أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر














المزيد.....

شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7800 - 2023 / 11 / 19 - 01:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما نجأر ونزأر ونحسب أنفسنا بشجاعة الأسود، بينما الأسود لا تصطاد فرائسها من تحت الأرض. نهدد ونتوعد عدونا، ونهاجمه خلسة في ظلام الليل، نقتله ونأسره، بينما نترك له أطفالنا وآبائنا وأهالينا يعبث ويفتك بهم في وضح النهار وعز الظهر، لا يملكون غير بيوت مدمرة ورايات بيض وبطون فارغة وجروح نازفة وجثث متناثرة لا تجد من يدفنها. ولحماقتنا، نناشد وننتظر منه أن يحميهم ويطعمهم ويضمدهم ويواريهم الثرى بدلاً منا. لكن هذه ليست مهمته. العدو يأتي لكي يدمر ويقتل فقط. نحن أيضاً نتباهى بتقتيل وتدمير أعدائنا وترك جثثهم مرمية في الشوارع. العداء شر لا يمكن أن يُرتجى منه خير. وحين يكون الشر مثل الخير وجهان لعملة الحياة، يجب أن نتحمل آلام الأول بشجاعة لكي تواصل الأخيرة مسيرتها المقدسة.

نحن لم نوجد في الحياة سوى لكي نحياها، لأطول عمر ممكن وبكل الوسائل الممكنة- ومن ضمنها القتل. نعم، نحن نقتل، لكن ليس حباً في القتل بحد ذاته، بل حباً في الحياة. ولا يوجد شر أشر من القتل بغرض القتل فقط، لا بغرض الحياة أيضاً. القتل هو الشر المطلق نظرياً ومبدئياً. لكن- عملياً ودنيوياً حيث يسود النسبي ولا مكان للمطلق- لا زال الإنسان يلجأ أحياناً إلى قتل إنسان آخر سواء لكي ينقذ نفسه من القتل، أو أملاً في حياة أطول وأفضل ولو على حساب الأخير.

القتل شر لأن فيه موت، توقف للحياة. وليس هناك أشر من أن تضع بيدك نهاية لحياتك من دون أن يكون في ذلك حياة أكثر وأطول وأفضل لآخرين تحبهم وتضحي من أجلهم. هناك دوماً وأبداً عملية تقدير شعورية أو لا شعورية لحساب الثمن العادل من الموت الذي تشتري به حياة. أحياناً تقع بعض الشعوب والأمم في حسابات خاطئة، وتدفع الثمن من أرواحها ومقومات حياتها ربما إلى حد الهلاك ومفارقة الحياة لتوارى في صفحات التاريخ.

ليست شجاعة حين يداهم العدو وطنك ولا يجد سوى شعبك أعزلاً بينما أنت حامل السلاح مختبئ تحت الأرض. السلاح هو عُملة شراء الحياة، لا الموت. وعندما يعجز السلاح عن شراء حياة أكثر وأطول وأفضل لمن تحملوا ثمنه بدمائهم ورفاهيتهم، يفقد أي قيمة له. بحسبة بسيطة، السلاح أداة قتل بغرض الحياة، لا القتل بحد ذاته. وحين تستخدم سلاحك في قتل عدوك والانتقاص من حياته، لابد أن تضيف في مقابل ذلك حياة أكثر لأبناء وبنات وطنك. لكن ماذا إذا حدث العكس، كلما استخدمت السلاح أكثر، كلما انتقصت من حياة شعبك أكثر؟ أو إذا كنت تقتل عدوك لغرض القتل بحد ذاته، دون أن تضيف أي حياة مكافئة لقومك؟

الشجاعة مواجهة، لأن في المواجهة إقراراً بتحمل مسؤولية القرار مهما كانت التبعات مُذلة ومُهلكة. أصحاب القرار وحملة السلاح لا يتنصلون من قراراتهم أو يختبئون ساعة المواجهة مهما كانت قراراتهم خاطئة وأسلحتهم سيئة. هؤلاء القادة لا يهربون ويتركون شعوبهم تلقى مصيرها تحت رحمة ونيران عدو كان ينبغي أن يكونوا هم أنفسهم من يتقدمون الصف لملاقاته، سواء شاهرين أسلحتهم أو راياتهم البيض. وهو ما قد فعله رجال الحكومة والجيش اليابانيون والألمان في الحرب العالمية الثانية- تقدموا الصفوف منذ بدء الحرب وخلال نشوة الانتصارات وحتى في سكرات ذُل الإقرار بالهزيمة ورفع الراية وتسليم أنفسهم وسلاحهم واستقلال وطنهم- إنقاذاً لأكثر ما يمكن إنقاذه من أرواح من بقوا على قيد الحياة من أبنائهم وبناتهم. في ساعة المواجهة فوق ترابهم، لم يهربوا ليختبئوا تحت الأرض ويتركوا شعوبهم لرحمة عدوهم. لم يجبنوا عن القبول صاغرين بمغبة قراراتهم ويسلموا رقابهم للعدو فداءً لحياة أبنائهم وبناتهم- ولو تحت الاحتلال طالما لا يوجد بديل أفضل لحفظ الحياة. وربما لو لم يفعل قادة اليابان وألمانيا ذلك حينذاك، ربما ما كان هذين الشعبين بين أقوى وأغنى عشرة دول وأكثرها تقدماً في عالم اليوم وكانوا ضاعوا في كتب التاريخ مثل كثيرين غيرهم.

هذا إذا كانت، في منظور المعنيين بها، الحياة بحد ذاتها خير والموت شر. لكن أحياناً تختل الموازين، ويُحتفى بالموت ويُزف الميت بالتكبير والزغاريد. ولا يُحسب كل شهيد نخسره خصماً من حياتنا، بل إضافة إلى رصيدنا في حياة آخرة نحتسبها أفضل وأخلد. نقتل المزيد والمزيد من أعدائنا، ليس بغرض أن نضيف إلى حياتنا هذه، لكن لأننا كلما قتلنا نحن منهم أكثر وقتلوا هم منا أكثر، كلما كان رصيدنا- نحن وحدنا فقط- أكبر وأكبر في الحياة الآخرة- حياة الأموات في قبورهم بعد بَعْثهم إذا بُعِثوا.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟
- هل تَقْدر الولايات المتحدة على ردع روسيا والصين معاً؟
- بِدَعْ الضلال الست المُهلكة في القرون الوسطى
- الست الموبقات في نظر المسيحية القروسطية
- فَلِسْطين، حكاية شعب
- فِلِسْطين
- ماذا بعد الطوفان؟
- هل تنجح إيران في تغيير قواعد اللعبة العربية؟
- 25 يناير، رد الاعتبار
- انتخابات مصر
- حين لا يكون للكلام معنى: مراكز الكلام
- ضبط مفهوم الإمبريالية في الإدراك العربي
- اتفاقات أوسلو، موت بطيء ومأساوي
- وحوش اللفياثان في حياة البشر
- هل تترك السعودية صلاح للمصريين؟
- لماذا خَلاَ سكان السماء من الشياطين؟
- بين تعاليم السماء وقوانين الأرض، بحثاً عن العدالة
- هل من حق روسيا أن تغزو أوكرانيا؟
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (4)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (3)


المزيد.....




- بريطانيا: فرض عقوبات على إسرائيليين متشددين بسبب أعمال عنف ف ...
- السعودية.. وفاة و20 حالة في العناية المركزة بتسمم غذائي بمطع ...
- السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما -مموهة-
- الأردن.. الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما ت ...
- من هو المرشح الرئاسي الذي قد يستحوذ على دعم الشباب في تشاد؟ ...
- المشروب الكحولي الأقل ضررا للكبد
- المشكلات الصحية التي تشير إليها الرغبة الشديدة في تناول الحل ...
- أنطونوف: اتهامات واشنطن بتورط روسيا في هجمات إلكترونية على أ ...
- انجراف التربة نتيجة الأمطار الغزيرة في هايتي يودي بحياة 12 ش ...
- الجزائر تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن المقابر الجم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر