أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني-2















المزيد.....



فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني-2


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 10:28
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


الدراسة النقدية منقذ من الضلال
كريس هيدجز وراز سيغل ترجمة سعيد مضيه

ثقافة الهولوكوست في المطاف الأخير ركزت على نقل الإحساس بالاستثنائية أكثر من تدريس الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي، تاريخ معتاد، كجزء من تكوين العالم الحديث، يقول راز سيغال، و فقدت قيمتها بذلك


طبيعي إنكار النكبة المستمرة، والتاريخ الطويل للعنف الجماعي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والذي بلغ ذروته اليوم في الإبادة الجماعية في غزة. أما فيما يتعلق بالخط البياني لبروزي، خروجي من هذا الإطار، فقد كانت عملية طويلة جدًا، ولا حاجة للعودة اليها، إنما المهم هنا انها كانت صيرورة بدأت بالتوازي مع أبحاثي، مع اهتمامي بأبحاثي الأكاديمية حول الهولوكوست، اليس كذلك؟ لديّ وقت للخوض فيها، لكن ما يهم هنا هو أنها كانت عملية تواكبت مع دراستي، واهتمامي بدراساتي الأكاديمية حول الهولوكوست.
مرة أخرى، جئت باعتقاد، بالطبع، وبشعور ان الهولوكوست، وأن التاريخ اليهودي فريدان. وما حدث معي، وبالتحديد في مرحلة الإعداد للدكتوراه، وتحت إشراف الدكتورة ديبورا دورك، المديرة المؤسسة لمركز ستراسلر لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية بجامعة كلارك، حيث انجزت بحث الدكتوراة، وقادتني ديبوراه خلال عملية التحول هذه.
كانت عملية التغيير حقا عملية تعلم، حيث احتجتُ إلى مواجهة المزيد والمزيد من الأدلة، وأعني أيضًا الأدلة الموجودة بالأرشيفات، عندما تعمقت بالأرشيفات، عندما كنتُ أبحث التخلي عن معتقداتي السابقة وانا أعد لأطروحتي التي أصبحت كتابي "الإبادة الجماعية في الكارباتيين"، راحت الأدلة تقوض شيئا فشيئا أفكاري بصدد التفرد التي تمسكت بها زمنا حول الهولوكوست، في هذه الحالة الهولوكوست في المجر، حول التاريخ اليهودي الفعلي حول اليهود في مقاطعة الكاربات.
بالموازاة مع ذلك، حقا، عندما شرع هذا الصنف من نظام ا الفرادة بالظهور، كما تعلم، عندما بدأت تظهر تصدعات به، بدأت كذلك بالحتم تصدعات في كيفية رؤيتي وشعوري وأفكاري بصدد إسرائيل. هكذا بدأت بالتوازي، ولكن بالنسبة لي شخصيًا، كانت صيرورة تعلُّم استمرت عدة سنوات. بعد هذا يمكنني القول، وانت أيضا يمكنك القول هو التخلي عما تعلمته، أليس كذلك؟
لكنها، كانت حقا بالأقل صيرورة التخلي عما تعلمته، وبالأكثر صيرورة التصدي للأسلوب الذي احسسته تجاه هذا المكان والارتباط، الانتماء الذي شعرت به تجاهه، وكيف أنني كلما تعلمت المزيد عنه، مرة أخرى، بالتوازي مع بحثي عن الهولوكوست، يزداد الوضوح، من خلال الكثير من المقاومة، بأن الصورة التي حملتها كانت زائفة بالمطلق وبالفعل..


كريس هيدجز: لنتحدث كيف تسخر إسرائيل الهولوكوست. يذهب جنود جيش إسرائيل إلى أوشفيتز. تبدو دراسات ياد فاشيم للهولوكوست بالولايات المتحدة، وانت تعرف أكثر مني بكثير، قد خضعت لسطوة الرواية الصهيونية إلى حد كبير. تحدث عن استخدامات الصهيونيين وإسرائيل للهولوكوست.

راز سيغال: أجل، أعتقد أن هذا معروفٌ تمامًا، الأسلوب الذي بواسطته، والكلمة الأصح تستخدم سلاحا ، حيال الهولوكوست. لقد استُخدمت المحرقة من قِبل إسرائيل والصهاينة سلاحا لتبرير مشروع الدولة الإسرائيلية بشكل واضح، لفرض معقولية وشرعية أي شيء فعلته أو تفعله إسرائيل.
مرة أخرى، بأسلوب جدا أساسي، يتجذر التسخير في فكرة الفرادة، وبهذا الإحساس بالإفلات من العقاب، وبأن إسرائيل لا تخطئ بكل ما تعنيه الكلمة. والهولوكوست حينئذ تخدم عنصرا مفتاحيا لكي تضفي المعقولية على الإبادة الجماعية تبررها، تشرعنها، وتُعيد إنتاجها.
"استُخدمت المحرقة سلاحا بيد إسرائيل والصهيونيين لكي يبرروا بوضوح مشروع دولة اسرائيل وبضفوا العقلانية والمشروعية والتبرير على ما فعلوه وما سيفعلونه. "
لكن الأهم، هناك أمران في هذا الشان أعتقد أن فهمنا لهما سطحي: أولاهما أن الهولوكوست يُستغل لتبرير نظام الدولة القومية برمته حول العالم. وعندما أقول ذلك، فإنني أعني ما نسميه ذاكرة الهولوكوست العالمية، أي الظاهرة المؤسسية لذاكرة الهولوكوست التي ظهرت في التسعينات مع سقوط الاتحاد السوفيتي.
وُعِدنا بأنها نهاية التاريخ. هل تتذكر ذلك، كريس؟ ذاكرة الهولوكوست العالمية، ذلك النوع من العالم الجديد الشجاع كان يبزغ؛ كانت ذاكرة الهولوكوست العالمية عنصرًا بالغ الأهمية في تبرير وشرعنة وتبرير نظام الدولة القومية الذي يهيمن عليه الغرب.
وهنا قضية واضحة، تتمثل في كون ذاكرة الهولوكوست العالمية ظاهرة مؤسسية. ما أعنيه هو المعاهد الرئيسية لثقافة الذاكرة، تلك التي تتداخل أيضًا مع المجال الأكاديمي لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية التي انطلقت بقوة في ذلك الوقت في التسعينات، أليس كذلك؟
إذن متحف الولايات المتحدة التذكاري للهولوكوست في واشنطن العاصمة، ياد فاشيم في إسرائيل، الذي كان موجودًا، بالطبع، منذ الخمسينات، ولكن غدا في التسعينات كذلك جزءًا من إطار الذاكرة العالمية هذا، التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
إذن لدينا ظاهرة مؤسسية حقًا وهي ظاهرة مؤسسية تابعة للدولة، أليس كذلك؟ هذه هي النقطة؛ هذه معاهد حكومية. وأحد الأشياء المثيرة للاهتمام حقًا هنا هو أنه من الواضح أن المعاهد الحكومية، مهما كانت، ومهما فعلت، فإن هدفها ومصلحتها هي مصلحة الدولة، وليس مصلحة الأشخاص الذين تستهدفهم الدول، أليس كذلك؟ يجب أن يكون هذا هو إطار منع الإبادة الجماعية "لن يتكرر أبدًا". الناس، وعصر الشهود، وأصوات الناجين من الهولوكوست، أليس كذلك؟ يجب أن يكون هذا هو محور ذاكرة الهولوكوست. إنه ليس كذلك.

لم يكن الأمر كذلك أبدا. تم تصميم ذاكرة الهولوكوست العالمية مشروعٌا حكوميا؛ لذا، من الأمور التي يجب إدراكها أنها لا تُستخدم فقط من قِبل إسرائيل والصهيونيين، بل لها سياق عالمي حقا، يهدف إلى إضفاء الشرعية على إعادة إنتاج نظام الدولة القومية بعد الهولوكوست، وليس معارضته. بالطبع، لا يمكننا فهم الهولوكوست إطلاقًا بدون نظام الدولة القومية، نظام الدولة القومية الإقصائي.
بدونه، لا يمكننا فهم ما حدث لليهود في المجر، ورومانيا، وفرنسا، بل في ألمانيا، أليس كذلك؟ إذًا، هذا سياق أوسع ينبغي اخذه بالاعتبار؛ لكن هناك سياق أوسع آخر ينبغي مراعاته، باعتقادي أنه أقل شهرة وفهمًا له أقل بكثير، وهو أن الهولوكوست في إسرائيل تحديدًا كان دائمًا مشكلةً كبيرة، ليس مجرد مناسبة، بل مشكلةً كبيرة.
ولماذا هي مشكلةً كبيرة؟ لأن دولة إسرائيل بالذات، قامت على فكرة عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي، عودة شعب قديم إلى وطنه القديم. من ناحية أخرى، أوحت المحرقة صنفا مغايرا تمامًا من حكاية التأسيس فعلا؛ من المحرقة إلى الخلاص. لذا، لم تكن تتعلق بالعصور القديمة، ولا بشعب قديم ؛ بل كانت في الواقع تتعلق بشعب عاش مئات السنين في أماكن هي فعلا موطنه، أليس كذلك؟
ثم تعرضوا لهجمات، ووصل الناجون، كما تعلم، إلى هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني، بغض النظر عن كيفية مشاركتهم فيه. بالطبع، لم يفهم الكثير من الناجين ولم يعرفوا ولم يرغبوا في معرفة بأي إحساس يشاركون في مشروع استيطاني كولنيالي.
هذا؛ لكن الهولوكوست قدّم قصةً تأسيسيةً مغايرة تمامًا، وهذه قصةٌ تأسيسيةٌ لا تدور حول حكاية؛ إنما هي قوية جدا داخل الإطار الصهيوني الديني، اليسس كذلك؟ لكنها ليست متأصلة في الإطار الديني فحسب؛ بل كذلك في الصهيونية الليبرالية العلمانية. إنها الى حد كبير جدا إطار صناعه [ديفيد] بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي.
إذن، من البداية، خلقت المحرقة بالفعل جميع أصناف المشاكل في سياسات إسرائيل ومجتمعاتها. فلم يكن من قبيل الصدفة أن بن غوريون، على سبيل المثال، رفض، كما هو معروف، الحديث عن المحرقة، ولا أتذكر بالضبط الصياغة؛ لكنه انفجر مرة غضبًا وقال: "عن ماذا نتحدث؟" لقد ماتوا، وهذا كل شيء، أليس كذلك؟
لذا، من البداية، كان هناك نوع من الرغبة بالفعل، رغبة في إنكار المحرقة بالفعل. كان ثمة توتر. من ناحية، كان إطار الاستثنائية والفرادة وهو أمر بالغ الأهمية؛ لكن من ناحية أخرى، كانت المحرقة التي خلقت مشكلة.

الهولوكوست تفضي الى عالم بلا قانون دولي
أصبح هذا مجال لغط كثير جدا، بطبيعة الحال، في حركة الاستيطان الصهيونية الدينية بعد عام 1967، لأنه مرة أخرى، لدينا التناقض واضح جدًا، الصهيونية تتعلق بعودة الشعب القديم إلى وطنه، أما الهولوكوست فصنف آخر من الحكاية.
هناك الكثير مما يتوجب توضيحه حول هذا الموضوع، ولكن هناك آخر شيء أود قوله في هذا الصدد، أن ما يحدث بعد هذا، بالطبع، مع تنامي الذاكرة العالمية للهولوكوست، ومع تزايد التثقيف حولها، ومع تكاثر البرامج الأكاديمية حولها، ثم دراساتها وأبحاث حول الهولوكوست مع الإبادة الجماعية، وإخراج أفلام واعمال فنية أخرى وثقافة حول الموضوع الثقافي حولها، يتمخض عن هذا أحد الأمور، بالطبع، هو أن الناس شرعوا تطوير تفكير حول الهولوكوست يتعارض تمامًا مع أيديولوجيا الذاكرة العالمية للهولوكوست.
على وجه الخصوص، يشرع الناس إدراك وجود مشاكل كبيرة متعلقة، على سبيل المثال، بعنف الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، مع عقود من الاحتلال الإسرائيلي حدثت انتهاكًا صارخة للقانون الدولي. وانتظر لحظة، أليس القانون الدولي أحد دروس الهولوكوست؟ محاكمات نورمبرغ! أليست المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، مؤسستان، مرتبطتان، كذلك الى حدا ما، بالتفكير في "دروس" الهولوكوست؟
إذن، حصل تطور لهذه الأفكار، ثم تطور، بالطبع، خاصة في إطار الدراسات النقدية للإبادة الجماعية، ما أطلق عليه التحول الاستعماري في دراسات الإبادة الجماعية في ربع القرن الأخير أو نحو ذلك، وذلك مع شروع التفكير في الكولنيالية والإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني وبالطبع الإبادة الجماعية والناس ترى وتصنع الروابط مع مشروع دولة إسرائيل والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، مما يخلق، بالطبع، أكثر من مشكلة لدولة إسرائيل ويغذي هذه الرغبة أيضًا في إنكار الهولوكوست.
والنتيجة النهائية أمران جاري تحولهما؛ اولهما أننا نعرف اليوم، ليس فقط في إسرائيل، ولكن أيضًا في الولايات المتحدة، وفي المملكة المتحدة، وهما مركز التثقيف بشأن الهولوكوست، أن ما يعرفه الناس بالفعل عن الهولوكوست قليل جدًا.
إذن فعلا نعلم أن ثقافة الهولوكوست في المطاف الأخير ركزت على نقل الإحساس بالاستثنائية أكثر من تدريسه الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي، تاريخ معتاد، كجزء من تكوين العالم الحديث، خاصة في العقود الأخيرة. هذا هو الأمر الأول، الذاكرة العالمية للهولوكوست واختلال التنظيم متعارضان فعلا مع حقيقة تعليم الهولوكوست وتعلمهإ وإدراكها.
لكن الأمر الثاني، وغدا هذا بالطبع موضع حديث كثير مع حرب الإبادة في غزة؛ فنحن حقا نرى الآن، كما تعلم، نموا، في إنكار الهولوكوست، نموا ليس بارزا باعتقادي، كما تعلم، لكننا نرى بالتحديد علاماتٍ على إنكار الهولوكوست، قد تتطور او لا تتطور لأن الهولوكوست بالفعل مشكلة كبيرة في عالم إبادة غزة، وفي العالم الذي تشير إليه الإبادة، يمكننا التحدث أكثر عن هذا.
ذلك إذا ما فكرنا في عملية الإبادة كما يسخّر إسرائيل وحلفاؤها إبادة غزة نموذجا لعالم قادم، هذا ما ستلاقيه شعوب تتجاسر على مقاومة اي صنف من الإجراءات المفروضة عليها من قبل دول شديدة العنف، فالعالم حينئذ لن يحتفظ بالقانون الدولي، إنه عالم لاي مت بصلة مع "لن تتكررأبدًا ". إذن، هذا عالم بلا قانون دولي. عالم لايمت بصلة الى "لن يتكرر أبدًا"، إنما يتكرر ثانية وثالثة و.. .
بالطبع، عند هذه النقطة لا حاجة لثقافة الهولوكوست من اي صنف، لا حاجة لأي شيء. إذن ضمن هذا الإطار، بالطبع، إنكار المحرقة، فهذا إطار مرحب به جدا لإنكار المحرقة.
كريس هيدجز: دعني أسأل عن ذلك لأنك استخدمت كلمة "أزمة" في دراسات الهولوكوست. أعتقد، بعد أن أمضيتُ عقدين في تغطية الحروب، ظل أدب الهولوكوست بالغ الأهمية لإدراكي لقدرتنا على ارتكاب الفظائع الشريرة، ولإدراك ان الخط الفاصل بين الضحية والجلاد دائمًا ما يكون رفيعًا للغاية.
لهذا السبب أُعجب كثيرًا ببريمو ليفي؛ لكن لنتحدث عن تلك الأزمة. أعني، أعتقد أنها بالغة الأهمية دراسة الهولوكوست. لماذا تستخدم كلمة "أزمة"؟ ما الذي يحدث؟
راز سيغال: أعني، الأزمة مزدوجة. كما ذكرتَ في مقدمتك، كريس، فإن معاهد الذاكرة العالمية للهولوكوست، كما تعلم، وكما هو متوقع، جميعها وقفت مع هجوم إسرائيل على غزة، بالفعل شاركت في تسخير تاريخ الهولوكوست بصورة فجة سلاحا لتصوير الفلسطينيين نازيين، وتأطير هجوم حماس على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر مواصلة فعلية للهولوكوست.
وهذا يُمثل، في الأساس مشاركة في إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية في غزة. لذا نرى هذا في جميع أنحاء العالم، نراه في المتحف التذكاري للهولوكوست بالولايات المتحدة، نراه بالطبع في ياد فاشيم، مؤسسة الدولة في إسرائيل؛ نرى هذا في مؤسسة شواه في لوس أنجلوس، في التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، بالطبع، هذه المؤسسات قامت بما صُممت للقيام به أليس كذلك؟
ادعموا الدولة، وبالطبع ادعموا دولة إسرائيل. على المستوى الأكاديمي، هناك تداخل، تداخل كبير. لدى متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة فرع للأبحاث يقدم كذلك منحًا دراسية للطلاب والباحثين، لذا، هناك تداخل كبير بين معاهد إحياء ذكرى الهولوكوست في العالم وعالم الأكاديميا.
في عالم الأكاديميا، نرى انقسامًا كبيرًا مباشرة إثر 7 أكتوبر ً. أود القول انقساما كبيرا في ميدان الدراسات؛ وإذا كنا نفكر في دراسات الهولوكوست فقط، وليس في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، بما في ذلك بعض الأسماء البارزة، اعتقد أن الكثير من باحثي الهولوكوست، بل الأغلبية الساحقة للباحثين اتخذوا مواقف المعهد العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
صدرت رسالة مفتوحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حملت تواقيع حوالي 150 باحثًا في شؤون الهولوكوست، من بينهم أسماء بارزة، مثل يان غرابوفسكي، ساول فريدلاندر، وآخرون، كما تعلم ومرة أخرى لم يأت البيان على ذكر ولو جريمة واحدة للإبادة الجماعية. إسرائيل، مجددًا، لا تخطئ أبدًا. وما حدث، وفقًا لهذا البيان الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 من باحثي الهولوكوست، هو في الواقع استمرار للهولوكوست، ولمعاداة السامية.
إذن هذا، مرة أخرى، عن المشاركة، تسخير فج لتاريخ الهولوكوست في تبرير إبادة غزة. من جديد، هناك أمثلة أخرى، كتب بعض الباحثين في الهولوكوست مقالات افتتاحية أعادت إنتاج بروباغاندا الفظائع ضد إسرائيل، منها مثلا أربعين طفلاً قُطعت رؤوسهم في 7 أكتوبر، وهذا لم يحدث على الإطلاق.
نُشِر مقال بصحيفة هآرتس في نوفمبر 2023 شارك فيه خمسة باحثين في الهولوكوست، بمن فيهم الإسرائيلية دينا بورات، والأمريكي أفينوام بات، أعادوا إنتاج بروباغاندا قطع رؤوس الأطفال من الفظائع ضد اسرائيل، والتي غذّت الإبادة الجماعية في غزة، على الرغم من انه، بالصدفة، لدى كتابة المقال ، اتضح تماما للجميع ان هذا لم يحدث ابدا. واصلوا إعادة تقديمه في مقالاتهم، الأربعين طفلاً الذين قُطعت رؤوسهم. ما زالوا يعيدون إنتاجها في المقالا ت.
هكذا، البروفيسور ييهودا باوير، عميد دراسات الهولوكوست، وكان لم يزل على قيد الحياة، كتب مقالا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بصحيفة تايمز أوف إسرائيل وصف فيه حماس وإسرائيل بأنهما تعيشان في عالمين مختلفين: حماس عالم الهمجية، وإسرائيل عالم التحضر، إطار عنصري استيطاني كولنيالي شديد الوضوح، مرة أخرى، سكب الزيت على الإبادة الجماعية.
إذن، كان لدينا الكثير من ذلك، والغالبية العظمى من الباحثين في الهولوكوست بالولايات المتحدة، وبالتأكيد في ألمانيا، حيث، كما ذكرتَ في مقدمتك، يُعد دعم إسرائيل أحد عناصر عقيدة دينية، حسب منطق الدولة الألمانية.
ثم كان لدينا أقلية من باحثي الهولوكوست، وأنا من بينهم، كما تعلم، أمكننا التفكير في باحثين معروفين آخرين مثل عمر بارتوف، بالطبع، وآخرين تحدثوا منذ البداية علنًا عن جريمة الإبادة الجماعية. وكما هو معروف انتظر عمر بارتوف حتى مايو 2024 ليعلن اعترافه بجريمة الإبادة الجماعية.
كريس هيدجز: ألم يكن ذلك في عام 2025؟ ألم يكن ذلك في هذا العام؟ بارتوف؟
راز سيغال: كلا، بارتوف في مايو 2024، مع غزو إسرائيل لمدينة رفح، يساجل أنه اقر بجريمة الإبادة الجماعية. مرة أخرى، هناك تناقضات في أسلوب تأطيره موقفه في العام الماضي، صحيح، فيما يتعلق بالأشهر الأولى من هجوم إسرائيل على غزة. لكنه بلا مواربة ذكر جرائم إسرائيل، جرائم حرب واضحة جدًا، وجرائم ضد الإنسانية، وعن خطر الإبادة الجماعية.
على سبيل المثال، نزْع الصفة الإنسانية بفجاجة عن الناس كأن نطلق عليهم جميعًا حيوانات بشرية أو نازيين، أليس كذلك؟ إذًا، أقلية من علماء الهولوكوست اتخذوا هذا الموقف، وكتبوا عنه، وتحدثوا فيه. باري تراختنبرغ، على سبيل المثال، كان محوريًا جدًا في ذلك. وبضعة آخرون، لكنهم أقلية بين علماء الهولوكوست. أقول أزمة، جوابا على سؤالك، كريس، لأنه انقسام لا يمكننا جسره.
الناس، عدد كبير من اولئك الذين احتشدوا لكي يبرروا ما بات الآن في نظر عدد متزايد من الناس، عدد متزايد من الباحثين في الإبادة الجماعية، عدد متزايد من خبراء القانون الدولي، حتى بعض الإسرائيليين والصهاينة وأنصارهم إبادة الجماعية تجري في غزة، أليس كذلك؟
لا يوجد جوع. أعداد الضحايا الفلسطينيين مُضخّمة بالطبع في نظرهم. ونحن نعلم أن 62,000 فلسطيني قتلتهم إسرائيل حتى الآن في غزة، نعلم أن الأعداد الحقيقية ضعف هذا العدد على الأقل، إن لم يكن أكثر.
كلا، في نظر نورمان غودا، الأرقام مُضخّمة، وهي آلية كلاسيكية جدًا لإنكار الهولوكوست، أي تقليل الأعداد. لا يوجد جوع. لذا نرى اليوم باحثين في الهولوكوست يضفون المشروعية على الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وينكرونها، ولا تراجع عن الموقف. ما من وسيلة لحل الإشكال، على الأقل، الأسلوب الذي أراه صحيحا في هذا الوقت، لا سبيل لحل هذا، على الأقل كما أراه الآن. ولهذا السبب فقد تجاوز الأزمة، أليس كذلك؟


