أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .














المزيد.....

مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


عندما يقرأ المرء عنوان (( حمالة الحطب )) , لا بد أن يستحضر فورًا سورة المسد وزوجة أبي لهب , أروى بنت حرب , التي كرّست حياتها لإيذاء النبي محمد , كانت تجمع الشوك لتضعه في طريقه , ليس فقط لتؤذيه جسديًا , بل لأنها كانت حمالة حطب من نوع آخر: حمالة الكراهية والنميمة والفتنة , كانت تحطب الكلام , وتشعل نيران الفُرقة , وتُعير رسول الله بالفقر , هذه المرأة لم تكن مجرد شخصية تاريخية , بل رمزًا لكل من يحمل الحطب ليشعل به حرائق الخراب , بغض النظر عن زمانه ومكانه.

حمالات الحطب في العراق , لقد شهد العراق المعاصر, مع الأسف الشديد , ظهور (( حمالات حطب )) من نوع جديد , لكن أهدافهم كانت هي ذاتها : إشعال الحرائق , بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 , تحوّل العراق إلى ساحة مفتوحة لهؤلاء , لم يأتِ المحتلون وحدهم , بل جاؤوا معهم بعملاء محليين , ممن تقمصوا دور حمالة الحطب الكبرى , هؤلاء لم يرموا الشوك في الطرقات , بل أشعلوا الفتنة الطائفية , وحوّلوا النسيج الاجتماعي إلى أشلاء , كان هؤلاء العملاء ومن وراءهم الاحتلال , هم من أشعلوا نار الفساد التي لم تترك قطاعًا إلا ودمرته , لقد أصبحت وزارات الدولة , التي كان من المفترض أن تكون حصونًا للخدمة , أوكارًا للسرقة والنهب , الأموال التي كان من المفترض أن تبني المدارس والمستشفيات , ذهبت إلى جيوب حمالات الحطب الجدد , تاركة الشعب يعاني من انهيار الخدمات الأساسية.

وعن تدمير القطاعات الحيوية , من عسكرة البلاد إلى تجريف ثقافتها , فقد كان الضرر الأكبر الذي أحدثه الاحتلال وعملاؤه , هو الانهيار الممنهج لقطاعات الدولة الحيوية , فعلى صعيد القطاع العسكري والأمني , بدلاً من بناء جيش وطني قوي يحمي الحدود , تم حل الجيش العراقي السابق , واستبداله بجيوش ميليشياوية وولاءات متناحرة , مما جعل البلاد فريسة سهلة للفوضى والإرهاب , حطب الفتنة أُلقي في صفوف القوات الأمنية , مما أضعفها وجعلها غير قادرة على حماية المواطن , وفي القطاع الصحي والثقافينرى المستشفيات التي كانت فخرًا للشرق الأوسط , تحولت إلى هياكل مهملة تفتقر إلى أبسط التجهيزات , أما القطاع الثقافي , فقد تم تجفيفه وتهميشه , وأُحرقت المكتبات ودُمرت الآثار, في محاولة لطمس الهوية العراقية العريقة , كانت هذه أفعال حمالات الحطب التي لا تكتفي بإشعال النار, بل تحرق كل ما هو جميل وتراثي , أما القطاع التعليمي, فقد رأينا المدارس والجامعات التي كانت منارات للعلم أصبحت مرتعًا للأفكار الهدامة والمناهج التي تُلقن الكراهية , الفساد لم يترك حتى التعليم , حيث أصبحت المناصب تُشترى وتُباع , مما أدى إلى تدهور مستويات الخريجين.

كانت قوانين الاجتثاث , حطبٌ جديد للتدمير, فلم تقتصر أفعال حمالات الحطب على الفساد المالي والفساد الإداري فقط , بل امتدت إلى إصدار قوانين تدميرية , كان أبرزها قوانين الاجتثاث التعسفية , هذه القوانين لم تكن تهدف إلى مكافحة الفساد أو بناء دولة المؤسسات , بل كانت أداةً لتصفية الخصوم السياسيين وإقصاء الكفاءات الوطنية , لقد تم بموجبها إبعاد الآلاف من الكوادر المهمة والخبراء في مختلف القطاعات , من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات , بحجج واهية , استُبدل هؤلاء بأناس فاشلين وفاسدين لا يمتلكون أي خبرة , هدفهم الوحيد هو تنفيذ أجندات خارجية ونهب ثروات البلاد , مما أدى إلى انهيار كل مشاريع التنمية ووضع العراق في نفق مظلم.

خاتمتهم , عارٌ ورماد , إن (( حمالة الحطب )) ليست مجرد امرأة تاريخية , بل هي رمز يتجدد في كل عصر , فكما كانت أم جميل تؤذي النبي, فإن حمالات الحطب الجدد في العراق , سواء كانوا محتلين أو عملاء محليين , أذوا أمة بأكملها , وحوّلوا بلاد الرافدين إلى رماد , تُعبّر قصيدة الشاعر محمد بحر العلوم عن هذا الشعور بالخيانة , حيث قال : (( كنّا لكم حطباً في كلِّ نازلةٍ... فلا تكونوا لنا حمّالةَ الحطبِ )) , فالعراقيون كانوا حطبًا يدافع عن بلاده , فما كان من بعض أبنائها إلا أن حملوا حطب التدمير والفساد , إن الذاكرة الشعبية لن تنسى أبدًا من أطلق شرارة الفوضى , ومن ساهم في إشعالها , ومن ترك رماد الخراب وراءه.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .


المزيد.....




- الطيّب صالح: سحر السرد وجرح الغياب
- مو... الفكرة والفعل كما يرويها أحمد خالد
- الشعر المنثور... إسفينٌ في جسد الشعر!
- كيف تحولت أفلام الرعب الأميركية من صرخات مفزعة إلى نقد اجتما ...
- -عزنا بطبعنا-.. أغانٍ جديدة وحفلات بمناسبة اليوم الوطني السع ...
- قاموس للصم.. مبادرة قطرية لشرح العبادات والمعاملات بلغة الإش ...
- من ساند كريك إلى غزة.. أميركا وثقافة الإبادة الجماعية
- برنامج الكوميدي جيمي كيميل يعود للبث من جديد بعد أيام من الإ ...
- هل تكون -الثامنة ثابتة-؟ فيلم -معركة تلو الأخرى- أحدث رهانات ...
- موسكو تحتفي بالملابس المحتشمة القادمة من الشرق الأوسط


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .