أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف زيد الكيلاني - من مانديلا إلى الجولاني: عندما تتحوّل منصة الأمم المتحدة مفخرة إلى مهزلة أخلاقية














المزيد.....

من مانديلا إلى الجولاني: عندما تتحوّل منصة الأمم المتحدة مفخرة إلى مهزلة أخلاقية


عاطف زيد الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ أيام قليلة، وقف على منصة الأمم المتحدة شخص يُدعى "أحمد الشرع" المعروف سابقا بإسم أبو محمد الجولاني، زعيم فصيل مسلّح ارتبط اسمه لسنوات بتنظيم "القاعدة"، ومن بعدها "جبهة النصرة" ثم " هيئة تحرير الشام "، في لحظة عبثية فاقعة، لا يمكن توصيفها إلا بأنها مسخرة سياسية وأخلاقية من العيار الثقيل.
الجولاني، الذي تلطّخت يداه بدماء السوريين في أكثر من معركة داخلية، والذي عُرف بسجله الحافل في التحالفات المشبوهة، القمع، والاغتيالات، بات فجأة "رئيسًا" لكيان يسمّى "سوريا المحررة"، ويتحدث من نفس المنصة التي خاطب منها نلسون مانديلا العالم ذات يوم، بعد خروجه من سجون الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
نعم، لقد وصلنا إلى هنا: مناضل أمضى 27 عاما في زنزانة نظام الفصل العنصري لأنه طالب بالعدالة، وقف يومًا ما في ذات القاعة، قبل أن يُمنحها اليوم من كان بالأمس القريب يُدرج على لوائح الإرهاب، وهو ابو محمد الجولاني.
فأيّ مهزلة هذه؟ وأيّ انحطاط أخلاقي وصل إليه النظام الدولي؟
== مانديلا: نضال تحرري حقيقي ضد منظومة استعمار داخلي
حين وقف مانديلا أمام الأمم المتحدة، كان يُمثّل ملايين المقموعين الذين حُرموا من أبسط حقوقهم لمجرّد لون بشرتهم.
لم يكن لديه طائرات مسيّرة، ولا دعم استخباراتي غربي، ولا صفقات تحت الطاولة.
كان سلاحه كلمة الحق، وعزيمة لا تلين، ورؤية واضحة لدولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق.
لم يرث دولة، بل بنى مشروعًا من الصفر، وانتقل بجنوب إفريقيا من مستنقع عنصري دموي إلى ديمقراطية تعددية ، رغم كل ما يشوبها اليوم من مشكلات ، لكنه لم تتلطخ يداه بدماء خصومه، بل دعا إلى المصالحة، لا الانتقام.
مانديلا لم "يُغسل" تاريخه أمام المجتمع الدولي، لأنه لم يكن بحاجة لذلك.
تاريخه ناصع بقدر ما يسمح له نضال الشعوب.
== الجولاني: إرث دموي مغسول بأموال الخارج
أما الجولاني، فماذا يمثل؟ من يمثّل؟ أيّ نضال يمثّله؟
هذا الرجل لم يعرف في حياته السياسة إلا عبر فوهة البندقية المأجورة والعميلة لجهات خارجية.
ظهر كقائد لجبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، ونفّذ عمليات تفجير وتصفية وتكفير لم يخجل منها يومًا.
ثم، بقدرة قادر، صار "رجل دولة"، يلبس بزة رسمية، ويتحدث عن "التسامح" و"الدولة المدنية"، لا لشيء إلا لأنه بات مقبولًا لدى بعض العواصم الإقليمية والغربية التي تُدير المشهد السوري كما تدير ملف الغاز أو النفط.
الرجل لم "يتحوّل" كما يُسوّق له، بل غيّر جلده، كالحرباء، ليتماشى مع المموّل الجديد، والمزاج الدولي المتقلب.
كيف يُمنح مثل هذا الشخص منصة دولية؟
كيف يُقدَّم على أنه "ممثل شرعي" لمناطق "محررة"، وهو الذي يحكمها بالحديد والنار، ويمنع أي صوت معارض، ويزجّ بالنشطاء في السجون، ويغتال المعارضين من داخل معسكره وخارجه؟
== الأمم المتحدة: منصة أم أداة تبييض؟
مشكلة الجولاني ليست فقط في تاريخه الدموي، بل في أن الأمم المتحدة، وهي منظمة يُفترض بها الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، قررت أن تمنحه شرعية سياسية من خلال السماح له بالوقوف على منبرها.
ماذا تقول هذه الخطوة لسكان إدلب وسوريا عامة، الذين هجّروا وقُصفوا ومُزّقت حياتهم باسم هذا "التحرير" الزائف؟
ماذا تقول للأكراد الذين حاربهم الجولاني؟
للمسيحيين الذين هجّرتهم فصائله؟
للنساء اللواتي اغتصبهنّ مقاتلو الجولاني، ثمّ أُجبرن على الحجاب تحت تهديد السلاح؟
ماذا تقول للضحايا الذين لا منصة لهم، ولا صوت، ولا تمويل؟
منذ متى أصبح " استجداء الصلح مع إسرائيل "، كما صرّح الجولاني مؤخرًا، كرت عبور إلى الشرعية الدولية؟
هل يكفي أن تعلن العداء لإيران وحزب الله حتى تُمنح صكوك الغفران وتُصفّق لك الأمم المتحدة؟
لقد تحوّلت المنظمات الدولية إلى أدوات في خدمة مشروع الهيمنة لا أدوات لمحاسبة القتلة والمجرمين.
تحوّلت إلى مسرح سخيف تُمنح فيه الأدوار حسب رضى واشنطن، لا حسب شرعية النضال.
== تبييض الجريمة بالنفاق الدولي
إن الوقوف على منصة الأمم المتحدة اليوم لا يعكس شيئًا من القيمة الأخلاقية أو السياسية كما في السابق، بل يدل على من لديه دعم أقوى، ومن يستطيع أن يُعيد تسويق نفسه ضمن منطق سوق النخاسة السياسي العالمي.
اليوم، يُمنح الإرهابي سابقًا شارة "الرئيس"، بينما لا يجد ضحاياه حتى منبراً يبكون فيه أبناءهم.
اليوم، يتحدث قاتل بربطة عنق من نيويورك عن "التحرّر"، بينما يقبع مناضلون حقيقيون في السجون أو المنافي، أو تحت التراب.
لقد تحوّل العالم إلى مكان يُكافأ فيه الجلاد إن أعاد تموضعه سياسيًا، ويُعاقب فيه المظلوم لأنه لم يجد له راعٍ.
== من مانديلا إلى الجولاني: سقوط رمزي لا يُغتفر
الفارق بين مانديلا والجولاني ليس فقط في التاريخ والنضال، بل في من يُقرر من هو "المُناضل" ومن هو "الإرهابي".
في زمن الهيمنة الأمريكية، أصبح النضال مجرد ملصق يُبدَّل حسب مصلحة السوق، لا حسب المبادئ.
إذا كان مانديلا يمثّل النضال التحرري الشعبي في مواجهة نظام عنصري مدعوم من الغرب، فإن الجولاني يُمثّل نموذج المرتزق المطيع، الذي يُبدّل عقيدته حسب دفتر الشيكات.
أن يقف الجولاني اليوم على ذات المنصة التي وقف عليها مانديلا ليس علامة على "تقدّم" الثورة السورية كما يحاول البعض تزييفه، بل هو إعلان صريح عن سقوط ذلك المنبر نفسه، وانحرافه التام عن أي مسار أخلاقي.
== هذا ليس صراع رموز بل صراع مشاريع
الصراع اليوم ليس بين مانديلا والجولاني كشخصين، بل بين مشروعين:
• مشروع تحرري أصيل نابع من القاعدة الشعبية ويواجه الاستعمار والتمييز.
• ومشروع جهادي/نيوليبرالي مغسول بماء المال السياسي، يُعاد تدويره ليتناسب مع الخارطة الجديدة للمنطقة.
والأمم المتحدة، للأسف، اختارت أن تصطف مع الثاني، أو على الأقل أن تمنحه الميكروفون.
لكن صوت المظلومين لا يحتاج إلى منصة، لأنه حين يصدح، يفضح كل من سكت عن الظلم... أو تواطأ معه.



#عاطف_زيد_الكيلاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب الكذّاب على مسرح هيئة الأمم المتحدة: يكذب كما يتنفس
- سقوط فكر البرجوازية العربية: من أوهام التحرر إلى ضرورة البدي ...
- الاعتراف بالدولة الفلسطينية: مكافأة شكلية أم خدعة استراتيجية ...
- قمة الدوحة ... قمة الجبن والتطبيع: حين يتواطأ الخوف مع الخيا ...
- آن الأوان للبشرية أن تتحرر من السطوة الأميركية
- الكيان الصهيوني: دولة مارقة تهاجم الإنسانية وتحاصر الضمير ال ...
- العدوان الصهيوني على قطر: جريمة صهيونية جديدة ومسمار في نعش ...
- الصمتُ العربيّ حيال العدوان الصهيوني المستمر... جريمةٌ فوق ج ...
- السفير الأميركي الجديد في عمّان: هل هو دبلوماسي محترف أم ضاب ...
- -وزارة الحرب-... التسمية أخيرًا تطابق الفعل: فضح الوجه الحقي ...
- عبد الرحمن الراشد.. وضياع البوصلة الأخلاقية في مهاجمة حماس و ...
- العدوان الأمريكي على فنزويلا: إرهاب دولة تحت غطاء مكافحة الم ...
- إلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني شرط ضروريّ لبناء نظام عالمي ج ...
- توماس براك يفضح وجه أمريكا القبيح: وقاحة رسمية واستعلاء وقح ...
- اللواء أسامة العلي: وجه التطبيع المسموم وصدى نباح العدو الصه ...
- حزب الله ومحور المقاومة: بين فحيح التشويه وصوت الكرامة
- عندما خان حكام دمشق الجدد العروبة ... كيف سقطت سورية في حضن ...
- عبد الرحمن الراشد وتكرار نغمة الهزيمة: رد على مقال -أين اختف ...
- المناضل الأممي جورج إبراهيم عبد الله: أيقونة النضال الأممي  ...
- في الموقف من سوريا اليوم: يساريّون مع الدولة والشعب... لا مع ...


المزيد.....




- مجلس الأمن يرفض تمديد رفع العقوبات على إيران.. وطهران ترد: ل ...
- إيران تصف العقوبات الأممية الوشيكة بغير القانونية
- أطباء بلا حدود: إسرائيل تحرم آلاف اللبنانيين من العودة لديار ...
- ما الذي يهدد حقا مستقبل هيمنة واشنطن؟
- القضاء الأمريكي يوجه تُهماً لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ا ...
- زيارة نتنياهو لنيويورك تثير احتجاجات
- ترامب يكشف عن تفاصيل -مفاوضات مكثفة- بشأن غزة: -شرف لي أن أك ...
- لقاء بين وزير خارجية الإمارات ونتنياهو في نيويورك.. ماذا دار ...
- الاتحاد الأوروبي يسرع خطواته لتشييد -جدار مضاد للمسيرات- لمو ...
- النبض المغاربي: تقارب بين طرابلس وأثينا: هل يُهدد التحالف مع ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف زيد الكيلاني - من مانديلا إلى الجولاني: عندما تتحوّل منصة الأمم المتحدة مفخرة إلى مهزلة أخلاقية