تسييس دراسات الهولوكوست أفقدها قيمتها
بهذا المعنى، ربما يُمكن الحديث بأسلوب ما عن وفاة دراسات الهولوكوست كميدان. يثير الاهتمام، ونحن ربما نتحدث عن وفاة دراسات الهولوكوست كميدان أن دراسات الهولوكست بالطبع، نشاهد في العقد الماضي وحتى في السنوات الأخيرة، نوعًا جديدًا مدهشًا من دراسات الهولوكوست تفتح آفاقًا جديدة وتثير أنواعًا جديدة من الأسئلة حول الغجر، والمثليين، أليس كذلك؟
هناك الكثير من الأبحاث الشيقة حول الهولوكوست، غير ان دراسات الهولوكوست كميدان أكاديمي، ربما اندثرت، وهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا، أليس كذلك؟ لو تداخلت دراسات الهولوكوست منذ البداية مع أيديولوجيا الذاكرة العالمية للهولوكوست، لربما يكون من الجيد ألا تكون دراسات الهولوكوست على الإطلاق..
وربما ينفتح الباب أمام أبحاث أكثر أهمية وإثارة حول الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي. ونحن بأمسّ الحاجة إلى هذا النوع من الدراسات، هذا الصنف من الدراسات تتيح لنا القاعدة لصنف من الثقافة وصنف من النشاط السياسي الذي نحتاجه في العالم من حولنا اليوم.
كريس هيدجز: أعني، في مقال عمر بارتوف بصحيفة نيويورك تايمز، حيث وصفها بأنها إبادة جماعية، عبّر عن القلق، وبالطبع كان يشيد بشخص مثلك، الذي ندد بها في وقت مبكر جدًا باعتبارها إبادة جماعية، كما عبر عن القلق من أن دراسات الهولوكوست ستكون مجرد دراسات طائفية، وأنها ستغدو صنفا من الضمور، وتغذي كما كانت تغذى من قبل، لكنها ستغذي بطريقة أضيق بكثير هذا الجزء من ا لفرادة الصهيونية ولن تدرس على نطاق واسع.
راز سيغال: كما تعلم، ما يعنيه هذا حقًا، مرة أخرى، ما يمكن أن نسميه دراميا موت دراسات الهولوكوست. لكن فكّر في الأمر؛ يمكن للناس مواصلة الدراسة. المؤرخون أو علماء الاجتماع أو الأنثروبولوجيون أو أي نسق آخر لا يحتاجون إلى دراسات الهولوكوست كي يبحثوا في الهولوكوست، أليس كذلك؟

