أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هيا بنا نَكْذب














المزيد.....

هيا بنا نَكْذب


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7973 - 2024 / 5 / 10 - 18:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ عدة عقود وعدنا المنقلبون الثوريون بتحريرنا من المستعمرين، تحديث مجتمعاتنا التقليدية، تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتفجير ثورة تصنيعية عملاقة تُغنينا عن منتجات الإمبرياليين عبر استغلال موادنا الأولية وثرواتنا الطبيعية المنهوبة بأبخس الأسعار. كان من أثمان هذا الوعد التحديثي التحريري الجارف والعميق أن يصمت أي صوت أو وعد آخر يزعق في نقد أو مراجعة أو دحض أو دعوة إلى وجهة مغايرة. حتى ننتصر في معركة التحرر من ربقة الاستعمار الأجنبي ويصبح قرارنا الوطني بأيدينا، ونُحَدِّث مجتمعاتنا التقليدية المتخلفة إلى مصاف سائر الدول الوطنية الحديثة حول العالم، لا مجال لكلام أو حديث أو لغط أو حراك في اتجاه حرية الأفراد والمجتمع المدني والتعددية السياسية. كل ذلك فرعيات يمكن تأجيلها لحين معالجة الأصول. وإذا ما وجبت التضحية لا محالة بالنظر إلى الظروف القائمة، فالجماعة مُقدمة دائماً على الفرد، الذي يصبح حرياً به التضحية حتى بروحه لإنقاذ ورفعة جماعته.

في الحقيقة، قبلت المجتمعات العربية آنذاك عن بكرة أبيها بالصفقة الموعودة، وجابوا صحف ومنشورات وشوارع الأقطار العربية زاعقين، مؤيدين، مكبرين، مهللين ومصفقين وراقصين تأييداً للوعود الكبرى والناعقين باسمها. لا مانع من تأجيل الحرية والتعددية والاختلاف فيما بيننا إلى حين تحقق السيادة والحداثة الوطنية. وامتلأت صدور المواطنين إلى حد الانفجار بأحلام وردية لمستقبل أفضل، لم يجبنوا عن أن يدوسوا في سبيله كل ما قد يفتن عزيمتهم أو يزعزع إيمانهم- حتى لو وصل الأمر إلى التضحية-مؤقتاً- بكرامتهم البشرية كرجال ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

سنة بعد السنة، خطة بعد الخطة، ووعد بعد الآخر ونحن نتقهقر إلى الوراء- تحديداً إلى حقبة ما قبل الاستعمار! على مقاييس التنمية الاقتصادية وصل الحال اليوم بالدول العربية بعد الاستقلال إلى أسوأ مما كانت عليه تحت الاستعمار، لتقترب من أوضاعها المحلية المزرية قبل أن يهبط عليها المستعمرون الغربيون بوسائلهم ومناهجهم ونظرياتهم العلمية الحديثة. تحت الاستعمار، كان هناك شيء من الزراعة والصناعة والتحديث في وسائل ومنهجيات التنظيم والعمل والإنتاج؛ اليوم، بعد الاستقلال، لم يتبقى من ذلك شيئاً يُذكر. بل عدنا إلى اقتصاد الريع ومداخيل بيع المواد الخام والمنح والامتيازات للشركات الغربية والعالمية. لم يتحقق لا الاكتفاء الذاتي الغذائي، ولا الثورة التصنيعية الوطنية؛ بل أصبحنا لا نُنتج ولا نُصنِّع أي شيء ونستورد كل شيء تقريباً! ولأننا هكذا أصبحنا عالة على مجهودات الآخرين، المستعمرين السابقين أنفسهم، هل يصدق أحد أننا قد تحررنا منهم حقاً؟ لم نعد نستطيع مواصلة الحياة من دون مساعداتهم وإعاناتهم لنا في كل شيء، من لقمة العيش والدواء وصولاً إلى الحماية الأمنية والأسلحة التي ندافع بها عن أوطاننا!

لقد وعدتنا أنظمتنا الثورية بتحريرنا من الاستعمار الأوروبي، لكنها في الواقع ابتلتنا اليوم ليس بالأوربيين فقط، بل زادت عليهم الإيرانيين والأتراك والروس والأمريكيين والصينيين؛ أصبحنا مستعمرين من العالم بأسره! وقد ورثت أنظمتنا الوطنية من المستعمرين الحكم على دول مركزية شبه مستقرة وموحدة؛ اليوم معظم هذه الدول، بعد عقود من الاستقلال والسيادة الوطنية، عادت أدراجها إلى نفس أوضاعها المحلية المزرية قبل أن يستعمرها الغربيون ويرسمون لها حدودها الإقليمية- مقاطعات مشرذمة غارقة في التخلف المادي والمعنوي، تعيش على شفا المجاعة، وتُمَجِّد احتراب عرقي ومذهبي بلا غاية منطقية أو عاقبة محمودة. كيف وصلنا إلى هذا المصير؟ ومن أوصلنا؟

هل كَذَب علينا ثوارنا؟ أم الموضوع أكبر؟ وفق المؤشرات العالمية، أقطارنا تتذيل القوائم الدولية في كل شيء تقريباً عدا واحد فقط تتصدرها فيه- القمع. أنظمتنا تأتي في قائمة الأعلى قوة وتسليحاً وقمعاً نسبة إلى تعداد مواطنيها ومقدرات أوطانها. من أين تراكمت لديها كل هذه القوة غير المتناسبة بينما كانت الشعوب تزداد فقراً وهشاشة سنة بعد السنة وخطة بعد الخطة؟ هل كذبوا علينا حين وعدونا بالتحرر والتنمية والتحديث والقوة، بينما هم في الحقيقة لا يقوون سوى أنفسهم فقط على حساب ضعفنا ومقدراتنا وهواننا وكرامتنا؟ حين عقدوا معنا الصفقة صدقناهم وفرحنا وهتفنا عالياً لهم. ملئنا الشوارع والأثير والكتب بالمديح والثناء لهم. وحين تعلق الأمر بمظالمنا وأوجاعنا وكرامتنا وأحلامنا الفردية الشخصية، وضعنا ألسنتنا في أفواهنا لكي نقيهم شر النقد والفتنة، ولا نُشتت الجهود عن تحقيق الوعد الأعظم.

لكن، في النهاية، لم يتحقق شيء. ما تحقق فعلاً كان لمصلحتهم، هم وحدهم فقط؛ هم زادت قوتهم بشكل لا متناسب، ونحن زاد ضعفنا بشكل لا متناسب أيضاً. انتهى بنا الحال بأنظمة بالغة القوة والتوحش والتنكيل على مجتمعات شديدة الفقر والهوان وقلة الحيلة والتخلف. هل نلومهم على كذبهم علينا والعمل لما يخدم مصالحهم؟ أم نلوم أنفسنا على سذاجتنا في تصديق وعودهم وتسليم إرادتنا وكرامتنا لهم من دون قيد أو شرط؟! لماذا لم نرد على وعودهم بوعود مغايرة من عندنا؛ وعلى كذبهم بكذب أكبر من طرفنا؟! لو كنا فعلنا، وثبت خطئنا، حتى لو خسرنا معركة التحرر والتنمية الاقتصادية اليوم كنا حافظنا على حريتنا وكرامتنا وقدرتنا على الفعل والتصحيح والمراجعة، التي بواسطتها نستطيع معاودة الكرة من جديد حتى ننجح. نحن كرجال ونساء أحرار قد نخسر معركة، لكننا نبقى قادرين على التجهيز لأخرى. بينما إذا خسرنا أنفسنا، ضاع منا كل شيء. لماذا فرطنا في شرفنا وكرامتنا وتركنا لهم الوطن مطية بلا صاحب يكذبون ويفعلون فيه ما يشاؤون؟



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة الأجهزة السيادية في الدولة الوطنية
- لماذا نَظْلمُ النساء؟
- لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر
- لا الشمسُ تَجري...ولا الليلُ يُسابق النهار
- الخير والشر، بين المطلق والنسبي
- نظرية العقد الاجتماعي 2
- نظرية العقد الاجتماعي
- إشكالية الشريعة والاجتهاد
- ماذا كَسَبَت العراق بعد صدام
- ديمقراطية دقلو
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش
- صعود الديمقراطية الأُصولية-2
- مُسائَّلة في غايات طوفان الأقصى
- صعود الديمقراطية الأُصولية
- بوتين من اجتثاث النازية إلى محاربة الإمبريالية


المزيد.....




- سلمان رشدي مؤلف -آيات شيطانية- يحذر من -قيام دولة فلسطينية ت ...
- إبراهيم رئيسي: مشاعر متباينة بين الإيرانيين، تعليقات تشيد با ...
- شاهد: -تحلاية فرحاً بمقتل طاغية إيران-.. أهالي إدلب يوزعون ا ...
- هكذا رد نتنياهو وحلفاؤه على تحرك مدعي الجنائية الدولية ضده
- ألمانيا لا تتوقع تغيرا في السياسة الإيرانية بعد مصرع رئيسي
- لبنان تنكس الأعلام وتعلن الحداد لمدة 3 أيام على مصرع الرئيس ...
- الجيش الإسرائيلي: نواصل القتال في عدة مناطق بغزة ودمرنا بنى ...
- الملك سلمان وولي عهده يعزيان إيران
- نيبينزيا يؤكد إمكانية حل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسي ...
- حزب الله يستهدف مقر قيادة -الفرقة 91- في ثكنة بيرانيت الإسرا ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هيا بنا نَكْذب