أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل الله ذَكَر؟














المزيد.....

هل الله ذَكَر؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 15:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الله ليس بذكر ولا أنثى، لم يلد ولم يولد، وليس كمثله شيء، أو هذا على الأقل هو ما يؤكده لنا الفقهاء من منظورهم الديني.

لكن لماذا نلحق به ضمير المذكر دائماً؟ لماذا لا نستعمل ضمير المؤنث تارة والمذكر تارة أخرى إذا كان الله كما تقول ليس بذكر ولا بأنثى؟ ولماذا، أساساً، نستخدم ضمائرنا نحن البشر للإشارة إلى من ليس كمثله شيء كما تقول؟

في الحقيقة، دأب البشر في الماضي على تخيل الله في صورة الأنثى والذكر على حد سواء. حينذاك كانت الآلهة تتزوج وتلد وتولد سواء من معشوقات أو عاشقين من دنيا البشر أو من دنيا الآلهة. وكان يطيب للناس أن يُرجعوا نسب ملوكهم وكهنوتهم البارزين إلى صلب الإله كذا أو الإلهة كيت. كان ذلك زمن الوثنية وتعدد الآلهة. لكن مع ظهور الديانات التوحيدية اختلفت نظرة البشر إلى الآلهة كثيراً. أصبح الله واحد أحد لا شريك له ولا ولد، وأصبح ذكراً على وجه التحديد والحصر.

مع ذلك، يبقى السؤال مشروعاً. كيف تدعي أن هذا الله الواحد ليس بذكر ولا أنثى، وليس كمثله شيء، ورغم ذلك تستخدم معه ضمير المذكر تحديداً وحصراً؟ ألن يترتب على ربطه بهذا الضمير تحديداً ربطه في مخيلتنا بصورة الرجل بشكل أو بآخر مهما بلغ الاختلاف المزعوم بينهما؟!

معك حق. ما تذكره سيقع حتماً وتلقائياً، إذا لم يكن في مخيلة خواص الفقهاء والمفكرين، فبالتأكيد في مخيلة عوام المؤمنين. هذه معضلة حقيقية بحاجة لمزيد من الشرح للوقوف على أسبابها. دعنا نحاول.

بداية، حتى يعرف الناس آلهتهم، كان لابد أن يأتوا بهم إلى عالمهم، عالم البشر، أولاً. لا يمكن لسكان عالمين منفصلين أن يتعرف أحدهم على الآخر وهما يعيشان في عزلة تامة. هذا شيء مستحيل وغير متصور بالمرة. المعرفة تأتي من الاتصال، والاتصال لا يتم إلا عندما يتواجد طرفاه داخل العالم، أو الكون، نفسه. أولاً، يجب أن يكون الاتصال ممكناً بين الطرفين؛ ثانياً، حتى تتحول قابلية الاتصال من الممكن إلى الفعلي، يجب أن تتوفر وسيلة اتصال متاحة ومفهومة لكلا الطرفين. اللغة قد وفرت هذه الوسيلة.

لكن اللغة منتج بشري بالكامل، أداة بشرية خالصة من صنع البشر أنفسهم يستعملونها لأغراض التواصل فيما بينهم سواء كأفراد أو جماعات أو شعوب. كيف، إذن، يستخدمونها في التواصل مع الله؟ أليس في ذلك عودة لكن من طريق آخر إلى نفس إشكالية المذكر والمؤنث؟ إن إلباس الله لباس اللغة البشرية، جعله يتكلم تماماً مثل البشر، لا يختلف في شيء عن نعته بضمير المذكر أو المؤنث. كل هذا لا يعدو كونه أَنْسَّنة لله، جعله إنسان طبيعي كسائر البشر ولو بصفات خارقة. ألا تتفق معي؟

يجب أن تعي، طالما نتحدث من منظور ديني، أن الدين هو في نهاية المطاف "علاقة" بين الإنسان من جهة وخالقه أو ربه المتصور في المقابل. ولكي تتحقق مثل هذه العلاقة وتفي بأغراضها، لابد أن يكون هذا الإنسان قادر ليس فقط على الاتصال بربه لكن أيضاً على فهم مضمون هذا الاتصال تماماً مثلما يفهم البشر مضمون الاتصال فيهم بينهم. وهذا، كما ذكرت، مستحيل أن يتحقق من دون الإتيان بهكذا إله إلى دنيا البشر، ليس لكي يعيش وسطهم فقط لكن بداخلهم وفي ضميرهم أيضاً. لهذا، حتى ينشأ الدين، لا يمكن أن يعيش الله في عالم والإنسان في عالم آخر؛ لابد أن يعيش الاثنان في عالم واحد والعالم نفسه، عالم البشر.

هذا العالم البشري نحن نُصنفه إلى ثلاث فئات: جمادات ونباتات وحيوانات. وقد يتخذ الله، ظاهرياً، أي من هذه الصور الثلاثة. لكن، جوهرياً، ستجد دائماً في الخلفية روحاً شبيهة بالروح البشرية لكن بمقاييس خارقة تخاطب العابدين وتجيب صلواتهم من وراء أي من هذه المجسمات الثلاثة. هكذا كان عرب الجاهلية عندما يصلون لأوثانهم يعرفون أن هذه التماثيل الحجرية هي مجرد مجسمات تقربهم زلفى إلى الله، الإله المؤنسن الكبير من ورائها. ولا يزال المسلمون إلى اليوم، حين طوافهم بالحجر الأسود، يعرفون أن صلواتهم وتكبيراتهم هي إلى الله وحده، وأن هذا الحجر هو مجرد مجسم لا أكثر. كذلك يفعل عامة المؤمنين مع الأضرحة والمزارات المقدسة؛ هم يعرفون أنهم لا يصلون لقبابها ولا لرفات المدفونين فيها، ولا يتخذون هؤلاء أرباباً من دون الله، لكن مجرد زلفى وقربى وواسطة وشفاعة إلى الله. ويمكن سحب المنطق نفسه على اللغة، التي تؤدي اليوم الوظيفة نفسها التي قد أدتها في الماضي مفردات أخرى: اللغة هي مُجسم آخر للذات الإلهية المحجوبة خلف حروفها الأبجدية. على هذا الأساس، يُنصب علماء الدين أنفسهم، فضلاً عن كونهم حراس الدين، في موقع المؤهلين وحدهم وحصراً لفك طلاسم وأسرار هذه اللغة البشرية الأصل وقراءة المقاصد الإلهية العلياً المختبئة في حروفها.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة دينية لكن بالمقلوب
- هل صحيح أن المسلمين يقدسون محمداً أكثر من تقديسهم لله؟
- هل صحيح أن القرآن كلام الله؟
- هل صحيح أن ليس في الإسلام كهنوت؟
- هل تُنجب المسلمة من هندوسي؟
- دعوة التوحيد
- بين الوطنية واللصوصية- أزمة دولة ناصر
- لماذا فشلت الجمهوريات الثورية ونجحت الممالك الرجعية؟
- خيبة الأمل في 23 يوليو
- المصريون بين طرحةً ناصر وحجاب المُرشد
- شكوى إلى الله ضد إسرائيل
- في الدولة جنة الإنسان على الأرض، أو هكذا ينبغي
- ما هي حقيقة الدولة؟
- هل كانت 30 يونيو ثورة؟
- هل كانت 25 يناير ثورة؟
- الثورة بين الحقيقة والمجاز
- هل كانت 23 يوليو ثورة؟
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس


المزيد.....




- ملك الأردن: توافق قادة دول عربية وإسلامية على خطة ترامب بشأن ...
- الوجود المسيحي في فلسطين بين الحقيقة وأكاذيب نتنياهو
- ملك الأردن: توافق قادة دول عربية وإسلامية على خطة ترامب بشأن ...
- فلوريدا تقترح قانونًا لحظر ’الضفة الغربية’ واستبدالها بـ’يهو ...
- مستعمرون يقيمون بؤرة استعمارية على أراضي دير استيا شمال غرب ...
- الاحتلال يغلق مدخلي دير بلوط ورافات ويحتجز شابين غرب سلفيت
- من بينها الفاتيكان وأيسلندا: ما هي الدول التي ليس لها جيوش ف ...
- إحياء فعاليات يوم العلم الفلسطيني في سلفيت
- المؤرخ اليهودي آفي شلايم: لم أعد أؤمن بالصهيونية ولحماس الحق ...
- مجلس الشورى الاسلامي: إيران لن تستسلم، ولن ترضخ للضغوط


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل الله ذَكَر؟