أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل ضاعت غزة حقاً؟














المزيد.....

هل ضاعت غزة حقاً؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 00:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُكبرون فوق جُثث الأضاحي، يُخضبون أكفهم بدمائها، ويلطخون جدران بيوتهم ومركباتهم الثمينة تيمناً وبركة. قرابين تقربهم من رضا الآلهة وحوريات الجِنان. لم يسألوا أنفسهم قط، ما فائدة القتل الجماعي أكثر من الحاجة الغذائية، ولماذا لا نزال نُصِّر على تصور آلهتنا بهذا الشره الدموي؟ هم فرحون بأضاحي العيد، لا يعلمون كونهم أنفسهم ضحايا الأمس واليوم والغد. تقودهم كالبهائم غرائز بدائية آنية تُطفئُ في أجواف فارغة شهوة ثأرية متقدة، لا تترك للعقل متسعاً حتى يفكر في منافع ما بعد الآن. في كل عام وفي كل مكان ضحايا جدد، لا سكين الذبح تكل ولا سيل الدماء ينتهي، ولا غريزة التشفي تشبع. كلنا يُضحي، أو يتمنى لو يُضحي، ولا يدري كونه في الحقيقة أُضحية- أو أُضحية محتملة- أثناء تضحيته ليس بالبهائم فحسب، بل أيضاً بمنازعيه على ميراث الأرض والمال، معارضيه السياسيين، مخالفيه في الرأي والمعتقد، في الدين أو العرق أو المذهب أو الطائفة أو الملة. أهلاً بكم في عالم قد غادره العالم منذ أكثر من نصف ألف عام. بينما نحن هناك لا نزال واقفون، صامدون بفخر وعزة وكرامة كقمم الجبال الشامخة!

مثل هكذا عالم لا ينتج فكراً ولا معرفة ولا عمراناً؛ في أحسن الأحوال منتوجه بلادة وفقر وجهل، وفي أسوئها كراهية ونزاعات وفتن وفوضي وحروب أهلية وحكومات هشة وعقيمة لا تكاد تنعقد حتى تنحل. في مثل هكذا أوضاع بائسة، كيف يصمد عمران، من يرعى العقل، كيف تتأسس وتتراكم وتنتج العلوم الحديثة؟ ليس على غزة وحدها حيث أشرق الخراب وغابت شمس الفكر والمعرفة والعمران. بل سواد العتمة يعم سماوات هكذا عالم لا يزال سكانه على يقين في أن آلهتهم لا تزال تتغذى وتتطهر في بحور من دماء الأضاحي.

في عالم الآلهة لا يعيش بشر، ولا يمكنهم حتى لو أرادوا. لكن الآلهة تستطيع أن تعيش، وتعيش فعلاً، في دنيا البشر. الآلهة تملك سلطة مطلقة: اذبح ابنك يا إبراهيم. ما كان إبراهيم أن يفكر أو يختار: نفذ يا إبراهيم. لكن رحمة من الله، وفقاً لإرادة تعسفية مطلقة، أشفق على عبده إبراهيم وفدا ابنه بذبح عظيم. الخلاصة، إبراهيم لا شيء عاقل، ولا حتى بهيم تحكمه غرائزه. الحيوانات لا تقتل صغارها، بل تحميها. إذا تجرد البشر بهذا الشكل من فطرتهم الطبيعية، وفي الوقت نفسه سلموا عقولهم تسليماً كاملاً لكي تُستخدم كأسلحة قتل وفتك بيد مُتسلط عليهم، ماذا يتبقى من الإنسان؟

قطيع من المُسوخ تلعب بهم وتحركم السلطة القائمة لأغراضها الخاصة. نحن لا نعيش في السماء. والسلطة المطلقة لا تقتصر على السماء فقط. لذلك، حين تأمرك السلطة أن تتجسس على أهلك أو جيرانك أو أصدقائك أو حتى أعدائك وتشي بهم، أو تعذبهم وتقتلع أظافرهم وتكوي أعضائهم التناسلية وتغتصبهم وتنكل بهم أفظع التنكيل، أو تقتحم ديارهم وتقطع أوصال رجالهم ونسائهم وأطفالهم فداءً ونصرة للأقصى أو الله أو النبي أو الدين، أو تخليص الوطن من الخونة والمتآمرين على إسقاط الدولة والطابور الخامس عملاء الغرب الإمبريالي أو الشرق الشيوعي، أو استعادة الخلافة وتطهير العالم من الشرك، لا تتعجب. لقد أطاع الأمر ونفذه من دون تفكير أو تردد أبونا إبراهيم، ونحن لا نزال أوفياء على العهد؛ سنُطيع كما أطاع ونضحي كما ضحى، حتى لو كان الضحية فلذات أكبادنا قبل نسائنا وشيوخنا وأنفسنا. بعدما تجردنا من العقل، من أين نعرف بشاعة وهول ما نفعل بحق أنفسنا قبل أعدائنا؟!

لأننا، في عالم السلطة المطلقة، لا نفكر ولا حتى يُسمح لنا برفاهية التفكير المُفسدة للأخلاق والتقاليد السائدة، نسيناً شيئاً مهماً: أن الأقصى من دون مصلين مجرد أتربة وحجارة؛ وغزة من دون غزيين خرابة تسكنها الأفاعي وآكلات الجيف.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!


المزيد.....




- خامنئي ينتقد إسرائيل بسبب شن هجوم على إيران في ظل المفاوضات ...
- الإعلام الإيراني يستعرض لقطات يزعم أنها لمسيّرة إسرائيلية تم ...
- لافروف ونظيره العماني يؤكدان ضرورة وقف القتال بين إسرائيل وإ ...
- زاخاروفا: روسيا تبذل كل ما بوسعها لدرء الكارثة
- استخبارات الحرس الثوري تفكك شبكة سيبرانية عميلة للموساد
- صعود أسعار الغاز في أوروبا... ورغم ذلك: وداعًا للغاز الروسي! ...
- كيف تتحسب أنقرة من تهديدات إسرائيل بعد الهجوم على إيران؟
- ثوران بركان في إندونيسيا يتسبب بإلغاء عشرات الرحلات إلى بالي ...
- -كل اللي فات إشاعات-.. محمد رمضان يعلن عن الصلح بين نجله وزم ...
- وفاة الطاهية والشخصية التلفزيونية الشهيرة آن بوريل عن عمر 55 ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل ضاعت غزة حقاً؟