أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار














المزيد.....

لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7902 - 2024 / 2 / 29 - 20:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لأننا كائنات حية ذات خصائص بيولوجية معينة، نحن البشر نستطيع أن نقف على ساقين ثابتتين لكي نجري ونتسابق مع بعضنا البعض. وتُشاركنا في خاصية القدرة على الحركة كافة الكائنات الحية الأخرى، جرياً أو قفزاً أو زحفاً أو تحليقاً في الهواء أو سباحة في الماء. لكن الشمس، رغم جسمها وحركتها الظاهرة، لا تجري. ولا الليلُ يَملك من الأصل جسماً فيزيائياً حتى يمكن وصفه بالقدرة على الإتيان بحركة من أي نوع. نحن، في حقيقة الأمر، حين نتحدث عن مفردات الوجود لا نتحدث عنها على حقيقتها كما هي موجودة بالفعل خارج وجودنا الشخصي. بل نحن نقترب منها من داخل وجودنا ذاته، من نوافذ غرائزنا وحواسنا واحتياجاتنا إليها، كأنها امتداداً لشخوصنا وليست شخوصاً مستقلة وذات كينونة منفصلة عنا. حتى أننا، حين الحديث عنها، نُلبِّسها نفس صفات البشر ونَلُفَّها برموز مفرداتهم اللغوية ذاتها التي يصفون ويخاطبون بها بعضهم بعضاً. وذلك، رغم تناقضه مع الحقيقة الموضوعية، يلبي لنا نحن الإنس حاجة وجودية أساسية- ترويض واستئناس مظاهر الوجود بغرض استغلالها فيما يحقق الفائدة والازدهار للجنس البشري، حتى لو أتى ذلك على حساب تزييف حقيقة الوجود وإفناء أنواعاً عديدة من الموجودات غير البشرية، الحية وغير الحية.

اللهُ لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، ولا حتى يَعْلم. ولا هو يُرسل الرسل، يأمر وينهى، أو يُبشر ويُنذر. بل نحن البشر الذين نفعل كل ذلك. موسى لم يُكلم الله، ولا شق البحر بعصاه. مريم ابنة عمران لم تحمل من نفخة من الروح الإلهية. ومحمد بن عبد الله لم يعرج إلى السماء من بيت المقدس. كل ذلك مثل الشمس التي تَجري والليل الذي يُسابق النهار- أساطير من صنع خيال بشري خصب. منذ آلاف السنين حتى اليوم، لا يزال أبو الهول يرقد باسطاً قدميه كمارد عملاق على مدخل الأهرامات كأنه يتوعد كل من أرادها بسوء. إذا اكترثت ودققت النظر قليلاً، سترى رأساً بشرية فوق جسد أسد. الرسالة: ملوك الفراعنة يتمتعون بقوى خارقة، شبه إلهية. لكن، هل معنى ذلك أن أُمَّ الفرعون قد ضاجعت أسداً حتى تأتينا بهذا المَسخ؟! هذا لم يحدث، ولا يمكن أبداً أن يحدث. إنها أسطورة من صناعة البشر أنفسهم، لخدمة أهداف وغايات بشرية محض. وهي، مثل كثير غيرها عبر الأزمان والأقوام المختلفة، رغم ذيوع الاعتقاد فيها وسط أهاليها لا تمت لحقائق الوجود وسُنَنه بصلة أو مضمون حقيقي.

الأسطورة بِدْعة عظيمة من خلق الإنسان، ملازمة له منذ نشأته البكر على وجه الأرض إلى اليوم. هي ابنة مَلَكة رائعة يتفرد بها البشر على كل ما عداهم من الكائنات الحية- القدرة على الخيال وبناء الصورة الذهنية من رموز مرئية أو مسموعة أو مكتوبة. هي نظرة الإنسان لبيئته وعالمه والكون المرئي وغير المرئي له، ولنفسه والآخرين من نوعه ومن الأنواع الأخرى. هي تفسيره الذاتي لكل ذلك، المبني على مدخلات من حواسه الذاتية، لإشباع وتلبية غرائزه واحتياجاته للبقاء في الوجود. بالتالي، منشأ الأسطورة ومنتهاها- ومعيار صدقيتها الوحيد- هو الإنسان ذاته. ليس من قرائن أو براهين لإثبات صحتها إلا الإنسان ذاته- حواسه وخياله وغرائزه وأمانيه الشخصية. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام الأسطورة لكي تحلق عالياً في سماوات الأماني والأحلام والطموحات البشرية إلى أقصى ما يستطيع الخيال البشري الخصب أن يحملها.

لأن الأسطورة هي من بنات أفكار البشر أنفسهم، وهؤلاء لا تنفك أحوالهم تتبدل وتتغير وتتطور عبر العصور، كان لابد أن تواكبهم أيضاً أساطيرهم كسائر أحوالهم الأخرى. إلى أن حان الوقت الذي تمكنت عنده بدعة بشرية مستحدثة تُدعى "القوانين" العلمية من إلحاق هزيمة نكراء بالأساطير وطردها شر طرده من معاقل هيمنتها وتسلطها باعتبارها النظرة السائدة للوجود الكوني والإنساني، المحتكرة لتفسيرهما الصحيح. وكما فعلت "الأساطير" من قبلها، تنطلق "القوانين" من نفس المنشأ البشري- الحواس- وتنتهي إلى ذات المُنتهى- خدمة الأغراض البشرية؛ لكنها، عكس الأساطير، لا تأخذ صك مصداقيتها، ولا تطلبه، من أهواء البشر أنفسهم، لكن من حقائق الواقع موضع نظرها، من مدى تطابق فرضياتها مع "الحقائق" خارج الإنسان، لا مدى تطابقها مع "أماني" النفس البشرية وتطلعاتها. ومثلما كانت الأساطير بمثابة لبنات البناء الأساسية للأديان عبر الأزمان، أصبحت القوانين خلال العصور الحديثة حجر أساس العلوم التي قد شُيدت فوقها المجتمعات البشرية في كافة أوجهها الحياتية، ومن ضمنها الدينية. بذلك نجح التوجه العلمي من طرد الروح الأسطورية من المجتمع البشري وصولاً إلى موطنها الأصلي ذاته- الدين.

كونك شخصياً تستمتع بالدفيء وتستأنس بالضياء، لا يكفي لكي يصنع من الشمس الجسم الذي أردت وصدقت نفسك أنه هكذا بالفعل. في الحقيقة، الشمس لا تُدفئ ولا تُنير، ولا هي جسم ولا تجري كما خَيَّلت لك حواسك وأمانيك. ولو صادف كونك، بنفس حواسك تلك، في موقع آخر من الشمس داخل الكون الفسيح، لعرفت أنها قد تكون كائن آخر مغاير كليتاً لما تراه وتصدقه من موقعك الحالي، هذا لو كُتبت لك النجاة أصلاً حتى تعرف! وكونك مبصراً، ومن طبيعتك الجسمانية التبادل ما بين اليقظة والنوم، لا يعني أبداً وجود حقيقة كونية مقابلة لطبيعتك تدعي الليل والنهار لا يسبق أحدهما الآخر. إن غرائزنا وحواسنا وأغراضنا ومصالحنا الشخصية كثيراً ما تُضللنا للاعتقاد فيما لا وجود حقيقي له، خاصة عندما تكون هي ذاتها حَكَمنا ومعيارنا الوحيد للحقيقة. عندئذٍ يمكن أن نصدق بكل سهولة وسذاجة- لأننا بطبيعتنا نريد أن نُصدق- أن موسى كليم الله رغم أن الله لا يتكلم؛ وعيسى ابن الله رغم أن الله لا يُنجب؛ ومحمد عرج عبر السماوات رغم أن الإنسان لا يطير- حينذاك على الأقل. كل ذلك لا يمت بصلة لحقائق الواقع المستقلة عنا. أساطير. لكنها كانت ولا تزال تلبي أغراضاً بشرية معينة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام
- ديمقراطية دقلو
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش
- صعود الديمقراطية الأُصولية-2
- مُسائَّلة في غايات طوفان الأقصى
- صعود الديمقراطية الأُصولية
- بوتين من اجتثاث النازية إلى محاربة الإمبريالية
- المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف
- تعريف النصر والهزيمة في وعي ثقافة مأزومة
- شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر
- في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار