أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية















المزيد.....

الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 01:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ازعق واملأ الدنيا صراخاً وصخباً، من أبواق الميكروفونات عبر الأثير وفي الميادين؛ انتزع الآهات والصيحات من قلوب وحناجر جماهير محرومة ومتعطشة ومتحمسة؛ انتفخ وتلذذ بنشوة من ظن أن الدنيا قد دانت له وارتمت تحت قدميه. كل ذلك قد يدوم ويغذي فيك أكثر وهمك وغرورك إلى حين. لكن حين تأتي الساعة، ستؤلمك حقائق واقع لم تتحسن بقدر ما زادت سوءاً. ستضطر إلى طرح السؤال على نفسك: هل تكفي كلمات الخُطب لتغيير الوقائع؟ كنت مجرد بهلوان يلعب بالعواطف، يؤججها، وهي لعبة سهلة. لكن عندما حانت ساعة الجد والعمل، حين لا تُغني الآهات والصيحات بعد، بانت حقيقتك. أنت مجرد بالونة منفوخة بزفير كلمات حنجرية لا أكثر.

تتشابه نظم الحكم الثورية مع الديمقراطية في الطبيعة الشعبوية لكليهما. هما بحاجة دائمة إلى تحشيد الجماهير الغفيرة خلف شعاراتهما وبرامجهما، الثورية والديمقراطية على حد سواء. لكن يبقى هناك اختلاف جوهري بين النظامين. في الديمقراطية، لعبة التنافس في سوق التحشيد الجماهيري تقوم على قواعد مفتوحة وشفافة وعادلة. لا يُسمح لأحد مهما كان باحتكار الميكروفون، عبر الأثير أو في الميادين، الذي تمارسه بالضرورة الأنظمة الثورية. هذه الأخيرة لها أعداء تحاربهم من داخل الساحة السياسية حتى من قبل الوصول إلى سدة الحكم. وبمجرد أن تصل، لا يُعقل بعد أن تسمح لهؤلاء الذين كانت تحاربهم بالوصول إلى أي ميكروفونات أو ساحات مهما كانت تافهة وعديمة الأثر. لذلك تكون أنظمة الحكم الثورية، بطبيعتها، استبدادية لأنها تُزيح بالقوة أعدائها السياسيين، ثم فيما بعد تحول بينهم وبين قدرة الوصول إلى الجماهير. وثمة اختلاف جوهري آخر. إن التنافس الحر والشفاف والعادل على اجتذاب عواطف وتأييد الجماهير، الذي يجري في الأنظمة الديمقراطية، يؤدي إلى تمثيل فكري صحي ومفيد لبرامج ووجهات نظر متباينة، الذي يقي الجسم السياسي من التعرض لداء الانتفاخ بالتصورات الذهنية، سواء صحيحة أو خاطئة، إلى حد التيه في الأحلام الوردية وتشتيت الانتباه بعيداً عن العمل الحقيقي على أرض الواقع.

خلال العصر الحديث، ما من نظام ثوري استطاع أن يُحسن من واقع جماهيره إلى الأفضل أبداً. لكن، لأنه يحتكر الميكروفونات والساحات، حلق بعواطفهم وأحلامهم لآفاق لم يسبقه إليها أحد. في النهاية، لا تكفي العواطف والأحلام وحدهما لمليء بطون جائعة، ولا شفاء أجساد عليلة، ولا تعليم وصقل عقول جاهلة. هكذا، في الاتحاد السوفيتي، فرضت حقائق الأمر الواقع انتصارها الساحق على أحلام عريضة هائمة دونما أساس عملي راسخ. من دون حتى رصاصة واحدة، رفع النظام الراية البيضاء واستسلم من تلقاء نفسه دون قيد أو شرط. ساعتها نهض بحكم الضرورة، من داخل النظام ذاته، سادات سوفيتي بلباس ميخائيل جورباتشوف ثم بوريس يلسن، ليقود ثورة تصحيح تُنقذ الوطن من مآلات الثورة الأم. ومثل السادات، لم يسلم أي منهما- بجريرة الانقلاب على الثورة- من وصمة الخيانة والعمالة إلى اليوم، حين يحاول الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، محو هذا العار من سجل التاريخ الروسي. مع ذلك، ورغم خيانة السادات المؤكدة للثورة الأم، يبقى أنه هو الذي استرد تراب الوطن من الإسرائيليين واستقلاله من السوفييت. لذلك كان ينبغي أن يكون السؤال: لماذا وجد السادات هكذا نفسه، مثل جورباتشوف ويلسن من بعده، في موقف لا يُحسد عليه، حين تحتم عليه أن يختار بين إما الثورة أو الوطن؟!

