أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حكمة قَعْنَب .















المزيد.....

مقامة حكمة قَعْنَب .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 13:27
المحور: الادب والفن
    


مقامة حكمة قَعْنَب :

قَعْنَبُ بنُ ضَمْرَة , وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بنِ غَطَفَانَ , مِنْ شُعَرَاءِ العَهْدِ الأُمَوِيّ , قالَ ابنُ جِنّي , في ( تفسير أسماءِ شعراءِ ديوان الحماسة ) : (( القَعْنَب هو الشديدُ الصلبُ من كل شيء )) , عاشَ أيامَ الخَليفةِ الوليدِ بنِ عبدِ المَلكِ , وَلهُ أبياتٌ يَهجُوهُ بِهَا , وَمِنْ أشْهرِ شِعرِ قَعنب , أبْياتُه (( موضوع مقامتنا )) ,التِي يَشكُو بهَا فِعلَ عَدُوّهِ معَ مَا يَأتِيهِ عَنِ الشَّاعِرِ مِنْ مَدْحٍ وَقَدْحٍ : (( إِنْ يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا )) , والسُبَّة : ما يُسَبُّ به من العُيوبِ , فِي ( اللّسَان ) : السَّبُّ , الشَّتْمُ وَهُوَ مَصْدَرُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا : شَتَمَهُ , وَالمَعنَى أنَّ خُصُومَ الشَّاعرِ, إذا سَمِعُوا عَنهُ ريبةً عَنهُ , طَارُوا بهَا فَرحًا , ذلكَ لأنَّ السَّعادةَ التي تغمرُ صاحبَها فرحًا , تغشاهُ فتملأ جوانحَهُ , وتنتشرُ في أجزاءِ جسدِهِ كلِّه , حتَّى يَحْسَبُ أَنَّهُ علَى وَشكِ أنْ يَطيرَ , من شِدَّة الفَرحِ , ويُحتمل أن يكونَ المرادُ : أنَّ عدوَّ الشَّاعرِ طَيَّرَ السُّبةَ أَوِ الرّيبَة , بنشرِهَا , وَتَرويجِهَا , وإِشَاعتِهَا بينَ النَّاسِ , وَجَعلِهَا علَى كلِّ لِسَانٍ , يُقَال طَارَ الخبرُ , أيْ ذَاعَ وَعَمَّ وبَلَغَ القَاصِي وَالدَّانِي , ثم ينتقلُ الشَّاعرُ, ليبيّنَ كيفَ يتعاملُ عَدوُّهُ , مَعَ مَا يَسمعُه عنهُ منَ الخيرِ, وَهوَ ما عبَّر عنه بالصَّالحِ , حيثُ يبادرُ خصمُه لدفنِ الخَبرِ الصَّالحِ عنهُ , ولا يكتفِي بعدمِ التَّرويجِ للصَّالحِ عنه بل يدفنُ كلَّ ما يَسمعُ عنهُ منْ خبرٍ صَالحٍ , حَتَّى لا يبقَى احتمالُ أن يقفَ على هذَا الخبرِ أحدٌ بمجهودِه , لا بنشرِ الخبر وإشاعتِه , لقد أحسنَ الشاعرفي تصويرِ حالِ عدوّه , في التَّعاطِي مع ما يسمعُ من أخبارِ الخير وأخبارِ الشَرِّ عنه , في مجافاةٍ كاملةٍ للإنصاف , ومناقضةٍ تامةِ للعَدل .

تعتبر الوطنية العراقية مفهومًا عميقًا ومتجذرًا في تاريخ العراق , وتواجه باستمرار تحديات من قبل قوى خارجية وداخلية تسعى لتقويضها , يمكننا استكشاف هذا المعنى من خلال دراسة ماتلاقيه الوطنية العراقية من تحديات الدخلاء : في الحياة السياسية والاجتماعية , لا تُعدّ الأقاويل والاتهامات مجرد كلمات , بل هي أسلحة تُستخدم لتفكيك الأوطان , فكما يقول الشاعر , إن خُصُومَه (( إِنْ يَسْمَعُوا رِيْبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا )) , هذه العبارة تحمل في طياتها وصفًا دقيقًا للحالة التي يمر بها أي كيان وطني عندما يتعرض للهجوم من قبل من يكرهه , إنهم يُحَلِّقون فرحًا ليس فقط بسماع الأخبار السيئة , بل بنشرها وتضخيمها , وفي المقابل , يدفنون كل إنجاز جيد , لأن سعادتهم تكمن في رؤية الوحدة الوطنية تتآكل.

تتخذ محاربة الوطنية العراقية أشكالًا متعددة , سواء كانت ثقافية , سياسية , أو اقتصادية, ان أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو التحريض على الانقسامات الطائفية والعرقية, فبدلاً من التركيز على هوية العراق الموحدة , يعمل الأعداء على إبراز الاختلافات بين الشيعة والسنة , أو بين العرب والكرد , أو بين المسلمين والمسيحيين , وعندما تظهر توترات بين هذه المكونات , (( يطيرون بها فرحًا )) , لأنها تؤكد لهم أن الوحدة الوطنية ليست صلبة بما يكفي , فيروج بعض الأطراف إلى أن (( هذا العراقي شيعي )) و(( هذا سني )) , بدلاً من كونهما عراقيين أولًا وأخيرًا , وفي الوقت نفسه , عندما يتحد العراقيون في مواجهة خطر مشترك , يدفنون هذا الإنجاز ويعملون على إخماد أي حديث عنه , خشية أن يعزز ذلك من الوحدة .

يُستخدم تشويه الرموز الوطنية كأداة أخرى لمحاربة الوطنية , عندما تُنسب أفعال سيئة إلى شخصية تاريخية أو وطنية , أو يُشاع عنها الفساد أو الخيانة , فإن الهدف هو زعزعة ثقة الشعب برموزه الوطنية , عندما ينجحون في ذلك , (( يطيرون بها فرحًا )) لأنهم بذلك يقطعون الروابط التي تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل , وفي المقابل , فإنهم يدفنون أي إنجازات حقيقية لهذه الشخصيات , فلا يُذكر إلا الجانب السلبي المزعوم.

تُعدّ الأزمات الاقتصادية أرضًا خصبة للدخلاء, فعندما يواجه العراق أزمات اقتصادية , مثل البطالة أو انهيار الخدمات , يسارع الأعداء إلى استغلال هذه الأوضاع لنشر السخط وإثارة الغضب ضد الدولة , إنهم (( يطيرون بها فرحًا )) , لأنهم يرون في هذه الأزمات فرصة لتفكيك النسيج الاجتماعي , وفي المقابل , فإنهم يدفنون أي جهود تبذل لتحسين الأوضاع , ولا يُلقى الضوء على المشاريع التنموية أو النجاحات الاقتصادية , بل تُقدم صورة قاتمة دائمًا.

وفي الخاتمة لابد من مواجهة التحدي , إنّ مفهوم (( طَارُوا بِهَا فَرَحًا )) , و(( دَفَنُوا )) لا يقتصر على الشعر والأدب , بل هو مرآة تعكس واقعًا مريرًا تواجهه الأمم , لمواجهة هؤلاء الخصوم , يجب علينا أن نُحصِّن وحدتنا الوطنية ونتصدى لمحاولات التفرقة , يجب أن يكون ردنا على هذه الأقاويل والاتهامات هو التمسك بالهوية العراقية الموحدة , وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة , وإبراز الإنجازات الوطنية مهما كانت صغيرة , لكي لا تُدفن في غياهب النسيان , قرأنا ان عبدُ الملك بن مروانَ كانَ يُحارِبُ مُصعبَ بن الزبير بن العوَّام , فقيلَ لِعبدِ الملكِ : إِنَّ مُصْعَبًا قَد شَرِبَ الشَّرَاب , فَقالَ عبدُ المَلكِ : مُصعبٌ يَشربُ الشَّرَابَ ؟ واللهِ لَوْ عَلِمَ مُصعَبٌ أَنَّ الرّيَّ مِنَ المَاءِ ينقصُ مُروءَتَهُ ما رَوِيَ مِنهَ , وهكذا فَلمَ تَمنعْ عبدَ الملكِ , حَربُهُ مع مُصعبٍ من إنْصافِه , وهو مثال تاريخي قوي على قيمة الإنصاف حتى مع الخصوم , وإذَا كانَ قعنب أسهبَ في بيانِ حالِ عدوّهِ معَ الصَّالحِ من خبرِهِ وضده , فماذَا يدفعُ غالبُ النَّاسِ اليَوم , أنْ يفعلُوا فعلَ الأعْداء , معَ غيرِ عدوّهمْ , عندمَا يَنشرونَ , عن غيرِهم , سيئَ الأخبارِ , وَيعرضُونَ عَنْ حَسَنِهَا؟ .

صباح الزهيري .
.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .


المزيد.....




- الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ ...
- الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
- تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج ...
- تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس ...
- سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
- صالة الكندي للسينما: ذاكرة دمشق وصوت جيل كامل
- وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قل ...
- في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
- السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حكمة قَعْنَب .