أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - محاولة لفهم الدولة














المزيد.....

محاولة لفهم الدولة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8054 - 2024 / 7 / 30 - 14:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة كائن مثل أي كائن آخر، لكنه مُصطنع لا يملك وجوداً طبيعياً. في الطبيعة لا يوجد شيء اسمه دولة. هذا الكائن ليس خلقاً طبيعياً، مع ذلك هو من خلق كائنات طبيعية- البشر على وجه التحديد والحصر. إذا كان هذا المخلوق الصناعي يفتقر إلى الذات الطبيعية المستقلة، وكان من خلق كائنات طبيعية ذات كينونة وشخصية مستقلة وسط سائر المخلوقات والكائنات الطبيعية الأخرى، يكون الاستنتاج الحتمي أن هذا الكائن الاصطناعي قد ظهر إلى الوجود من صنع مخيلة وأيدي، ولخدمة مصالح وأغراض، هؤلاء الذين قد خلقوه- البشر. لماذا، ومن ماذا، قد خلق البشر دولتهم؟

في عيشتهم الانفرادية والانعزالية ضمن جماعات صغيرة مُبعثرة عبر البراري والأدغال المترامية، ذاق البشر طعم المُر السقام سواء على أيدي كائنات أكثر منهم قوة ومن طبيعتها الافتراس، أو قوى طبيعية جبارة لا يملكون الوسيلة إلى ترويضها أو النجاة منها مثل العواصف والأعاصير والزلازل والبراكين وغيرها، أو على أيدي مجموعات أخرى مثلهم تعيش على مقربة منهم وتنازعهم على حقوق الرعي والصيد والاستفادة من الموارد الطبيعية. هذه العيشة الانعزالية البائسة بسبب الضعف وقلة الحيلة أمام الكوارث الطبيعية، وما تُنتجه من كثرة الاقتتال وسفك الدماء من أجل البقاء في صراع وحشي على مقومات الحياة، فرضت على مُخيلة هؤلاء البشر الأوائل التساؤل: لماذا لا تتضافر جهودنا معاً ونتعاون بدل أن نتصارع ويقتل بعضنا بعضاً من أجل اغتنام موارد طبيعية شحيحة؟ ألن نزداد قوة إذا ما اتحدت مجهوداتنا معاً؟ وإذا ما ازدادت قوتنا سوياً، ألن نصبح أكثر قدرة على صد المخاطر المحدقة بنا والحفاظ على مواردنا الشحيحة وإنمائها؟! من مثل هذا التساؤل، في اللاوعي الجمعي عادةً، ولدت فكرة الدولة وخرجت إلى نور الوجود البشري؛ أو لهذه الغاية البشرية الأساسية قد ابتدع البشر وأنشأوا دولتهم: لكي تقييهم من شرور أنفسهم ومن شرور الطبيعة في آن.

الدولة كلمة عهد، صريحة أو ضمنية، بين الحكام من جهة والمحكومين في المقابل. نحن الأفراد المحكومين سنتنازل لكي أنتِ الدولة عن جانبٍ من استقلاليتنا الذاتية التامة في معيشتنا الانفرادية الخطرة في مقابل أن تَكْفلي لنا التمتع بفوائد العيش السلمي المُقيد والآمن مع شركائنا في الوطن؛ سنتنازل لكي عن جانبٍ من أموالنا وأراضينا وثرواتنا الطبيعية وكنوزنا المتوارثة عن الأجداد في مقابل أن تساعدينا في حفظ وإنماء ما بقي لنا منها كملكية خاصة خالصة مُحرم على الدولة أو أيٍ من كان الاعتداء عليها أو المساس بها بطرق غير مشروعة؛ سنتنازل لكي عن جانبٍ من جُهد أبداننا وسواعدنا ونخاطر من أجلك ونفتديك بأرواحنا ودمائنا ليس حباً أو هياماً فيكِ أنتِ لذاتك، لكن حِرصاً وطَمعاً منا في أن تُرشدينا وتُقودينا إلى سبيل النجاة وحقن الدماء وحفظ العرض واستتباب الأمن والحياة الأفضل.

على خلفية هذا الميثاق الغليظ والفتات الذي يقتطعه الأفراد من رزق يومهم ويستثمرونه في الدولة، انتصبت الأخيرة كمارد عملاق أكثر قوة وثروة وجبروت منهم جميعاً منفردين أو في مجموعات أو شرائح أو طبقات مفردة مهما بلغت من الثراء والنفوذ والعديد والعدة؛ لكنها تبقى لا تزال عاجزة ولا تقدر عليهم أبداً عندما يتحدون كلهم أو أكثريتهم ضدها. إذا غضبت الدولة ارتجفت أوصال الوطن كله من هول قبضتها وقسوة بطشها؛ وإذا رضيت، دب الخير والنماء والرفاء في عروقه. كلمتها قانون نافذ يسري على الكل. إذا كان فيه خير عَمَّ الكل؛ وإذا كان فيه شر أصاب الكل. كأن الدولة ومواطنوها أصبحوا كياناً واحداً والكيان نفسه. إذا ضعفوا ضعفت معهم وبسببهم الدولة؛ وإذا تعافوا تعافت معهم وبهم. ولماذا الدهشة؟! ألم تُصنع الدولة في الأول والأخير من هؤلاء المواطنون البسطاء أنفسهم؟ أليسوا هم أنفسهم الجنود البواسل المؤلف منهم جيشها العرمرم، العناصر الاستخبارية النشطة داخل أجهزتها الأمنية، الموظفين العاملين في بيروقراطيتها، المديرين والمشغلين لمنافعها وبنوكها وشركاتها الكبرى والقابضة، القضاة والمحامين المدافعين عنها والحافظين لقوانينها، الصانعين والمنفذين لسياساتها، الكتاب والفنانين والمشاهير الصادحين بتمجيد مآثرها وإنجازاتها...الخ؟ ماذا سيتبقى من الدولة ومؤسسات الحكم عدا حجارة صماء متراصة إذا ما انشق عنها وتركها هؤلاء البسطاء؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية
- جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25
- شرعية الحكم والأمر الواقع
- من خواص العقل العربي المعاصر- حماس عينة
- اللهُ في السياسة
- هيا بنا نَكْذب
- حقيقة الأجهزة السيادية في الدولة الوطنية
- لماذا نَظْلمُ النساء؟
- لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر
- لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد


المزيد.....




- زفاف -ملكي- لحفيدة شاه إيران الراحل و-شيرين بيوتي- و-أوسي- ي ...
- رواج فيديو لـ-حطام طائرات إسرائيلية- على هامش النزاع مع إيرا ...
- -نستهدف برنامجًا نوويًا يهدد العالم-.. هرتسوغ يبرر الضربة ال ...
- إجلاء واسع للإسرائيليين و-الحيوانات- من بيتح تكفا بعد الهجوم ...
- رئيس النمسا يعترف بعجز بلاده عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- الخارجية الأمريكية والروسية توجهان نصائح لمواطنيهما المتواجد ...
- -سرايا القدس-: أوقعنا قوة إسرائيلية في كمين محكم شمال خان يو ...
- إسرائيل - إيران: في أي اتجاه تسير الحرب وإلى متى؟
- نتانياهو: قتل خامنئي -سيضع حدا للنزاع- وإسرائيل -تغير وجه ال ...
- كيف تتخلصين من -كابوس- البثور العميقة في الوجه؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - محاولة لفهم الدولة