أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الثورة بين الحقيقة والمجاز














المزيد.....

الثورة بين الحقيقة والمجاز


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أن محمد علي باشا ذو الأصول الألبانية هو صاحب أكبر مشروع نهضوي نقل مصر من إمارة تقليدية عفى عليها الزمن إلى دولة حديثة مكتملة الأركان. كانت دولة محمد علي مختلفة جذرياً عن سابقتها المملوكية، وربما عن كافة أسلافها وصولاً إلى الدولة الفرعونية. حين أمسك الباشا بعجينة الدولة المصرية المتيبسة آنذاك، عرف كيف يبعث فيها الحياة من جديد وصنع منها شيئاً آخر مختلف بالكلية عما كان. لذلك، ورغم العداء السافر بين 23 يوليو 1952 والأسرة العلوية، لم تستطع الأولى أبداً إنكار فضل الباشا الألباني في خلق وتوطيد دولة مصر الحديثة. إذا كانت الثورة تُقاس بمدى ما تُحدثه من تحولات جذرية في بنية الدولة والمجتمع، وفي أفكار الناس ونظرتهم لأنفسهم والعالم، الذي تحقق في عهد الباشا، هل يمكن وصف الباشا بالزعيم الثوري؟ إن ما أنجزه الباشا لا يقل بأي حال من الأحوال عما تنجزه أعظم الثورات. رغم ذلك، هل يمكن وصف الباشا، الذي أحدث ثورة شاملة امتدت تداعياتها لأبعد من القطر المصري، كزعيم ثوري نقل مصر من عهد إلى آخر مختلف تماماً، مثلما نفعل مع زعيم العهد الجمهوري جمال عبد الناصر؟

لا، لا يجوز. لأن الباشا الألباني مثل جمال عبد الناصر لم يكن أي منهما زعيماً ثورياً. صحيح، كان كليهما صاحب رؤية مغايرة للأوضاع السائدة ومشروع طموح إلى حد الحلم بإعادة خلق عالمهما الصغير، دولتهما، إلى شيء جديد بالكلية، أحدث وأقوى وأجمل. مع ذلك، هل مجرد توفر الرؤى والمشاريع والزعماء الملهمين من ذوي العزم يستوفى شروط الثورة؟ أي "ثورة" نقصد؟ ماذا تعني الثورة في الحقيقة؟

من خصائص الثورة:
1- الثورة لا تُفرض من فوق، بل تنبت وتتمدد وتستفحل من وفي تربة المظالم بالأسفل. في غياب ذلك، وبصرف النظر عن كل التحولات الجذرية الحقيقية، تكون ثورة مصطنعة، مفروضة من علٍ، في أحسن الأحوال مشروع تحديثي شامل وطموح.

2- الثورة نار تحرق. من جحيم الممارسات التي تفرزها المؤسسات القائمة، تتولد في قلوب المكتوين بها طاقة كراهية وثأر لا تنفد إلا باستئصال تلك المؤسسات بالذات المنتجة لهذه الممارسات الظالمة. عندئذٍ، بعد التهام المؤسسات ذاتها التي اشتعلت للثأر منها، تنطفئ النار الثورية وتأكل نفسها بعدما لا تجد ما تأكله. الثورة نار تقوم لتحرق؛ وبعدما تقضي على أعدائها، تحرق نفسها وتنطفئ. هنا تنتهي الثورة؛ وما سينبت فيما بعد من ترابها قد يكون أي شيء آخر إلا أن يكون ثورة أو ثورياً.

3- الثورة ماض ومستقبل بلا حاضر. الثورة تحشد مظالم الماضي لتبني منها مستقبل مشرق وحالم. لكن يبقى الحاضر يسد عليها الطريق. لذلك، إذا كان لها أن تبلغ المستقبل، لابد أن تزيح الحاضر. من هذه الناحية، تكون الثورة أشد جموحاً وتطرفاً من الدين، الذي يبخس من الحاضر حقه وقيمته الحقيقية لكن لا يقضي عليه بالكامل لصالح مستقبل واعد في الفردوس الأعلى. الأديان لا تحض أتباعها على الانتحار للتعجيل بالجنة.

4- الثورة تُطهر الأرض بحرق ما عليها تمهيداً لميلاد جديد هي ذاتها- لأنها تُنكر الحاضر- لا تعرفه على وجه التحديد. هذا المولود الجديد قد يكون أي شيء إلا أن يكون ثورة أو ثورياً بأي حال من الأحوال. الثورة تزول بزوال المؤسسات التي قامت الثورة للثأر منها. وبالتأكيد، ستنشأ مؤسسات جديدة محل الزائلة. لكن هذه المؤسسات الجديدة، التي قامت من رماد الثورة والمؤسسات البائدة معاً، لن تكون أبداً امتداداً للثورة، ولا إحياءً لذات المؤسسات المنكوبة، بل خلق جديد يجمع بين هذا وذاك.

في أوج المد الثوري العربي منتصف القرن الفائت، كان يطيب للمفكرين العرب إلباس كل حدث مهما كان عظيماً أو تافهاً حُلة الثورة. هكذا بلغ بهم الجموح الثوري إلى حد تثوير النبوة المحمدية ذاتها. ألم يُحدث محمد بن عبد الله تغييرات جذرية في واقع جزيرة العرب بحيث نقلها من عهد إلى آخر مغاير كليتاً، من الجاهلية إلى الإسلام؟ أليس في ذلك ثورة حقيقية وشاملة؟ لكن، من جهة أخرى، قبائل العرب لم تكن أبداً في ذلك الوقت ساخطة على الممارسات التي أفرزتها مؤسساتها القائمة. العكس تماماً. كانت متمسكة أشد التمسك بعاداتها وتقاليدها وأوثانها، لدرجة اضطهاد ومحاربة النبي ذاته من أجل مواصلة حياتهم كما ورثوها عن آبائهم ولم يُثنيهم النبي عن ذلك إلا بحد السيف، بعد فتح مكة. إذا كان الحال كذلك، هل نكون أمام ثورة عربية ضد مؤسسات قائمة أم مشروع خاص بمحمد ذاته نجح في فرضه بالقوة على الجميع، تماماً مثلما فعل الباشا وعبد الناصر بعده بزمن طويل؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كانت 23 يوليو ثورة؟
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)


المزيد.....




- -حماية- الدروز وإلى أي مدى ستذهب إسرائيل ضد نظام أحمد الشرع؟ ...
- سوريا.. رد رئاسي بعد مشاهد صادمة في السويداء ومناشدة حكمت ال ...
- لماذا تعتبر إسرائيل قوات النظام السوري في السويداء تهديدا له ...
- رغم إصابته في انفجار بغزة، عبد الرحمن يصطاد ليساعد أهله
- طوابير الجوعى والموت اختناقا: مقتل 21 فلسطينيا أغلبهم إثر اس ...
- البرلمان الإيراني: لا استئناف للمفاوضات النووية مع واشنطن قب ...
- ميلانيا ترامب..كلمة السر في تغيير موقف ترامب من بوتين؟
- رئيس الوزراء الفرنسي يقترح إلغاء عطلتين رسميتين.. ما ردود فع ...
- روسيا تطلق مئات المسيرات على أوكرانيا وترامب يرسل باتريوت إل ...
- جدل وانتقادات دولية بشأن ما يسمى -مخطط المدينة الإنسانية جنو ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الثورة بين الحقيقة والمجاز