أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر














المزيد.....

لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7904 - 2024 / 3 / 2 - 15:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بداية، دعونا نتفق على أن أغلى ما في الحياة هي الحياة ذاتها. نحن حتى من قبل تَشكُل الوعي، ومن دون وعي، وبكامل وعينا نقاوم بكل قوانا الخطر على حياتنا، من أول حتى آخر يوم لنا فيها. ولا نستسلم أبداً إلى أن يَقهرُنا الموت رغماً عنا، حين ينتزع منا روحنا التي ظللنا نحميها وندافع عنها بضراوة المفترسات طوال حياتنا. وفي ذلك، نحن البشر لسنا وحدنا. إذ تُشاركنا في حب الحياة والتشبث بها والسعي إلى ديمومة البقاء فيها بكل قواها الممكنة كافة الكائنات الحية بلا استثناء، من الديناصورات والأفيال إلى الجرذان والديدان والفيروسات المجهرية. ليس ذلك فحسب، بل حتى الكون المادي بأسره من حجر وشجر وكواكب ونجوم وذرات وجزيئات ربما يشاركنا أيضاً الغريزة الوجودية ذاتها ونراه، مثلنا، يُقاوم ويأبى الفناء، أو هكذا نظنه على الأقل. فإذا كانت النفس هي أعز ما نَملك في هذه الحياة، ألا يصبح إزهاق النفس هو أكثر ما نكرهه ونخافه؟

إذا كان كذلك، يصبح كل ما من شأنه أن يحفظ الأرواح ويضيف إلى هذه الحياة هو خير؛ وكل ما من شأنه أن يتسبب في إزهاق الأرواح والانتقاص من سِعة الحياة ورفاهيتها شر. عندئذٍ، لا تحمل جوامع فكرية وتنظيمية في حياة البشر من شاكلة الرأسمالية والشيوعية، السلطوية والديمقراطية، الحرية والعبودية، الوثنية والتوحيد، الإيمان والكفر، الله والشيطان أو أي فكرة تنظيمية أخرى قيمة خيرية في حياة البشر والكون إلا بمقدار ما تُضيفه إلى هذه الحياة؛ وفي المقابل، تتحول إلى قيمة شريرة بمقدار ما تنتقصه من سِعة حيواتهم وأرزاقهم وأرواحهم. في قول آخر، تصبح الحياة ورفاهيتها، ليس أي شيء آخر، هي المقياس لأي وكل فكر أو فعل يأتي به البشر، أو يُفرض عليهم من بيئتهم وكونهم الأشمل.

حين تُزلزل الأرض من تحت أقدامنا كما فعلت مؤخراً في تركيا وسوريا والمغرب، وتُزهق آلاف الأرواح البريئة وتهدم بيوتهم وتُخرب مقدرات معيشتهم، أليس في ذلك شر مستطير بحق البشر؟ وحين عصف الإعصار دانيال بالشواطئ الليبية وحصد آلاف الأرواح وأباد من على وجه الأرض قرى وبلدات بأكملها، ألا يُحتسب ذلك شراً. وحين اجتاح وباء كوفيد-19 العالم كله وحصد الملايين الكثيرة من سكانه، أليس في ذلك شر؟ في الحقيقة، تاريخ البشرية مليء بالكوارث الطبيعية من كافة الأنواع، بعضها قد راح ضحيتها أمم وشعوب عن بكرة أبيها. رغم ذلك، إذا ما نظرنا لمثل هذه الكوارث الطبيعية من منظور آخر، منظور كوني من خارج البشري، قد لا نعثر فعلاً على الشر الذي نتصوره فيها. أليس من الجائز أن الطبيعة من خلال هذه الثورات البركانية وحرائق الغابات والزلازل والفيضانات وخلافه مجرد أنها تُعالج اضطراب أو اختلال ما بداخلها لكي تسترد عافيتها وتوازنها الأصلي؟ بتعبير آخر، ألا يُحتمل أن معظم ما تُوقعه بنا الطبيعة مما نَحسبه شرٌ لا يعدو كونه محاولة بريئة وفطرية منها لحفظ بقائها واستمرارية الحياة، ومن ثم استمرارية حياتنا المُعلقة والمرهونة بها بالضرورة؟ كذلك، ألم يكن فيروس كورونا- مثلنا نحن البشر أنفسنا- مجرد يَنْشُد الدفاع عن روحه والتشبث بالحياة، حتى لو من داخل أحشائنا وعلى أنقاض جثثنا؟ أليس هو، مثلنا، كائن حيّ من طبيعته، ومن حقه، أن ينشد سِعة الحياة ويدافع عن بقاءه بكل ما أوتي من قوة؟ هل إذا ما وقع نَفرٌ منا ضحية أحد المفترسات الجائعة يكون شراً، لكن حين نحتفل بذبح الديك الرومي أو الخروف أو أضحية العيد ونتصدق بلحومها على الفقراء يكون خيراً؟!

من ناحية أخرى، في سعينا الدؤوب وراء المزيد من الرفاهية وسعة العيش، نحن نتسبب في مضاعفات ضخمة مثل الاحتباس الحراري وذوبان طبقة الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار القادر على إغراق مدناً كاملة؛ قطع أشجار الغابات وازدياد رقعة التصحر الذي يلتهم سُبل تغذية ومعيشة شعوب وأوطان كاملة؛ ومراكمة القدرات التقنية والنووية بما يكفي لنسف أضعاف الكوكب ذاته وإفناء كافة أشكال الحياة البشرية وغير البشرية في غمضة عين. أليس في هذا الخير البشري المتزايد شراً متصاعداً ضد التوازن الطبيعي، وما يشكله ذلك من تهديد مؤكد حتى على هذا الخير البشري الآني ذاته؟

معنى ذلك أن نفس فعل الخير الكوني قد يكون شراً على البشر؛ ونفس فعل الخير البشري قد يكون شراً على الكون. أو، في قول آخر، لا يوجد خير كامل للكون كله، ولا شر كامل للكون كله أيضاً. بل إن العلاقة بين الخير والشر نسبية ومتبادلة- متكاملة أحياناً ومتضادة في أحيان أخرى- بين عناصر ومكونات هذا الكون الواسع. فما هو خير لنا، هو بالضرورة شر لفيروس الكورونا. وهو ما يوصلنا إلى استنتاج أن ليس هناك- كما نتصور- خير مطلق ولا شر مطلق في هذه الحياة بصورتها الكلية، من منظور فوق/خارج بشري. لكن حين تغيب صفة "المُطلق" عن الوجود، تغيب معها بالضرورة "الوحدانية". عندئذٍ لا يكون الوجود مُرتباً ومُتسقاً ومُوحداً كما نعتقد. إذا صح هذا الاستنتاج، هل لا يزال يصح الاعتقاد أن ثَمَّة واجد- مُسبب أو عِلّة- واحد ومطلق من وراء وجوده واستمراريته؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام
- ديمقراطية دقلو
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش
- صعود الديمقراطية الأُصولية-2
- مُسائَّلة في غايات طوفان الأقصى
- صعود الديمقراطية الأُصولية
- بوتين من اجتثاث النازية إلى محاربة الإمبريالية
- المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف
- تعريف النصر والهزيمة في وعي ثقافة مأزومة
- شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر


المزيد.....




- بلومبرغ: دول مجموعة السبع تبحث تخصيص 50 مليار دولار لأوكراني ...
- كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟
- مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة مت ...
- بعد أن ألمح إلى استعداد فرنسا إرسال قوات إلى كييف.. روسيا تع ...
- وول ستريت جورنال: إسرائيل أمهلت حماس أسبوعاً للموافقة على ات ...
- ماكرون وشولتس -ينسقان مواقفهما- بشأن الصين قبل زيارة شي إلى ...
- بوريل: نهاية الحرب واستسلام أوكرانيا -خلال أسبوعين- حال وقف ...
- زاخاروفا تعلق على تصريح بوريل حول وقف إمدادات الأسلحة إلى كي ...
- مصرع 37 شخصا في أسوأ فيضانات يشهدها جنوب البرازيل منذ 80 عام ...
- قناة -12- العبرية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين: وفقا للتقديرات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر