أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في الدولة جنة الإنسان على الأرض، أو هكذا ينبغي














المزيد.....

في الدولة جنة الإنسان على الأرض، أو هكذا ينبغي


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أنا لست بحاجة إلى دولة حتى توفر لي الطعام والمأوى والزوجة وتعتني نيابة عني بأطفالي. أنا أستطيع فعل ذلك، دون مساعدة من أحد أو من الدولة. لقد بقيت الحيوانات تفعل هذا منذ ملايين السنين إلى اليوم. وأبداً لم يكن الإنسان أقل من الحيوان في شيء، بل دائماً ولا يزال أرقى منه وسيداً عليه من كافة النواحي. لهذا السبب تحديداً لم يعرف عالم الحيوان ولم يقيم قط دولة له، بينما الإنسان من كل الكائنات الحية وحده الذي فعل. غير أن الإنسان لم يفعل هذا، لم يقيم لنفسه دولة، إلا منذ عدة آلاف السنين فقط. قبل ذلك، بقي الإنسان يعيش عمره الممتد لمئات آلاف السنين في حياة بسيطة وبدائية بلا حضارة وبلا دولة. خلال تلك الحقب السحيقة، هل عجز الإنسان عن إطعام نفسه وذويه وضمان الأمن لهم؟ لا، أبداً وإلا ما كانت البشرية مستمرة بصورة المجتمع الدولي المعاصر حتى يومناً هذا. لماذا، إذن، احتاج الإنسان إلى دولة؟ لأن هناك شيء بالتحديد قد عجز الإنسان منفرداً أو ضمن مجموعته البيولوجية الصغيرة عن بلوغه ورغب من الأخيرة تمكينه منه. ما هذا الشيء؟ وما الثمن الذي كان الإنسان على استعداد لكي يدفعه من حريته المطلقة السابقة، قبل الدولة، مقابل القيمة التي لا يستطيع أبداً أي كيان آخر غير الدولة أن يضيفها لوجوده في هذه الحياة؟

المعنى. أراد البشر من الدولة قبل وفوق كل شيء آخر أن تضيف معناً لوجودهم في هذه الحياة، وإلا لكان وجودهم فيها عبثياً لا يختلف جوهرياً عن وجود الحيوانات من حولهم. لقد بدأ مخاض الدولة لحظة لم يعد الإنسان راضياً ولا قانعاً بعد بعيشته البدائية السابقة؛ لحظة انفتح أفقه وامتد خياله وتطلع إلى عالم آخر أكثر مثالية ورقياً ومعنى، هنا على هذه الأرض والآن لا في حياة مؤجلة. لذلك، علاوة على النشأة المتزامنة والمكملة، تتفق الدولة والدين معاً في المبادئ، لكنهما تفترقان في الوسائل والغايات. كليهما لا يخفي امتعاضه من حقيقة الوجود الحيواني الزائل والبائس والعبثي؛ لكن بينما تسعى الدولة بوسائلها الخاصة لإعادة خلق حقائق الواقع البائس في صورة أكثر إشراقاً ورقياً وتحضراً قدر الإمكان، هنا والآن، يبشر الدين بحياة فردوسية تخلو من كل الموبقات والحقائق المزعجة، لكنها تبقى معلقة ومرهونة بحياة أخرى مقبلة. لم تتطور فكرة وممارسة الدولة في حياة الإنسان الفعلية إلا بعدما شرع الأخير في رحلة مضنية للبحث معنى أكبر وأسمى لوجوده في الحياة. عندئذٍ لم يعد الإنسان، كباقي الحيوانات، كائناً يكتفي بالواقع الحقيقي المعاش فقط، لكنه أصبح قادر على الحلم أيضاً. الدولة هي حلم الإنسان الآن وعلى هذه الأرض بالتزامن والتوازي مع حلم النعيم الفردوسي وجنة الخلد في الدار الآخرة. وطالما بقيت عذابات الإنسان ومآسيه حاضرة، ستظل الأحلام تراوده دون توقف.

لم يخلق البشر الدولة حتى تشبع لهم احتياجاتهم الحيوانية الأساسية من مأكل ومشرب وأمن وخلافه، التي يستطيعون تلبيتها منفردين وضمن جماعتهم البيولوجية الصغيرة، كونهم ليسوا أقل تطوراً من حيواناتهم التي تعرف كيف تؤمن لنفسها الطعام والمأوى والأمن وكيف تحفظ النسل وتعتني به دون حاجة إليهم أو إلى دولة. في الحقيقة، يعرف الإنسان أيضاً منذ مئات آلاف السنين كيف يلبي لنفسه مثل هذه الأساسيات الوجودية، ولو في حدود أضيق بلا شك مما تستطيع الدولة تحقيقه بفضل إمكانياتها الضخمة. مهما يكن، الحياة لن تتوقف ولن تنتهي إذا ما توقفت الدولة وانتهت عن حشر أنفها في مثل هذه الشؤون الحياتية الأساسية للإنسان. في الأخير، ليس الإنسان غبياً إلى الحد الذي يجعله يقايض حريته المطلقة سابقاً، قبل الدولة، ببعض المكاسب من الغذاء والأمن والسكن، التي هي أمور تستطيع حتى الحيوانات البرية تأمينها لنفسها دون الحاجة لدولة تقيدها داخل حظائر. ما هو الشيء، في نظر الإنسان، الذي يساوي أن يقايض به حريته المطلقة، شبه البرية، قبل الدولة بحرية مقيدة تحت قوانين الدولة، أو داخل حظيرتها السياسية؟

هذا الشيء ليس بأقل من الجنة، الآن، على هذه الأرض وفي هذه الحياة الدنيا. نعم، هي الجنة. مثلما يريد الإنسان من الدين أن يجعل لحياته الزائلة معنى عبر تعويضها بحياة الخُلد والعدل والشبع والسعادة والنعيم في الدار الآخرة، هو يريد أيضاً من الدولة أن تؤمن له ما لا يقل عن ذلك- جنة أرضية، الآن وفي هذه الحياة. في جنة الآخرة، العيش والعدل والشبع والسعادة والنعيم ليست أبداً مثل نظيراتها الدنيوية التعسة كما نعهدها، بل من جنس آخر لا مثيل له سوى في أحلام البشر. هو جنس ذو معنى، معنى عظيم وسامي، لكن ليست له حقيقة ماثلة. ربما هو لا يتعدى المثال الذي يجذب إليه ويرشد مساعي البشر نحو الترقي والعلو باطراد، لكنهم أبداً لا يحققون كل ما يحلمون به. على نفس المقياس، عندما يطلب الإنسان من الدولة الغذاء والأمن والسكن، نُخطئ إذا اعتقدنا أنه يريد منها نفس ما يقدر على تدبيره بنفسه وبمساعدة مجموعته البيولوجية الصغيرة. بل يريد المواطن من الدولة أساسيات معيشية من نوعية معنوية بالذات، تلك التي لا يستطيع كائناً آخر مهما كان غير الدولة تمكينه منها. لهذا السبب تحديداً كان يحلم، ومن حلمه وجدت الدولة.

لكن الحلم يتحول إلى كابوس عندما يكتشف المواطن أن دولته قد خذلته وتركته يلاقي مصيره في دنياه معتمداً على نفسه وجماعته البيولوجية الصغيرة ولم تُهيئ له الفرصة للسعي وراء تحقيق أحلامه من الدولة. الدولة هي حلم المواطنين في حياة أفضل مما لو تركوا لأنفسهم دون دولة. لذلك، تفقد الدولة سبب وجودها حين تتوقف عن تجسيد هذا الحلم في قناعات مواطنيها. عندئذٍ تحتلهم خيبة الأمل في الدولة. إذا كانت الدولة لا تُغنينا حقيقة بأكثر مما نستطيع تدبيره بأيدينا أنفسنا، فما جدوى الدولة إذن؟ أين الثمن مقابل الإذعان لقيودها؟ عندئذٍ يسعى المواطن ثائراً ومتمرداً ضد الدولة لاستعادة حريته المطلقة السابقة، ويعود أدراجه إلى إنسان الغاب، الذي يعتمد على نفسه في تدبير شؤون حياته البسيطة والبدائية، من دون حاجة إلى معنى ومن دون أحلام- وبالطبع من دون دولة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي حقيقة الدولة؟
- هل كانت 30 يونيو ثورة؟
- هل كانت 25 يناير ثورة؟
- الثورة بين الحقيقة والمجاز
- هل كانت 23 يوليو ثورة؟
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)


المزيد.....




- تامر حسني يصدر ألبوم -لينا معاد- بعد أيام من التأجيل
- أحدث دويًا عاليًا.. مغامر قفز مظلي يرتطم بخطوط كهرباء قبل سق ...
- حظر التعامل مع -القرض الحسن- لحزب الله.. مبعوث أمريكا يعلق ع ...
- الجيش السوري يدخل السويداء والطيران الإسرائيلي يقصفه
- وفاة المؤثرة المغربية سلمى تيبو بعد عملية جراحية اضطرت لإجرا ...
- عيد ميلاد لامين يامال الـ18 يثير جدلا واسعا بحضور ذوي التقزم ...
- عواصف شديدة تسبب فيضانات عارمة في نيويورك ونيوجيرسي
- ألبانيزي تشيد بمؤتمر بوغوتا حول فلسطين: أهم تطور سياسي خلال ...
- العدل ينتصر.. تأييد إدانة زعيم مافيا هدد الكاتب الإيطالي ساف ...
- في دراسة حديثة.. علماء يتنبؤون بـ-موعد- نهاية الكون!


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في الدولة جنة الإنسان على الأرض، أو هكذا ينبغي