أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - التاريخ يعيد نفسه.. من الأسد إلى الشرع














المزيد.....

التاريخ يعيد نفسه.. من الأسد إلى الشرع


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 12:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يولد الطغيان في المجتمعات التي تُحاصرها الديكتاتوريات، فجأةً، كما يُولد البرق في السماء، بل ينبت ببطء في تربةٍ ملوّثة بالتصفيق المبالغ فيه والهتاف المصطنع. حين يتزاحم الشعراء لتأليف القصائد في "عظمة القائد"، ويتسابق الفنانون لتلحين أغنياتٍ تُخلّد صورته، ويتحول الجدار والرصيف والدكان إلى معرضٍ لوجهه المبتسم، يبدأ المواطن العادي بالتصديق أن الزعيم ليس مجرد إنسان، بل كائن استثنائي يجب أن تُطاع أوامره بلا نقاش.

الهتاف الجماهيري – وإن كان في حقيقته قناع نفاقٍ وخوف – يصبح بمرور الوقت غذاءً يومياً للقائد. يسمعه فيغترّ، يراه فيُخدَع، ويتوهم أنه محبوب لذاته، لا لسطوته. وهكذا يتضخم الأنا السياسي حتى يبتلع الدولة، وتتحول البلاد إلى مسرح ضخم لا يُسمع فيه سوى صوت واحد: صوت الحاكم.

لقد رأينا في التجربة السورية كيف تحولت أصوات الميكروفونات إلى وقودٍ دائم لاستمرار الحكم. فالأسد الأب ثم الابن، كُتبت لهما آلاف القصائد التي تبدأ بالمديح وتنتهي بالتأليه، وصار وجه الرئيس يشارك الناس طعامهم وشرابهم، يحدّق بهم من جدران المدارس، ومن دفاتر الأطفال، ومن واجهات المحلات. لم يعد السوري يرى نفسه في المرآة، بل يرى صورة القائد. ومع الزمن، ما عاد الحاكم بحاجة إلى إقناع الناس بجدارة حكمه، فالمديح المتواصل جعله مقتنعاً أن حكمه قدرٌ سماوي.

إن أخطر ما في "التصفيق الموجّه" أنه يُحوّل الأكذوبة إلى حقيقة نفسية. الجماهير المقهورة تُصفّق كي تنجو من بطش السلطة، لكن القائد يسمعها كإقرارٍ بالحب والولاء، فيتشكل وعيٌ زائف في رأسه: «أنا محبوب.. أنا المنقذ.. أنا الوطن». وهنا تبدأ بذور الاستبداد بالنمو حتى تصير شجرةً خبيثة تظلّل البلاد بالظلام.

واليوم، مع صعود وجوهٍ جديدة كأحمد الشرع، تعيد التجربة نفسها بملامح مختلفة. فالتاريخ يعيد نفسه بشكل مأساة أولاً، ثم كمهزلة ثانياً. تتكرر الهتافات والتصريحات المنمقة، كأن الشعوب لم تتعلم أن التصفيق الأعمى لا يقيها من الجوع، وأن تعليق الصور لا يوقف نزيف الدم، وأن تمجيد الأشخاص لا يصنع أوطاناً، بل يصنع سجّانين.

إن صناعة الديكتاتور تبدأ من لحظة يسكت فيها الناس عن قول الحقيقة، ويستسلمون لثقافة المديح الكاذب. فالتصفيق الطويل لا يُسقط الحاكم، لكنه يسقط الشعب أولاً. وحين يفيق الناس بعد سنوات من النفاق القسري، يجدون أنفسهم قد صنعوا بأيديهم جلادهم، وزرعوا في أرضهم طاغيةً لا يرحم.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيب الذي أحالني إلى الذكاء الاصطناعي
- من القبيلة إلى الدولة.. تحوّلات مفهوم الوطن عبر الزمن
- من وعود بلفور إلى وعود الأمم.. نكبة تاريخية مستمرة
- من الجهاد إلى البروتوكول.. حين يرتدي السيف ربطة عنق
- اللوحة التي لا تُفهم.. سرّ نجاة الفنان التشكيلي
- مناف طلاس وإحياء القرار 2254.. بداية واقعية أم وهم جديد؟
- بين أفول النجم الأمريكي وبزوغ التعددية: هل ودّعنا القطب الوا ...
- مجلس الأمن... ومجلس العار العربي
- حرية التعبير... بفضل قلة العناصر الأمنية
- مجزرة جديدة؟ لا بأس، لدينا بيان جاهز!
- دور الاستبداد في تشويه أخلاق العباد
- نداء إلى مَن لم تتزوج بعد
- جعلوني انفصالياً!
- تأملات في خطوة المجلس التأسيسي لوسط وغرب سوريا
- الوجه الخفي لبريطانيا في الأزمة السورية
- الصديق اختيار.. والرفيق التزام
- التطبيع الزاحف وسلام العار
- السويداء في القلب.. وستبقى
- حين ينهزم الوزير أمام صمت الأسير
- في دهاليز الصمت.. حكاية تقريرٍ مخبّأ ومجازر لا تنسى


المزيد.....




- زينب شفيق… زهرة القمر التي عادت إلى حلمها الأول في الثمانين ...
- علماء يصنعون أجنة من الحمض النووي لجلد الإنسان لأول مرّة
- من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟
- ألمانيا: إغلاق مهرجان أكتوبر مؤقتا في ميونخ بعد إبطال قنبلة ...
- التحدي والاستجابة الأردنية
- راتب.. طفل غزّي يحاول تعويض ساقه المبتورة بأنبوب بلاستيكي
- الاحتلال يقتحم طوباس وبلدة عقابا ويعتقل فلسطينيين بمخيم الفا ...
- لا تستهن بلغة العيون.. ماذا نخسر من إهمال التواصل البصري؟
- هل توغل الجيش الإسرائيلي داخل درعا واعتقل عناصر أمن سوريين؟ ...
- الحرس الثوري يلوح بزيادة مدى الصواريخ الإيرانية


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - التاريخ يعيد نفسه.. من الأسد إلى الشرع