجر الرابع من تموز 1958 :
(تكشف العين الطائرة، نحو سماء قصر الرحاب، في ذلك المساء لم تعد الأعشاش المعلقة آمنة 47).. (لا شيء ينذر بالخطر المحدق لتلك الليلة الليلاء㿸).. (وقع خبر المجزرة على قرة تبي كالصاعقة، وقد أخذ منه الخوف والقلق مأخذا عظيما/ 118).. (صرحت المملكة الهاشمية، عن سر الأسرار بعد فشل القرة تبي من اصطياد البرقية المرسلة. لم يصطد البرقية قبل إرسالها مثلما كان المخطط/ 119).
(*)
تشتغل الرواية على تدوير سرد وقائع العراق التاريخية والشخوص إلى سرد المخيلة الروائية المشوّقة، فيها تتشابك خيوطها فتكون وظيفة القارئ المنتج هي فك الاشتباك الخيطي للسرد وتنضيد الخيوط لتتضح الرؤية لدى القراء بكافة تنويعاتهم.
(*)
رواية (الملك في بجامته) تنضدّها قراءتي ضمن الرواية الواعية بذاتها، من خلال المحاورة بين الروائيين، خالد الشيخ، عماد الآغا: (..فالقارئ لا يريد منك إعادة كتابة الحدث. عليك أن تفهم هذه الحقيقة. عليك إنقاذ روايتك من التيه ما بين زمن القص وزمن خطاب اللحظة التاريخية. بين التاريخ وبين السرد، إنه منزلق خطر للغاية وعليك أن تتوخّى الدقة والحرفية 77)
(*)
تنفتح الرواية على مشهد إعدام الموظف المسؤول والمؤتمن على البرقيات في المملكة العراقية: جميل قره تبي!! ثم يتراجع السرد وجميل على قيد الحياة ماثلا في قفص الاتهام في قاعة محكمة الشعب التي تأسست في آب 1958. لكن جميل (لم يخن الوطن، وطنه كان خشبة المرقص، والحياة عنده مؤخرة راقصة) هكذا تصفه الراقصة رحلو، لكن جميل كان بوظيفة كالشريان لقلب المملكة العراقية، فهو يعمل في قسم البرقيات، ويعد من أمهر الموظفين العاملين في ترجمة البرقيات، بعد دورة احتراف في لندن، كان يجيد أبجدية مورس لترجمة البرقيات المستلمة، يعيدها إلى منظومة اللغة المقروءة، ولمهارة جميل وتفوقه في عمله تمت ترقيته كملاحظ فني أقدم، وهكذا أصبح المسؤول الأول عن البرقيات السرية الخاصة في حكومة المملكة العراقية. لكنه خان المملكة بتسريب البرقيات للعقيد المتهور عبد السلام عارف: (أستطاع جميل أن يسلّم مفاتيح الربط السرية وخطوطها السلكية، كانت الخطة تقتضي بربط السلك الإضافي تحت شجرة الصنوبر داخل قصر الرحاب، من جانبه يقوم عباس الزنكي بربط السلك لتتم الصفقة السرية وتُكشف أسرار المملكة) ترى قراءتي أن المسؤول عن استلام البرقيات وتفكيكها: جميل هو المتسبب الأول في مقتل العائلة المالكة، لكن منفّذ الجريمة هو الضابط العباسي، جميل لا يكترث لخيانته، الأهم في كل هذه الصفقة، هي منح جميل هوية خاصة للدخول إلى مرقص القادة الخاص للضباط، ومسدساً مع هوية حيازة وحمل، شاءت المشيئة الإلهية، أو القدر، أو حالة الثمالة التي بلغها جميل أنه في فجر ثورة 14 تموز لم يسلم العقيد أخطر البرقيات فأصبح خائن الثورة ويستحق الإعدام، كما هو خائن المملكة. فقد سلطت المشيئة الإلهية (الجرذ الأسود اللعين الذي قضم عازل السلك الرابط وقطع الاتصال).
(*)
ينشطر السرد بين زمنيّ خمسينات القرن الماضي، ثم يقفز السرد إلى عراق ما بعد 2003 ويعود إلى الخمسينات، ويقفز ثانية.. ثم يعود (خمسون سنة مرّت على نبوءة المرحوم قره تبي/ 10) ثم يخبرنا السارد في ص224: (كالناظور تدخل الكاميرا الفضائية لشخصية أخرى غابت عن المشهد المحتدم بعد يوم المجزرة..) كما يوظف السرد المونتاج السريع بين مكانين في زمن واحد. يصف السارد فجر 14تموز 1958 في قصر الرحاب (الساعة هي الخامسة وعشر دقائق أولى رشقات قريبة جداً متقطعة، ففر من كان نائما داخل الغرف 238) ثم تنتقل الكاميرا لمشهد شعبي يركز على جميل قره تبي وصديقه موسى الشعّار: (دخلا الاثنان يترنحان إلى زقاق العاقولية، وقد فعلت الخمرة بهما فعلتها، لكثرة الترنح والسقوط المتكرر على الأرض) وهناك مزدوج ثان تدوير السرد إلى نص مسرحي.