من ثم، بالطبع، هناك المجال الأوسع لدراسات الإبادة الجماعية، وهو قضية مختلفة. ليس لدينا الوقت الكافي للخوض فيه، وهناك أزمة كذلك، إنما من نوع مختلف. لكننا بأسلوب ما نواجه أزمة، وأزمة أوسع نطاقًا، في عالم الأكاديميا، حقا، هجمة غير مسبوقة على الجامعات هنا بالولايات المتحدة، لكن في كل مكان بأنحاء العالم.
لذا، السؤال الأوسع هو: ما نوع العالم الأكاديمي في المستقبل؟ ما صنف المجلات والصحف الأكاديمية والجامعات والبرامج الأكاديمية؟ ربما كل هذا سيختفي على أي حال، أليس كذلك؟ هذا هو صنف الإطار لدراسة الهولوكوست. لكن حقيقة أنه لن تكون هناك دراسات للهولوكوست، حقيقة أن أشخاصًا ممن ذكرتهم، أمثال نورمان غودا وأفينوم بات، هؤلاء الأشخاص الذين أحرقوا الجسور، والذين لا يستطيعون التراجع عن إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية، حقيقة أن هذا المجال إما أن يموت أو يتحول، بأسلوب معين ، إلى ما كان عليه دائمًا، ميدان بحث طائفي يهدف إلى تبرير وتسويغ مشروع دولة اسرائيل ونظام الدولة القومية على نطاق أوسع.
هذا في حد ذاته لن يعني أن دراسة الهولوكوست ستموت. بل على العكس تمامًا، كما ذكرت. بالطبع، المشكلة الأكبر لعالم الأكاديميا اليوم والهجمة التي نواجه لم تزل قائمة. ولكن مرة أخرى، موت دراسات الهولوكوست ليس تطورًا سيئًا.

فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني-2
ثقافة الهولوكوست في المطاف الأخير ركزت على نقل الإحساس بالاستثنائية أكثر من تدريس الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي، تاريخ معتاد، كجزء من تكوين العالم الحديث، يقول راز سيغال

الدراسة النقدية منقذ من الضلال
طبيعي إنكار النكبة المستمرة، والتاريخ الطويل للعنف الجماعي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والذي بلغ ذروته اليوم في الإبادة الجماعية في غزة. أما فيما يتعلق بالخط البياني لبروزي، خروجي من هذا الإطار، فقد كانت عملية طويلة جدًا، ولا حاجة للعودة اليها، إنما المهم هنا انها كانت صيرورة بدأت بالتوازي مع أبحاثي، مع اهتمامي بأبحاثي الأكاديمية حول الهولوكوست، اليس كذلك؟ لديّ وقت للخوض فيها، لكن ما يهم هنا هو أنها كانت عملية تواكبت مع دراستي، واهتمامي بدراساتي الأكاديمية حول الهولوكوست.
مرة أخرى، جئت باعتقاد، بالطبع، وبشعور ان الهولوكوست، وأن التاريخ اليهودي فريدان. وما حدث معي، وبالتحديد في مرحلة الإعداد للدكتوراه، وتحت إشراف الدكتورة ديبورا دورك، المديرة المؤسسة لمركز ستراسلر لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية بجامعة كلارك، حيث انجزت بحث الدكتوراة، وقادتني ديبوراه خلال عملية التحول هذه.
كانت عملية التغيير حقا عملية تعلم، حيث احتجتُ إلى مواجهة المزيد والمزيد من الأدلة، وأعني أيضًا الأدلة الموجودة بالأرشيفات، عندما تعمقت بالأرشيفات، عندما كنتُ أبحث التخلي عن معتقداتي السابقة وانا أعد لأطروحتي التي أصبحت كتابي "الإبادة الجماعية في الكارباتيين"، راحت الأدلة تقوض شيئا فشيئا أفكاري بصدد التفرد التي تمسكت بها زمنا حول الهولوكوست، في هذه الحالة الهولوكوست في المجر، حول التاريخ اليهودي الفعلي حول اليهود في مقاطعة الكاربات.
بالموازاة مع ذلك، حقا، عندما شرع هذا الصنف من نظام ا الفرادة بالظهور، كما تعلم، عندما بدأت تظهر تصدعات به، بدأت كذلك بالحتم تصدعات في كيفية رؤيتي وشعوري وأفكاري بصدد إسرائيل. هكذا بدأت بالتوازي، ولكن بالنسبة لي شخصيًا، كانت صيرورة تعلُّم استمرت عدة سنوات. بعد هذا يمكنني القول، وانت أيضا يمكنك القول هو التخلي عما تعلمته، أليس كذلك؟
لكنها، كانت حقا بالأقل صيرورة التخلي عما تعلمته، وبالأكثر صيرورة التصدي للأسلوب الذي احسسته تجاه هذا المكان والارتباط، الانتماء الذي شعرت به تجاهه، وكيف أنني كلما تعلمت المزيد عنه، مرة أخرى، بالتوازي مع بحثي عن الهولوكوست، يزداد الوضوح، من خلال الكثير من المقاومة، بأن الصورة التي حملتها كانت زائفة بالمطلق وبالفعل..


كريس هيدجز: لنتحدث كيف تسخر إسرائيل الهولوكوست. يذهب جنود جيش إسرائيل إلى أوشفيتز. تبدو دراسات ياد فاشيم للهولوكوست بالولايات المتحدة، وانت تعرف أكثر مني بكثير، قد خضعت لسطوة الرواية الصهيونية إلى حد كبير. تحدث عن استخدامات الصهيونيين وإسرائيل للهولوكوست.

راز سيغال: أجل، أعتقد أن هذا معروفٌ تمامًا، الأسلوب الذي بواسطته، والكلمة الأصح تستخدم سلاحا ، حيال الهولوكوست. لقد استُخدمت المحرقة من قِبل إسرائيل والصهاينة سلاحا لتبرير مشروع الدولة الإسرائيلية بشكل واضح، لفرض معقولية وشرعية أي شيء فعلته أو تفعله إسرائيل.
مرة أخرى، بأسلوب جدا أساسي، يتجذر التسخير في فكرة الفرادة، وبهذا الإحساس بالإفلات من العقاب، وبأن إسرائيل لا تخطئ بكل ما تعنيه الكلمة. والهولوكوست حينئذ تخدم عنصرا مفتاحيا لكي تضفي المعقولية على الإبادة الجماعية تبررها، تشرعنها، وتُعيد إنتاجها.
"استُخدمت المحرقة سلاحا بيد إسرائيل والصهيونيين لكي يبرروا بوضوح مشروع دولة اسرائيل وبضفوا العقلانية والمشروعية والتبرير على ما فعلوه وما سيفعلونه. "
لكن الأهم، هناك أمران في هذا الشان أعتقد أن فهمنا لهما سطحي: أولاهما أن الهولوكوست يُستغل لتبرير نظام الدولة القومية برمته حول العالم. وعندما أقول ذلك، فإنني أعني ما نسميه ذاكرة الهولوكوست العالمية، أي الظاهرة المؤسسية لذاكرة الهولوكوست التي ظهرت في التسعينات مع سقوط الاتحاد السوفيتي.
وُعِدنا بأنها نهاية التاريخ. هل تتذكر ذلك، كريس؟ ذاكرة الهولوكوست العالمية، ذلك النوع من العالم الجديد الشجاع كان يبزغ؛ كانت ذاكرة الهولوكوست العالمية عنصرًا بالغ الأهمية في تبرير وشرعنة وتبرير نظام الدولة القومية الذي يهيمن عليه الغرب.
وهنا قضية واضحة، تتمثل في كون ذاكرة الهولوكوست العالمية ظاهرة مؤسسية. ما أعنيه هو المعاهد الرئيسية لثقافة الذاكرة، تلك التي تتداخل أيضًا مع المجال الأكاديمي لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية التي انطلقت بقوة في ذلك الوقت في التسعينات، أليس كذلك؟
إذن متحف الولايات المتحدة التذكاري للهولوكوست في واشنطن العاصمة، ياد فاشيم في إسرائيل، الذي كان موجودًا، بالطبع، منذ الخمسينات، ولكن غدا في التسعينات كذلك جزءًا من إطار الذاكرة العالمية هذا، التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
إذن لدينا ظاهرة مؤسسية حقًا وهي ظاهرة مؤسسية تابعة للدولة، أليس كذلك؟ هذه هي النقطة؛ هذه معاهد حكومية. وأحد الأشياء المثيرة للاهتمام حقًا هنا هو أنه من الواضح أن المعاهد الحكومية، مهما كانت، ومهما فعلت، فإن هدفها ومصلحتها هي مصلحة الدولة، وليس مصلحة الأشخاص الذين تستهدفهم الدول، أليس كذلك؟ يجب أن يكون هذا هو إطار منع الإبادة الجماعية "لن يتكرر أبدًا". الناس، وعصر الشهود، وأصوات الناجين من الهولوكوست، أليس كذلك؟ يجب أن يكون هذا هو محور ذاكرة الهولوكوست. إنه ليس كذلك.

لم يكن الأمر كذلك أبدا. تم تصميم ذاكرة الهولوكوست العالمية مشروعٌا حكوميا؛ لذا، من الأمور التي يجب إدراكها أنها لا تُستخدم فقط من قِبل إسرائيل والصهيونيين، بل لها سياق عالمي حقا، يهدف إلى إضفاء الشرعية على إعادة إنتاج نظام الدولة القومية بعد الهولوكوست، وليس معارضته. بالطبع، لا يمكننا فهم الهولوكوست إطلاقًا بدون نظام الدولة القومية، نظام الدولة القومية الإقصائي.
بدونه، لا يمكننا فهم ما حدث لليهود في المجر، ورومانيا، وفرنسا، بل في ألمانيا، أليس كذلك؟ إذًا، هذا سياق أوسع ينبغي اخذه بالاعتبار؛ لكن هناك سياق أوسع آخر ينبغي مراعاته، باعتقادي أنه أقل شهرة وفهمًا له أقل بكثير، وهو أن الهولوكوست في إسرائيل تحديدًا كان دائمًا مشكلةً كبيرة، ليس مجرد مناسبة، بل مشكلةً كبيرة.
ولماذا هي مشكلةً كبيرة؟ لأن دولة إسرائيل بالذات، قامت على فكرة عودة اليهود إلى وطنهم الأصلي، عودة شعب قديم إلى وطنه القديم. من ناحية أخرى، أوحت المحرقة صنفا مغايرا تمامًا من حكاية التأسيس فعلا؛ من المحرقة إلى الخلاص. لذا، لم تكن تتعلق بالعصور القديمة، ولا بشعب قديم ؛ بل كانت في الواقع تتعلق بشعب عاش مئات السنين في أماكن هي فعلا موطنه، أليس كذلك؟
ثم تعرضوا لهجمات، ووصل الناجون، كما تعلم، إلى هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني، بغض النظر عن كيفية مشاركتهم فيه. بالطبع، لم يفهم الكثير من الناجين ولم يعرفوا ولم يرغبوا في معرفة بأي إحساس يشاركون في مشروع استيطاني كولنيالي.
هذا؛ لكن الهولوكوست قدّم قصةً تأسيسيةً مغايرة تمامًا، وهذه قصةٌ تأسيسيةٌ لا تدور حول حكاية؛ إنما هي قوية جدا داخل الإطار الصهيوني الديني، اليسس كذلك؟ لكنها ليست متأصلة في الإطار الديني فحسب؛ بل كذلك في الصهيونية الليبرالية العلمانية. إنها الى حد كبير جدا إطار صناعه [ديفيد] بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي.
إذن، من البداية، خلقت المحرقة بالفعل جميع أصناف المشاكل في سياسات إسرائيل ومجتمعاتها. فلم يكن من قبيل الصدفة أن بن غوريون، على سبيل المثال، رفض، كما هو معروف، الحديث عن المحرقة، ولا أتذكر بالضبط الصياغة؛ لكنه انفجر مرة غضبًا وقال: "عن ماذا نتحدث؟" لقد ماتوا، وهذا كل شيء، أليس كذلك؟
لذا، من البداية، كان هناك نوع من الرغبة بالفعل، رغبة في إنكار المحرقة بالفعل. كان ثمة توتر. من ناحية، كان إطار الاستثنائية والفرادة وهو أمر بالغ الأهمية؛ لكن من ناحية أخرى، كانت المحرقة التي خلقت مشكلة.

الهولوكوست تفضي الى عالم بلا قانون دولي
أصبح هذا مجال لغط كثير جدا، بطبيعة الحال، في حركة الاستيطان الصهيونية الدينية بعد عام 1967، لأنه مرة أخرى، لدينا التناقض واضح جدًا، الصهيونية تتعلق بعودة الشعب القديم إلى وطنه، أما الهولوكوست فصنف آخر من الحكاية.
هناك الكثير مما يتوجب توضيحه حول هذا الموضوع، ولكن هناك آخر شيء أود قوله في هذا الصدد، أن ما يحدث بعد هذا، بالطبع، مع تنامي الذاكرة العالمية للهولوكوست، ومع تزايد التثقيف حولها، ومع تكاثر البرامج الأكاديمية حولها، ثم دراساتها وأبحاث حول الهولوكوست مع الإبادة الجماعية، وإخراج أفلام واعمال فنية أخرى وثقافة حول الموضوع الثقافي حولها، يتمخض عن هذا أحد الأمور، بالطبع، هو أن الناس شرعوا تطوير تفكير حول الهولوكوست يتعارض تمامًا مع أيديولوجيا الذاكرة العالمية للهولوكوست.
على وجه الخصوص، يشرع الناس إدراك وجود مشاكل كبيرة متعلقة، على سبيل المثال، بعنف الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، مع عقود من الاحتلال الإسرائيلي حدثت انتهاكًا صارخة للقانون الدولي. وانتظر لحظة، أليس القانون الدولي أحد دروس الهولوكوست؟ محاكمات نورمبرغ! أليست المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، مؤسستان، مرتبطتان، كذلك الى حدا ما، بالتفكير في "دروس" الهولوكوست؟
إذن، حصل تطور لهذه الأفكار، ثم تطور، بالطبع، خاصة في إطار الدراسات النقدية للإبادة الجماعية، ما أطلق عليه التحول الاستعماري في دراسات الإبادة الجماعية في ربع القرن الأخير أو نحو ذلك، وذلك مع شروع التفكير في الكولنيالية والإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني وبالطبع الإبادة الجماعية والناس ترى وتصنع الروابط مع مشروع دولة إسرائيل والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، مما يخلق، بالطبع، أكثر من مشكلة لدولة إسرائيل ويغذي هذه الرغبة أيضًا في إنكار الهولوكوست.
والنتيجة النهائية أمران جاري تحولهما؛ اولهما أننا نعرف اليوم، ليس فقط في إسرائيل، ولكن أيضًا في الولايات المتحدة، وفي المملكة المتحدة، وهما مركز التثقيف بشأن الهولوكوست، أن ما يعرفه الناس بالفعل عن الهولوكوست قليل جدًا.
إذن فعلا نعلم أن ثقافة الهولوكوست في المطاف الأخير ركزت على نقل الإحساس بالاستثنائية أكثر من تدريسه الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي، تاريخ معتاد، كجزء من تكوين العالم الحديث، خاصة في العقود الأخيرة. هذا هو الأمر الأول، الذاكرة العالمية للهولوكوست واختلال التنظيم متعارضان فعلا مع حقيقة تعليم الهولوكوست وتعلمهإ وإدراكها.
لكن الأمر الثاني، وغدا هذا بالطبع موضع حديث كثير مع حرب الإبادة في غزة؛ فنحن حقا نرى الآن، كما تعلم، نموا، في إنكار الهولوكوست، نموا ليس بارزا باعتقادي، كما تعلم، لكننا نرى بالتحديد علاماتٍ على إنكار الهولوكوست، قد تتطور او لا تتطور لأن الهولوكوست بالفعل مشكلة كبيرة في عالم إبادة غزة، وفي العالم الذي تشير إليه الإبادة، يمكننا التحدث أكثر عن هذا.
ذلك إذا ما فكرنا في عملية الإبادة كما يسخّر إسرائيل وحلفاؤها إبادة غزة نموذجا لعالم قادم، هذا ما ستلاقيه شعوب تتجاسر على مقاومة اي صنف من الإجراءات المفروضة عليها من قبل دول شديدة العنف، فالعالم حينئذ لن يحتفظ بالقانون الدولي، إنه عالم لاي مت بصلة مع "لن تتكررأبدًا ". إذن، هذا عالم بلا قانون دولي. عالم لايمت بصلة الى "لن يتكرر أبدًا"، إنما يتكرر ثانية وثالثة و.. .
بالطبع، عند هذه النقطة لا حاجة لثقافة الهولوكوست من اي صنف، لا حاجة لأي شيء. إذن ضمن هذا الإطار، بالطبع، إنكار المحرقة، فهذا إطار مرحب به جدا لإنكار المحرقة.
كريس هيدجز: دعني أسأل عن ذلك لأنك استخدمت كلمة "أزمة" في دراسات الهولوكوست. أعتقد، بعد أن أمضيتُ عقدين في تغطية الحروب، ظل أدب الهولوكوست بالغ الأهمية لإدراكي لقدرتنا على ارتكاب الفظائع الشريرة، ولإدراك ان الخط الفاصل بين الضحية والجلاد دائمًا ما يكون رفيعًا للغاية.
لهذا السبب أُعجب كثيرًا ببريمو ليفي؛ لكن لنتحدث عن تلك الأزمة. أعني، أعتقد أنها بالغة الأهمية دراسة الهولوكوست. لماذا تستخدم كلمة "أزمة"؟ ما الذي يحدث؟
راز سيغال: أعني، الأزمة مزدوجة. كما ذكرتَ في مقدمتك، كريس، فإن معاهد الذاكرة العالمية للهولوكوست، كما تعلم، وكما هو متوقع، جميعها وقفت مع هجوم إسرائيل على غزة، بالفعل شاركت في تسخير تاريخ الهولوكوست بصورة فجة سلاحا لتصوير الفلسطينيين نازيين، وتأطير هجوم حماس على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر مواصلة فعلية للهولوكوست.
وهذا يُمثل، في الأساس مشاركة في إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية في غزة. لذا نرى هذا في جميع أنحاء العالم، نراه في المتحف التذكاري للهولوكوست بالولايات المتحدة، نراه بالطبع في ياد فاشيم، مؤسسة الدولة في إسرائيل؛ نرى هذا في مؤسسة شواه في لوس أنجلوس، في التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، بالطبع، هذه المؤسسات قامت بما صُممت للقيام به أليس كذلك؟
ادعموا الدولة، وبالطبع ادعموا دولة إسرائيل. على المستوى الأكاديمي، هناك تداخل، تداخل كبير. لدى متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة فرع للأبحاث يقدم كذلك منحًا دراسية للطلاب والباحثين، لذا، هناك تداخل كبير بين معاهد إحياء ذكرى الهولوكوست في العالم وعالم الأكاديميا.
في عالم الأكاديميا، نرى انقسامًا كبيرًا مباشرة إثر 7 أكتوبر ً. أود القول انقساما كبيرا في ميدان الدراسات؛ وإذا كنا نفكر في دراسات الهولوكوست فقط، وليس في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، بما في ذلك بعض الأسماء البارزة، اعتقد أن الكثير من باحثي الهولوكوست، بل الأغلبية الساحقة للباحثين اتخذوا مواقف المعهد العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
صدرت رسالة مفتوحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حملت تواقيع حوالي 150 باحثًا في شؤون الهولوكوست، من بينهم أسماء بارزة، مثل يان غرابوفسكي، ساول فريدلاندر، وآخرون، كما تعلم ومرة أخرى لم يأت البيان على ذكر ولو جريمة واحدة للإبادة الجماعية. إسرائيل، مجددًا، لا تخطئ أبدًا. وما حدث، وفقًا لهذا البيان الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 من باحثي الهولوكوست، هو في الواقع استمرار للهولوكوست، ولمعاداة السامية.
إذن هذا، مرة أخرى، عن المشاركة، تسخير فج لتاريخ الهولوكوست في تبرير إبادة غزة. من جديد، هناك أمثلة أخرى، كتب بعض الباحثين في الهولوكوست مقالات افتتاحية أعادت إنتاج بروباغاندا الفظائع ضد إسرائيل، منها مثلا أربعين طفلاً قُطعت رؤوسهم في 7 أكتوبر، وهذا لم يحدث على الإطلاق.
نُشِر مقال بصحيفة هآرتس في نوفمبر 2023 شارك فيه خمسة باحثين في الهولوكوست، بمن فيهم الإسرائيلية دينا بورات، والأمريكي أفينوام بات، أعادوا إنتاج بروباغاندا قطع رؤوس الأطفال من الفظائع ضد اسرائيل، والتي غذّت الإبادة الجماعية في غزة، على الرغم من انه، بالصدفة، لدى كتابة المقال ، اتضح تماما للجميع ان هذا لم يحدث ابدا. واصلوا إعادة تقديمه في مقالاتهم، الأربعين طفلاً الذين قُطعت رؤوسهم. ما زالوا يعيدون إنتاجها في المقالا ت.
هكذا، البروفيسور ييهودا باوير، عميد دراسات الهولوكوست، وكان لم يزل على قيد الحياة، كتب مقالا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بصحيفة تايمز أوف إسرائيل وصف فيه حماس وإسرائيل بأنهما تعيشان في عالمين مختلفين: حماس عالم الهمجية، وإسرائيل عالم التحضر، إطار عنصري استيطاني كولنيالي شديد الوضوح، مرة أخرى، سكب الزيت على الإبادة الجماعية.
إذن، كان لدينا الكثير من ذلك، والغالبية العظمى من الباحثين في الهولوكوست بالولايات المتحدة، وبالتأكيد في ألمانيا، حيث، كما ذكرتَ في مقدمتك، يُعد دعم إسرائيل أحد عناصر عقيدة دينية، حسب منطق الدولة الألمانية.
ثم كان لدينا أقلية من باحثي الهولوكوست، وأنا من بينهم، كما تعلم، أمكننا التفكير في باحثين معروفين آخرين مثل عمر بارتوف، بالطبع، وآخرين تحدثوا منذ البداية علنًا عن جريمة الإبادة الجماعية. وكما هو معروف انتظر عمر بارتوف حتى مايو 2024 ليعلن اعترافه بجريمة الإبادة الجماعية.
كريس هيدجز: ألم يكن ذلك في عام 2025؟ ألم يكن ذلك في هذا العام؟ بارتوف؟
راز سيغال: كلا، بارتوف في مايو 2024، مع غزو إسرائيل لمدينة رفح، يساجل أنه اقر بجريمة الإبادة الجماعية. مرة أخرى، هناك تناقضات في أسلوب تأطيره موقفه في العام الماضي، صحيح، فيما يتعلق بالأشهر الأولى من هجوم إسرائيل على غزة. لكنه بلا مواربة ذكر جرائم إسرائيل، جرائم حرب واضحة جدًا، وجرائم ضد الإنسانية، وعن خطر الإبادة الجماعية.
على سبيل المثال، نزْع الصفة الإنسانية بفجاجة عن الناس كأن نطلق عليهم جميعًا حيوانات بشرية أو نازيين، أليس كذلك؟ إذًا، أقلية من علماء الهولوكوست اتخذوا هذا الموقف، وكتبوا عنه، وتحدثوا فيه. باري تراختنبرغ، على سبيل المثال، كان محوريًا جدًا في ذلك. وبضعة آخرون، لكنهم أقلية بين علماء الهولوكوست. أقول أزمة، جوابا على سؤالك، كريس، لأنه انقسام لا يمكننا جسره.
الناس، عدد كبير من اولئك الذين احتشدوا لكي يبرروا ما بات الآن في نظر عدد متزايد من الناس، عدد متزايد من الباحثين في الإبادة الجماعية، عدد متزايد من خبراء القانون الدولي، حتى بعض الإسرائيليين والصهاينة وأنصارهم إبادة الجماعية تجري في غزة، أليس كذلك؟
لا يوجد جوع. أعداد الضحايا الفلسطينيين مُضخّمة بالطبع في نظرهم. ونحن نعلم أن 62,000 فلسطيني قتلتهم إسرائيل حتى الآن في غزة، نعلم أن الأعداد الحقيقية ضعف هذا العدد على الأقل، إن لم يكن أكثر.
كلا، في نظر نورمان غودا، الأرقام مُضخّمة، وهي آلية كلاسيكية جدًا لإنكار الهولوكوست، أي تقليل الأعداد. لا يوجد جوع. لذا نرى اليوم باحثين في الهولوكوست يضفون المشروعية على الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وينكرونها، ولا تراجع عن الموقف. ما من وسيلة لحل الإشكال، على الأقل، الأسلوب الذي أراه صحيحا في هذا الوقت، لا سبيل لحل هذا، على الأقل كما أراه الآن. ولهذا السبب فقد تجاوز الأزمة، أليس كذلك؟


