أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل صحيح أن المسلمين يقدسون محمداً أكثر من تقديسهم لله؟














المزيد.....

هل صحيح أن المسلمين يقدسون محمداً أكثر من تقديسهم لله؟


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 13:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في العادة، نحن البشر نحتاج إلى ترتيب أغراضنا المادية بصورة ما وتعليقها على شيء ما بدلاً من تركها مبعثرة ومتناثرة بلا قوام أو صورة مرضية ومقنعة. هذا لا نفعله مع الأشياء المادية فقط لكن مع النظرية أيضاً، ومن ضمنها معتقداتنا في المقدس. في الحالة الأولى، نُعلق أغراضنا على شماعة؛ في الثانية، نُعلق معتقداتنا على ما نُسميه مرجع أو سند أو دليل قطعي الثبوت والدلالة.

في سنوات الطفولة المبكرة، أتذكر احتدام الجدل بيني وابن عمي: مَنْ هو الله ومَنْ الرسول، مَنْ الإلهي ومَنْ البشري؟ تمسكت أنا برأيي: محمد هو الإله، والله هو الرسول. محمد هو الأكثر تقديساً لدى المسلمين، ثم يأتي الله من بعده؛ محمد هو الأول في وجداننا وقلوبنا وتفكيرنا وعلى أطراف ألسنتنا ليل نهار وصباح مساء، ثم بعده بمسافة يملئها ضباب كثيف يظهر لنا الله من بعيد في صورة باهتة دون ملامح محددة. إذا كان الله هو الإله الخالق والرسول بشر مخلوق، يصبح الله هو الأولى بالمكانة العليا. لكن بالنظر إلى حقيقة أن محمداً يحتل بلا منازع مكانة القدس الأعظم في عقلنا ووجداننا ومخيلتنا لذلك استنتجت أن يكون هو الإله والله هو الرسول. تبين لي فيما بعد خطؤنا نحن الاثنين معاً. في الحقيقة كنا، دون أن ندري طبعاً، نتنازع على شيء واحد والشيء نفسه وليس على شيئين اثنين منفصلين كما ظننا. يكفي من أحاديث الأطفال. بنا إلى الموضوع.

المُقدس هو الشيء محط العاطفة الدينية لدى البشر. يمكن تحديد مراتب قداسة الأشياء بحسب منسوب كثافة العاطفة المركزة عليها، بحيث كلما زادت كثافة العاطفة المتجهة إلى الشيء زادت بالتوازي قداسته. بحسب النظرية الدينية الكلية، هذا الكون بما فيه من بشر هو من صنع الله وتدبيره. معنى ذلك أن قدس الأقداس في الكون بأسره، متضمناً بالطبع دنيا البشر، يجب أن يكون هو الله الخالق، الذي لولاه ما كانت قد وجدت الحياة أصلاً. بالتالي، يجب أن يكون الله هو محط أكثف عاطفة دينية على الإطلاق من طرف البشر، بمعنى أن يكون هو المقدس المطلق. لكن هذا الإله، لكي يُسير الكون بالشكل وللغرض الذي يشاء، قد اختار معاونين له من غير البشر ومن البشر أنفسهم. بالتالي، يجب أن يكون هؤلاء الأفراد البشريين المختارين خصيصاً من لدن الله الخالق هم الحلقة الثانية في سلسلة القداسة، المستمدة في الأخير من الله ذاته. الله هو سماء القداسة التي تتدلى منها نجوم وكواكب غير بشرية وبشرية؛ أو هو سقف القداسة الأعلى الذي تتدلى منه مصابيح القداسة الملائكية والنبوية والرسولية؛ أو هو، أخيراً، شمس القداسة التي تُنير الكون وتتحلق من حولها أقمار مضيئة، أنبياء الله وملائكته ورسله. هذا من حيث النظرية. لكن من حيث التطبيق، سنجد الحقائق مختلفة كثيراً.

من حيث الصورة، تبدأ سلسلة الإسناد من الأصغر إلى الأكبر وتنتهي بالأقدس المطلق- الله جل جلاله. يبدأ رجل الدين الحالي حديثه الديني بالنقل المتواتر عن فلان ابن فلان وفلان ابن فلان...الخ (مراجع وأسانيد دينية صحيحة من أشخاص بشريين)، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم (بشر كذلك، لكنه نبي أيضاً)، أن الله تعالى (الإله، سقف الإسناد النهائي) قد أمرك بكذا ونهاكم عن كذا. عندئذٍ، يكون الكلام قد انتهى وبابه قد أُغلق، لأن لا يمكن ولا يتصور أن يعلو قول فوق قول الله ورسوله، أو قول رسول الله. بمحاذاة سلسلة الإسناد تلك، تسير سلسلة التقديس، بحيث يتبوأ رجل الدين الحالي ذيل القائمة، ومن ثم الأدنى قداسة من طرف المؤمنين، ويبقى رأس السلسلة، الله ورسوله، هو الأكبر قداسة. هذا من حيث النظرية.

من حيث التطبيق، يستطيع أي واحد منا أن يسند وينسب ما شاء من الأقوال والأفعال إلى مَنْ يطيب له من الأشخاص مثله. هذا نفعله جميعاً بسهولة وتلقائية، بقصد أو بدون، فيما بيننا كبشر عاديين تماماً مثلما يفعله رجال الدين فيما بينهم. لكن سلسلة الإسناد البشرية الطبيعية تلك تنتهي حتماً عند نقطة انتهاء الحد البشري. فيما وراء ذلك، كل من يريد مد سلسلة الإسناد يجب أن يمتلك القدرة على تجاوز الحدود البشرية. هذا ليس من طاقة البشر العاديين؛ لكنه بمقدر البشر الأنبياء، بوسيلة لا تقل عن معجزة. لذلك، كل من يستطيع تجاوز هذه الحدود البشرية الطبيعية لا يكون بعد رجل دين، لكن نبي جديد لدين جديد.

هذا يعني استحالة أن يمضي رجال الدين المسلمين بسلسلة الإسناد وصولاً إلى الله ذاته، لكون الاتصال بهذا الأخير يحتاج إلى معجزة، والمعجزة لا يقدر عليها سوى الأنبياء وحدهم. ويعني أيضاً، حتى دون وعي رجال الدين المسلمين أنفسهم، أن الله ورسوله هما- في الحقيقة- شيء واحد والشيء نفسه؛ ما من قول قاله الرسول إلا وقاله الله أيضاً، وما من قول قاله الله إلا وقاله الرسول أيضاً. هكذا ينتج عن حرف العطف (و) في "الله ورسوله" وصيغة المضاف والمضاف إليه في "رسول الله" ميلاد كيان ميتافيزيقي واحد والكيان نفسه لكن تحت مسمى لفظين مختلفين متلازمين.

في المسيحية، هناك ثالوث على نفس المستوى من القداسة (الأب- الابن- روح القدس) يقف إلى كيان ميتافيزيقي واحد والكيان المقدس المطلق نفسه- الله تعالى. في الإسلام، هناك ثنائي (رسول- الله) أو (الله- و- رسوله) يؤدي نفس الوظيفة المقدسة التي يؤديها الثالوث المسيحي ويقف إلى كيان ميتافيزيقي واحد والكيان المقدس المطلق نفسه- الله تعالى.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل صحيح أن القرآن كلام الله؟
- هل صحيح أن ليس في الإسلام كهنوت؟
- هل تُنجب المسلمة من هندوسي؟
- دعوة التوحيد
- بين الوطنية واللصوصية- أزمة دولة ناصر
- لماذا فشلت الجمهوريات الثورية ونجحت الممالك الرجعية؟
- خيبة الأمل في 23 يوليو
- المصريون بين طرحةً ناصر وحجاب المُرشد
- شكوى إلى الله ضد إسرائيل
- في الدولة جنة الإنسان على الأرض، أو هكذا ينبغي
- ما هي حقيقة الدولة؟
- هل كانت 30 يونيو ثورة؟
- هل كانت 25 يناير ثورة؟
- الثورة بين الحقيقة والمجاز
- هل كانت 23 يوليو ثورة؟
- هل مصر دولة ديمقراطية؟
- الساداتيىة وتهافت الأنظمة الثورية
- الله حائر بين اليهود والفرس
- عن طبيعة الجسم السياسي
- هل الثورة اختيار حقاً؟


المزيد.....




- 298 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- جيش الاحتلال يلغي إجازات الأعياد اليهودية ويعزز كافة الجبهات ...
- إعلام إسرائيلي: خسرنا الجميع حتى اليهود وثمن الحرب لم يعد مح ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: نحو 300 مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى و ...
- إسرائيل تعزز جبهات القتال خلال عطلة رأس السنة اليهودية
- إسرائيل تعزز جبهات القتال خلال عطلة رأس السنة اليهودية
- ترامب يبحث مع قادة دول عربية وإسلامية الحرب على غزة
- ترامب يبحث مع قادة دول عربية وإسلامية الحرب على غزة
- ترامب يدعو قادة عرب وإسلاميين لاجتماع حول غزة في نيويورك
- حرس الثورة الإسلامية: ردنا على أي عدوان سيكون قاتلا


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هل صحيح أن المسلمين يقدسون محمداً أكثر من تقديسهم لله؟