حين نفد الوقت من الجعجعة الثورية ودقت طبول الحرب، نسف العدو في بضع ساعات كل الدفاعات الجوية المصرية واحتل ثلث مساحة مصر. انكشفت مصر بالكامل للطائرات الحربية الإسرائيلية لتعبث فيها من أي ناحية تشاء. وكأن الهزيمة المنكرة والانكشاف الكامل وضياع ثلث التراب الوطني ليس عقاباً منصفاً للخيلاء الثورية، حين اضطرت مصر لكي تدافع عما بقي منها إلى التفريط في استقلاليتها وسيادتها الوطنية باستدعاء منظومة دفاع جوي وطيارين روس بطائراتهم. هكذا أصبحت الثورة التي تدعي شرف تحرير الوطن من الاستعمار قد استبدلت المستعمر القديم بآخر جديد، من جهة الشرق هذه المرة. هذه محصلة مؤلمة تتناقض كليتاً مع مضامين خطب ووعود ثورية برمي العدو في عرض البحر، ودحر داعميه الغربيين والأمريكيين عن تراب الإقليم العربي الطاهر.

رغم ذلك، العقلية الثورية بطبيعتها التي تعيش في الخيال تأبي دائماً وأبداً التسليم أو الاقرار بحقاق الواقع مهما كانت مريرة ومؤلمة. ومهما يكن، هي لا تُقر أبداً بالخطأ ولا تيأس من التعلق بسراب الأمل في انتصار موعود آتيها لا محالة في نهاية المطاف. أليست هذه هي الحتمية الثورية؟! وكما هي عادة الزعماء الثوريين، أبت كرامة عبد الناصر الاعتراف بالخطأ أو الهزيمة. واختار أن يصطنع مجدداً لنفسه وجماهيره المُغيبة عن الوعي عالماً فاضلاً آخر من نسج الخطابة والخيال الثوري- حرب الاستنزاف- حيث مقاومة العدو شرف، والصمود فضيلة، والموت استشهاد. حقاً هو عالم جميل آخر، لكنه أبداً لن يغير موازين القوى أو يبدل الحقائق على أرض الواقع. لابد من مخرج عملي قابل للتنفيذ، وإلا الوطن ذاته مهدد بالضياع.

المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، هو نفسه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، لكن من تحت عباءة وعمامة فوق الرأس. كليهما خطيب ثوري مفوه يُلهب مشاعر الجماهير، واحد تحت شعارات الوحدة والقومية العربية والآخر الثورة الإسلامية. كليهما احتكر لنفسه الميكروفونات والساحات العامة والخاصة، وصال وجال في دنيا الكلام المعسول، لينتهي به المطاف إلى براثن هزيمة مذلة. مثلما وقع ضد مصر قبل عدة عقود، نسفت إسرائيل كل الدفاعات الجوية الإيرانية بضربة واحدة خلال بضع ساعات. المتغير المستجد، أنه لا يوجد روس الآن لتعويض الدفاعات الجوية الإيرانية. بالتأكيد لن يستسلم المرشد الثائر، ببساطة لأن الثوار لا يستسلمون أبداً. وسيرفع لواء المقاومة والصمود. لكن، كما حدث مع الثورة المصرية، هل يعني المآل الحالي للثورة الإيرانية أن ثمة حاجة لخائن وعميل ساداتي من داخل النظام الإيراني على استعداد للتضحية بالثورة إذا كان لا خيار آخر لإنقاذ الوطن؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟
- هل ينتج الاستبداد تنمية مستدامة؟ (1)
- الضمير بين الوعي والدين (3)
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار


المزيد.....




- ترامب يؤكد تحقيق -تقدم كبير- في المحادثات الأمريكية الروسية، ...
- العلاقات الفرنسية الجزائرية: تصعيد مرحلي ام قطيعة؟
- السودان يعلن تدمير طائرة إماراتية تقل مرتزقة كولومبيين في دا ...
- لبنان.. غارات إسرائيلية على الجنوب والحكومة تناقش الورقة الأ ...
- أزمة مياه خانقة تحاصر 60% من أحياء الخرطوم منذ عامين
- متخذًا قرارات جديدة.. ماكرون: على فرنسا أن تتحرك بمزيد من ال ...
- شبكات تجسس ومسيّرات.. كيف تستعد تركيا للحرب مع إسرائيل؟
- الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم وسط انقسام دولي حاد
- ترامب يعلن تبرعه براتبه لتمويل تجديدات البيت الأبيض: -ربما أ ...
- ترامب يقول إن لقاء ويتكوف مع بوتين كان -مثمرًا للغاية-


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية