أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ما هي حقيقة الدولة؟














المزيد.....

ما هي حقيقة الدولة؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 14:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شيء. الدولة لا شيء بمعنى الكلمة. هي لا تملك وجوداً حقيقياً ملموساً، لكن وجودها- إذا وجدت أصلاً- يكون مرهوناً بوجود أشياء أخرى تتمتع بهذا الوجود الحقيقي الملموس. للتوضيح أكثر، أنا، المدعو عبد المجيد، شيء حقيقي له وجود، لأنك تستطيع العثور على مكاني والنظر إليّ بعينيك والإشارة إليّ بيدك وتقول: "هذا هو عبد المجيد الذي أقصده". لكنك حتماً تخطئ حين تُساوي بين هذا الشيء الحقيقي الموجود فعلاً، أنا كشخص طبيعي، وبين اللفظة اللغوية "عبد المجيد"، التي ليست أكثر من ضجيج صوتي جرت العادة اللغوية على ربطه بشيء ما حقيقي صادف في هذا المثال أن يكون أنا أو شخص آخر يحمل الاسم نفسه، بحيث كلما ذُكرت هذه اللفظة خطر ببالك الشيء الذي تشير إليه. وقس على ذلك الحال كافة الأشياء الموجودة في الكون الطبيعي واتفقنا على تخصيص أسماء محددة لها، من حيوان ونبات وجماد؛ لكن هذه الأشياء كانت وستبقى موجودة كما هي على حالتها الطبيعية دون زيادة أو نقصان من قبل ومن دون المسميات التي نُطلقها عليها بحسب العرف اللغوي. الدولة غير ذلك كله، لأنها من جنس آخر ليس له على الاطلاق أي وجود حقيقي ملموس داخل الكون الطبيعي كما نعرفه حتى تهتدي إلى مكانه وتنظر إليه بعينيك وتشير إليه بإصبعك وتقول: "هذا هو الدولة التي أقصد".

كيف تقول هذا يا رجل؟! هل جُننت؟! وهل يوجد شيء أكبر وأثقل على حياتنا من وجود الدولة، الدولة التي تَحسب علينا كلماتنا ودراهمنا وأعينها علينا في كل مكان؟! ألم تسمع عن جهاز أمن الدولة؟! ألم تدخل سجون ومعتقلات الدولة يوماً؟! وماذا عن الرئاسة والبرلمان والحكومة والعلم والنشيد الوطني والجيش والشرطة والموازنة العامة والتعليم والصحة وحتى رغيف العيش المدعوم الذي نَسُد به جوعنا؟ أليس كل هذا من فعل الدولة؟! كيف، بالله عليك، تقول أن وجودها ليس حقيقياً ولا ملموساً في حياتنا؟!

أنا قلت ليس لها وجود حقيقي ملموس "في الكون" الطبيعي كما نعرفه ولم أقل ليس لها وجود حقيقي ملموس "في حياتنا" كما نعيشها. بالطبع كل ما قلته أنت صحيح، لكنه لا يزال لا يُضفي على الدولة وجوداً حقيقياً وملموساً كالذي تحظى به سائر مفردات الكون من حولنا ونحن من ضمنها. الدولة بمقياس الوجود الكوني عدم، لا شيء، لا وجود طبيعي له على الإطلاق. أغلبنا مؤمن بكون الوجود كله من خلق الله. لكن، هل وجدت أحداً على الإطلاق، مهما بلغ به الإيمان بنظرية الخلق الإلهي للكون، ادعى أبداً أن الدولة كانت إحدى مخلوقات الله؟ في الوقت نفسه، يجب أن تعي أن انعدام الوجود الطبيعي لا يعني البتة انعدام الوجود بشكل آخر أو انعدام الأثر في حياة البشر، لأن الوجود قد يأخذ صوراً أخرى غير طبيعية. الله نفسه لا يملك وجوداً طبيعياً في دنيا البشر، لكن انظر إلى أي حد قد يصل حضوره وتأثيره فيهم!

خذ، مثلاً، جهاز أمن الدولة الذي تخيلته أنت كشخص طبيعي عملاق ومخيف. بالطبع يمكنك أن تذهب إلى حيث يقع مقره الرئيسي وتنظر بعينيك وتشير بإصبعك لهذا المقر وتقول: "هذا هو جهاز أمن الدولة الذي أقصده". لكنك، بذلك، تكون قد وقعت دون أن تدري في خطأ فادح حقاً. إن ما تشير إليه هو في الحقيقة مبنى تم تشييده من مواد خام طبيعية، يشغله ويديره أشخاص طبيعيون، ويستعملون في سبيل ذلك أدوات وآلات ومعدات وأجهزة صنعوها بأيديهم من مواد خام طبيعية. فإذا ما ضغطت عليك أكثر وألحيت في السؤال: أين يوجد ما تُسميه أنت ’جهاز أمن الدولة‘ من كل هؤلاء؟ بالتأكيد ستجد نفسك عاجز عن الرد، لأنه بخلاف هذا المبنى وهؤلاء الأشخاص والأجهزة لا يوجد شيء آخر البتة. لكنك، إذا أمعنت النظر قليلاً، قد تجد الجواب سهلاً.

ماذا لو أحضرت لك الآن خريطة للعالم، وأشرت لك بإصبعي إلى حيث تقع مصر بحدودها الواضحة والمعلومة والمعترف بها دولياً؟ أليست هذه هي مصر، ولو بصورة رمزية مصغرة بالنظر إلى ضخامة جسمها الفعلي بحيث يستحيل على الإنسان الطبيعي الوقوف أمامها في الواقع والإشارة إليها بإصبعه كما تريد لكي يخبرك: "هذه هي مصر التي أقصد"؟

لا، للأسف، هذا الذي تشير إليه هو مجرد رسم على قطعة من الورق، لا أكثر. ومن ناحية الرمز، هو بالفعل يرمز إلى أشياء كثيرة وليس إلى تلك الهوية الجامعة الواحدة التي تسميها "مصر". هو يشير إلى قطعة صغيرة من كوكب الأرض بالتحديد بكل ما فوقها وما في باطنها من كائنات وموجودات ومقدرات، التي هي في الحقيقة كثيرة ومتنوعة بلا حصر أو نهاية. الشيء المؤكد هو عدم وجود شيء على الإطلاق من بين كل هذه الأشياء الطبيعية يمكن إفراده تحديداً والقول "هذا هو مصر". لا، لم ولا ولن يوجد مثل هذا الشيء أبداً مهما تعبت نفسك في البحث والتحري. ذلك لأن مصر، مثل الله وأشياء أخرى كثيرة من نفس الجنس، تعبر عن موجودات ذات وجود حقيقي فعلاً، لكن في عقل الإنسان فقط وليس في الطبيعة. لذلك، مهما فتشت عنها بداخل هذه الأخيرة لن تجدها هناك، لأن وجودها الحقيقي والفعلي هو في دماغ الإنسان حصراً. هكذا نحن نغادر الآن عالم الطبيعة متجهين إلى عالم آخر مختلف جوهرياً- عالم الاعتقاد. وهذه قصة أخرى.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كانت 30 يونيو ثورة؟
- هل كانت 25 يناير ثورة؟
- الثورة بين الحقيقة والمجاز
- هل كانت 23 يوليو ثورة؟
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)


المزيد.....




- كاتبة سورية درزية لـCNN عن إسرائيل: إذا أردتم حماية الدروز أ ...
- -فساد ينخر في جسد بلدي-.. رغد صدام حسين تعلق على احتراق المر ...
- سلطنة عُمان: القبض على إيرانيين والشرطة تكشف ما فعلاه
- بحضور ماكرون.. السلوفيني تادي بوغتشار ينتزع الصدارة في -تور ...
- ترامب يصدر أوامر بنشر وثائق قضية إبستين بعد ضغط شعبي متزايد ...
- غزة: عائلات تشيّع قتلاها وأخرى تواصل البحث عن مفقوديها تحت ا ...
- هجمات إسرائيل على سوريا: مآرب معلنة وأخرى خفية!
- محللون: رسائل أبو عبيدة بعد 4 أشهر من استئناف الحرب موجهة لك ...
- ترامب والرسائل الخاطئة لأفريقيا
- عاجل | الجيش الإسرائيلي: رصدنا إطلاق صاروخ من اليمن


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ما هي حقيقة الدولة؟