أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح














المزيد.....

السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


’عايز ليلتك تعدي ميت فل وعشرة، ولا تتفضح وتتجرس بين أهلك وناسك والبلدان المجاورة؟‘. ’لا سمح الله، ومين بس عايز الفضيحة‘. ’إذن، سلطة كاملة. ليس لك أن تتدخل في أي شيء. أنت صاحب الفرح، على عيني وراسي. لكن أنا صاحب مفتاح المطبخ. لن يخرج رغيف عيش، قطعة لحم، حبة أرز، طبق طبيخ، فتفوتة حلوى سوى ما آمر به أنا، حتى لو كنت أنت ذاتك شخصياً صاحب الطلب. متفقين؟‘ ’ربنا ما يجيب خلاف، متفقين إن شاء الله‘. ’على بركة الله، الفاتحة إن ربنا يهدي النفوس وييسر لنا الأمور إلى ما فيه الخير والمصلحة، ويسترنا ويحفظنا من شر الفتن.‘ عندئذً ينفجر الحضور بصوت واحد في قراءة الفاتحة.

ما يدفع صاحب الفرح إلى أن يقصد هذا الشخص المُتسلط بالذات ويخضع لشروطه التي قد يراها مجحفة بحقه بحكم كونه المالك الأصيل والحصري لكافة مصروفات العُرس، هو أنانية صاحب الفرح هذا نفسه. هو يريد لنفسه عُرساً ’يحكي ويتحاكى عنه الناس طول عمرهم.‘ وليس أمامه حتى يحقق هذه الغاية والمصلحة الذاتية سوى أن يخضع لإملاءات هذا المتغطرس المنفوخ حتى لو كان مجرد نكرة وسط رجالات البلدة المتنفذين.

الأفراح في القرى هي عبارة عن مأدبة طعام كبيرة، تُعَد لمرة واحدة ثم تنفض في اليوم نفسه. هذه المأدبة قد تتسع لرجال القرية جميعاً بالإضافة إلى الكثيرين من القرى والمدن القريبة والنائية. خلال هذه الساعات المعدودة، تكون سمعة ومكانة صاحب العُرس تحت المِقْصلة؛ إما أن ينجو ويُصان، أو يسقط ويُهان. والأمر كله، للمفارقة، مرهون بيد صاحب مفتاح المطبخ. هذا هو الذي يستطيع أن يُنجح له ليليته لكي يحكي ويتحاكى بها الناس، أو يُفشلها ويُمرغ له سمعته في الوحل. وهل هناك خِزْي أكبر من أن يعجز المرء عن تدبير المأكل والمشرب لأهله وضيفه؟!

حدثت مرات عديدة، حين وضع صاحب الفرح ثقته في غير محلها. وكان هو- صاحب الفرح ذاته- أكبر الخاسرين والملومين. كل البلد والبلدان المجاورة يتهامسون فيما بينهم: ’طيب، لما هو مش قادر يأكل الناس دي كلها، كان وجه لهم الدعوة أصلاً ليه؟! ولا هو عايز يفضح نفسه ويفضحنا معاه في الدنيا كلها؟!. ولو مش قد الشيلة، حشر نفسه وشالها ليه أصلاً؟! يعني من قلة اللي فاهمين في تنظيم وإدارة الأعراس؟! ولا هو دا أول فرح نعمله، ما طول عمرنا أفراحنا بيحكي ويتحاكى بها الناس؟!‘

صاحب مفتاح المطبخ المؤهل هو هذا الشخص الذي يكون قد مرّ على تدريب وتجربة سابقة تحت يد صاحب مفتاح مطبخ أقدم منه. أكثر من ذلك، لابد أن يجتاز بكفاءة امتحانات إطعام في مناسبات أقل حجماً وأهمية من الأفراح. علاوة على الخبرة المتراكمة تحت يد مُعلم أقدم، لابد ينجح بمفرده في اجتياز اختبارات اجتماعية متدرجة صعوداً من حيث الحجم والأهمية، حتى يؤتمن في النهاية على مناسبة بضخامة عُرس قد يضم آلاف البطون.

دائماً، يتولى صاحب مفتاح المطبخ المتمرس الحساب الكلي المتاح لدى صاحب الفرح من اللحوم والخضروات والفواكه وما إلى ذلك. ثم، من خلال التنسيق مع رئيس الطهاة بالمطبخ، يعرف تقريباً كم وجبه يستطيع الطاهي إنتاجها من هذه المقادير. ثم يطابق العدد الكلي للمعازيم مع عدد الوجبات المتوقعة. وفي جميع الأحوال، يعمل حسابه على أنه لابد أن يتوفر في النهاية فائض من الوجبات عن عدد المعازيم بنسبة تتراوح إلى الرُبع- تَحسباً لإطعام الأطفال وأمهاتهم من الأهل والأقارب والجيران غير المقيدين بكشوفات المعازيم، وتحوطاً ضد أي طارئ لم يوضع في حسبان أحد. في النهاية، عندما يفيض الطعام عن الحاجة، يمكن التفضل به بعد انقضاء ليلة العرس على الأقارب والفقراء والمحتاجين، الذي سيعزز أكثر من سمعة ومكانة صاحب العرس. لكن إذا عجز الطعام عن سد الحاجة، هذه هي المصيبة السوداء على رأس صاحب الفرح بكل معنى الكلمة. ويجب على صاحب مفتاح المطبخ التحوط ضد ذلك من البداية، بأن يطلب زيادة مقادير الطعام إذا ما قَدَّرَ أنها لا تكفي، أو تكفي بالكاد، أعداد المعازيم المتوقعة.

رغم ذلك، يحدث أحياناً أن تكون شخصية صاحب مفتاح المطبخ أضعف من اللازم، أو شخصية صاحب العُرس أقوى من اللازم، الذي في كل الأحوال يوصل إلى الفضيحة ذاتها. إن تخطي سلطة صاحب مفتاح المطبخ، لأي سبب، سوف يفتح أمام كبارات البلد والمتنفذين وأصحاب الحظوة الطريق إلى ما تُسمى ’مآدب خاصة‘، الجانبية والمخفية بطبيعتها من العدد الرسمي لمآدب العُرس المعلنة والمتفق عليها. وقد يصل هذا الاستنزاف، وغالباً يصل، إلى أضعاف عدد الوجبات المقرر تقديمها، الذي يؤدي إلى عجز الأخيرة ووجود معازيم على كراسيهم ينتظرون دورهم، بينما المطبخ أصبح خالياً من الطعام.

ساعتها، ستجد صاحب الفرح يصرخ، وصاحب مفتاح المطبخ يصرح، والطباخ يصرخ، جميعهم يُلقي بالمسؤولية على الآخر. لكن لا أحد من المعازيم الجالسين الآن ولا من العامة الذين سيتهامسون فيما بينهم صباح غدٍ سوف يلوم الطباخ أو صاحب المفتاح- ولا حتى كبارات البلد والمتنفذين وأصحاب الحظوة- في أي شيء. المصيبة كلها ستقع فوق رأس صاحب الليلة، صاحب الفرح ذاته المقيد اسمه ببطاقة الدعوة للمعازيم. ماذا يفعل؟ هل يستجدي الطعام من الجيران- أو من صندوق الطعام الدولي- لكي يُطعم أهله وضيفه؟! للأسف، حتى لو فعل، سيكون الفرح قد انفض والضرر قد لحق بسمعته بالفعل.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
- رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية
- باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد
- الأنانية في المجتمع والدولة
- الأمة العربية والإسلامية لكن بزاوية نَظَر حادة
- الدين سلطان القلوب
- من الشورى إلى ديمقراطية جهنم
- بِكمْ تَبِيعُني إلَهَك؟
- بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة


المزيد.....




- رئيس إيطاليا منتقدا إسرائيل: الوضع في غزة يزداد -خطورة وفظاع ...
- كندا تعلن رسميا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر
- غوتيريش يدعو لعالم -لا يباع فيه أحد أو يشترى-
- المغرب يرسل مساعدات إنسانية وطبية عاجلة لقطاع غزة
- جامعة فرنسية تثير جدلا جراء إلغاء تسجيل طالبة من غزة .. و وز ...
- واشنطن تفرض أكبر حزمة عقوبات على إيران منذ عام 2018
- إدارة ترامب تفرض عقوبات على -إمبراطورية شحن- تابعة لنجل مستش ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعود إلى إيران للمرة الأولى من ...
- رئيس وزراء كندا: سنعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر.. وإسرا ...
- بهدف -احتواء الانقسام-.. تقرير يكشف تفاصيل زيارة قاآني -السر ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح