أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الخير والشر، بين المطلق والنسبي














المزيد.....

الخير والشر، بين المطلق والنسبي


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7901 - 2024 / 2 / 28 - 00:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الوجود جميل. فيه غذاء وإشباع ونشوة، وعزة ومجد وكبرياء. حياة نستمتع ونستلذ بها، نتشبث بها بكل قوانا وحتى الرمق الأخير. مع ذلك، هي تبقى حياة ناقصة، غير كاملة، فانية وزائلة. الوجود كذلك، مثل حياة البشر، مشوب بالعوار. هو ليس دائماً مغذي وجميل؛ أحياناً موحش ومُهلك بلا أي رحمة.

لو كان مُوجد الوجود- ومن ضمنه الإنسان- كامل لا يشوبه نقصان، خير مطلق، كيف خلق هذا الكامل خليقة يشوبها عوار ونقصان؟ من أين تَسَّرب الشر إلى صنيعة الخير المطلق؟ هل كان العليم المطلق على علم بكونه يخلق خلقاً رغم كل جماله لكنه يبقى معيباً؟ وكيف يَصْدق، منطقياً، أن كاملاً يصنع ناقصاً؟ هل سيبقى عندئذٍ كاملاً، حتى لو كان على علم بذلك وقد فعله متعمداً وعن قصد لا يعلمه إلا هو؟! الكمال انعدام النقص. والخلود انعدام الفناء. ليس في الفعل فقط، إنما في الفعل والإرادة معاً. كيف يصنع الكامل والخالد ما فيه نقص وفناء، أو مجرد يريد له هكذا أن يكون؟! من أين للكامل أن يعرف النقص، أو الخالد أن يعرف الفناء، حتى يريدهما أو يُضَمِّنهما في مخلوقاته؟!

من منظور آخر، الله كامل وخير مطلق، لا تشوبه شائبة نقصان أو شر. ما نحسبه فناء ليس كذلك حقيقة. لأن الله كامل، لابد أن تكون خليقته كاملة مثله؛ ولأنه خالد، لابد أن تكون كذلك مثله خالده. في الحقيقة، ما نراه في الوجود من نقصان، وفينا من الشر، ليس مرده إلى كُنه الوجود، أو كُنهنا نحن أنفسنا. الله لم يصنع نقصان، ولا شر. ما نراه من نقصان وشر في كوننا القائم وحياتنا الراهنة مرده إلى أننا نحسب خطئاً أن هذه الحياة هي الحقيقية. لكنها، في الواقع، ليست كذلك. هي مجرد سيرورة زائلة واختبار وجيز. الوجود والحياة الحقيقية ليست هذه الماثلة الآن، بل هي في الآخرة. هناك، الإنسان خالد وليس كما يرى نفسه الآن فانياً. لذلك، هو في هذه الحياة لا يموت بمعنى ينعدم، بل هي سيرورة وتحول وصولاً إلى الخلود في ملكوت الكمال المطلق- جنة الفردوس الأعلى.

لكن، حتى لو كان كذلك، أن هذا الوجود مجرد صورة أولية، زائلة، متناهية الضآلة من الوجود الحقيقي، السرمدي، المنتظر، يبقى أن هذا الاختبار لابد له من واضع؟ وما يصدق على الوجود الكامل لا يزال يصدق أيضاً على جزء ضئيل منه، من جنسه، بغرض الامتحان. من أين علم العليم المطلق بالنقصان حتى يصنع نسخة تجريبية ناقصة في صورة وجود زائل من الوجود الكامل الذي سنعرفه بعدما ننتقل إلى رحمته؟!

وقد عثر العقل الديني له عن مخرج في قوى حتى لو كانت من صنع يد الله نفسه، إلا أنها قد اختارت بمحض إرادتها أن تعصاه. وهي ذاتها منبت الغواية والشر، ومهالك الطبيعة، في حياة البشر. هي جزء أصيل من هذه الحياة الناقصة التجريبية، لكي يفوز من ينجح في مقاومة غوايتها بالنعيم والخلود الأبدي في الحياة الحقيقية الآخرة. رغم ذلك، يبقي السؤال هو نفسه رغم تبدل موضوعاته: من أين علم العليم المطلق بالنقصان حتى يصنع قوى آثمة بهدف محدد هو امتحان إيمان الإنسان؟

من منظور مقابل، كل ما سبق لغط دون مضمون ذي صلة، متاهة لفظية من منشآت ذهنية وجودها وعلتها الحقيقية في رموز اللغة من دون وجود، أو معنى، حقيقي في العالم الواقع. إذا كان الكامل لا يعرف النقصان، أو هكذا ينبغي له أن يكون، كيف لناقص أن يعرف الكمال حتى يتصوره؟ وحتى لو اقتصر الحديث على الصفات لا الكينونة، أليست صفات الكامل كاملة مثله بالضرورة؟ كيف لناقص ذو صفات ناقصة مثله أن يعلم بصفات الكمال الإلهي لكي يتحدث عنها بأي شكل من الحديث ذو الصلة والمضمون؟

بخلاف ما سبق، الوجود الناقص، ومن ضمنه الإنسان، ليس به مكان للكمال، في المعرفة أو غيرها. ما نعرفه عن كُنه الوجود، ومن ضمنه الإنسان، ليس لأننا نعرف له واجد مطلق في الزمان والمكان. بل ما نعرفه من الوجود هو ما يوجد منه فقط في وعينا به من خلال حواسنا في معرفة متراكمة بالخبرة المتوارثة عبر ملايين السنين. بتعبير آخر، من دون هذه الحواس وما قد راكمته فينا من ذخيرة معرفية واعية، ما كان الوجود موجوداً لنا كما نعتقده الآن، أو كما نتخيله قبل ملايين السنين، أو كما قد نتمناه في جنة الخلد بعد مليارات السنين. وهل يعني ذلك أن الوجود لا يعدو سوى أن يكون ظاهرة ذهنية، في وعي الإنسان، من دون وجود محسوس، مادي، وموضوعي بمعزل عنا، قائم بذاته حتى من قبل هبوطنا إليه وبعد زوالنا منه؟

حتى لو كان الوجود، بما فيه الإنسان، له واجد، وكان هذا الوجود موجود فعلياً بمعزل واستقلالية تامة عن وجودنا فيه من عدمه، يبقى أن أي معرفة بشرية به لا تزال مشروطة بالكينونة البشرية الآنية في هذا الوجود المشوب بالنقصان والزوال. في قول أخير، في هذا العالم أو أي عالم آخر يمكن أن يصل إليه خيال الإنسان، يستحيل أن يوجد مكان للمطلق- خير أو شر، آلهة أو شياطين. بل ستظل العلاقة دائماً وأبداً شرطية وعلائقية بين كينونتين ناقصتين- الكون والإنسان- حيث يستحيل تصور وجود أي منهما من دون وجود الآخر. لا يوجد وجود من دون إنسان، ولا يوجد إنسان من دون وجود.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام
- ديمقراطية دقلو
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش
- صعود الديمقراطية الأُصولية-2
- مُسائَّلة في غايات طوفان الأقصى
- صعود الديمقراطية الأُصولية
- بوتين من اجتثاث النازية إلى محاربة الإمبريالية
- المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف
- تعريف النصر والهزيمة في وعي ثقافة مأزومة
- شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر
- في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟
- هل تَقْدر الولايات المتحدة على ردع روسيا والصين معاً؟


المزيد.....




- -حماس- تصدر بيانا بشأن تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار
- بعد مرور عام.. المئات يحيون ذكرى ضحايا أول حادث إطلاق نار في ...
- أمريكا تُقر بقتل مدني عن طريق الخطأ في غارة جوية بسوريا بدلا ...
- ما تأثير حرب إسرائيل وحماس على الأردن؟
- البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني -الأسبوع المقبل-
- زعيم حركة 5 نجوم الإيطالية: ماكرون ارتكب خطأ فادحا بدعوته لإ ...
- بوريل يعلن أن الولايات المتحدة فقدت مكانتها المهيمنة في العا ...
- -حماس- تعلن توجه وفدها للقاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى صفقة ...
- -حزب الله-: ضغط بايدن على إسرائيل نفاق ومحاولة لتلميع صورته ...
- ردا على وزير الآثار الأسبق.. أستاذ فقه بجامعة الأزهر يؤكد وج ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الخير والشر، بين المطلق والنسبي