وهناك مخطوطة (الملك في رحابه) للروائي المغمور المتوفى عماد الأغا.. يتناول فيها مجزرة الرحاب وسيقوم الروائي الثاني خالد الشيخ بملء فجوات الرواية وترميمها.
(*)
يتكرر، تفعيل ثريا الرواية (الملك في بجامته)
(1)..(كان النقاش على أشدّه حول لون بيجامة الملك وطبيعة قماشها المستورد آنذاك. هل كانت قطنية ومقلّمة أم بلون أبيض صافٍ/ ص31
(2).. الروائي المغمور عماد الأغا يخاطب الروائي خالد الشيخ (في روايتي المقبلة (الملك في رحابه) وهذا هو العنوان المفترض لها. يرد عليه الشيخ (اترك هذا العنوان.. تكون العنونة إشكالية كبرى وعلى الكاتب أن ينحت العنوان من داخل الرواية76)
(3) يوّظف الروائي النص المرئي غير المتحرك (أثناء كتابتي لرواية ،، الملك في رحابه،، كنت أبحث ميدانيا عن شخص يفسر لي الصور التي حصلت عليها، يحلل لي مدى دقة هذه الوثائق,,/ 151)
(4) في ص156 يتغير العنوان يكون التركيز على الملبس وليس المكان (الملك في بجامته) هنا الدلالة أقوى لخصوصيتها..
(5) تنتقل العنونة انتقالا مزدوجا في العنونة بين السرد الروائي والنص السينمائي ،فالملك والعائلة المالكة يتفرجون على (فيلم،، لعبة البيجامة،، تمثيل دوريس داي وجون رايت 220)
(6) خرج الأمير عبد الإله أيضا على صوت الجلبة إلى رواق الكلدور بالبيجامة الكحلية المقلمة من غرفته 240).. هنا اصبح للبيجامة منزلة أدنى، فهي تشير إلى خال الملك فيصل الثاني. يسعى الروائي خضير فليح الزيدي من خلال هذا التكرار السداسي، إلى توسيع معنى نصه الروائي، فالملك أعزل والمهاجمون مدججون متأهبون، الملك يؤمن بكتابة الله (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
(*)
رواية (الملك في بجامته) محملة بعناقيد من حكايات :
(1) قدوري بيك
(2) الست سعاد
(3) السيد المنذري
(4) المصور جلال كوداك
(5) فاضلة خطيبة فيصل الثاني
(6) الأميرة راجحة
(7) حلاق الملك موسيس مالاكيان
(8) صالح عطوان : مدير الأمن
(9) ياسر عبد الله
(10) جميل القره تبي تنطلق حكايته من الصفحة الأولى وتواصل بثها إلى مديات أوسع مقارنة بالحكايات السابقة
(11) عباس الزنكي
(*)
صفحة86 من رواية (الملك في بجامته) تعيدني قراءتي إلى رواية (بنات غائب فرمان) حيث تُكلّف بنت البيرقدار المقتول، الكاتب هاني بارت، تكليفا روائيا من خلال المخطوط الذي بحيازتها للروائي غائب فرمان.. وهذا يعني أن هذه التقنية التي يستعملها الروائي خضير تتكرر مرتين. الثانية في (بنات غائب طعمة فرمان) أما الأولى فهي هنا في (الملك في بيجامته).. وتكليف تحتاجه في الروايتين امرأة هنا ابنة الأميرة راجحة وهي ثمرة زواج الأميرة من عبد الجبار، والمكلف روائيا هو الروائي المغمور عماد الأغا، وحين يموت بالوباء سيقوم بتتمة الرواية واجراء متغيرات فيها الروائي خالد الشيخ.
(*)
من حق الروائي أي روائي أن يستعمل التاريخ ممزوجا بالمخيلة.. ولكن بمقدار لا يخل بالحقيقة. لم تكن ثورة 14 تموز 1958 كما يصورها الروائيون والشعراء وبعض النقاد والمفكرون، كان الزعيم عبد الكريم طيّب الله ثراه فرديا في اتخاذ القرارات، لكن لم يكن دكتاتوريا.. وللثورة أخطاءها لكن أعداء الثورة، أكثر من أخطاءها، وهي ثورة تكالبت عليها كل قوى الظلام المحلي والعربي والعالمي.
#مقداد_مسعود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