تسييس دراسات الهولوكوست أفقدها قيمتها
بهذا المعنى، ربما يُمكن الحديث بأسلوب ما عن وفاة دراسات الهولوكوست كميدان. يثير الاهتمام، ونحن ربما نتحدث عن وفاة دراسات الهولوكوست كميدان أن دراسات الهولوكست بالطبع، نشاهد في العقد الماضي وحتى في السنوات الأخيرة، نوعًا جديدًا مدهشًا من دراسات الهولوكوست تفتح آفاقًا جديدة وتثير أنواعًا جديدة من الأسئلة حول الغجر، والمثليين، أليس كذلك؟
هناك الكثير من الأبحاث الشيقة حول الهولوكوست، غير ان دراسات الهولوكوست كميدان أكاديمي، ربما اندثرت، وهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا، أليس كذلك؟ لو تداخلت دراسات الهولوكوست منذ البداية مع أيديولوجيا الذاكرة العالمية للهولوكوست، لربما يكون من الجيد ألا تكون دراسات الهولوكوست على الإطلاق..
وربما ينفتح الباب أمام أبحاث أكثر أهمية وإثارة حول الهولوكوست كتاريخ، تاريخ حقيقي. ونحن بأمسّ الحاجة إلى هذا النوع من الدراسات، هذا الصنف من الدراسات تتيح لنا القاعدة لصنف من الثقافة وصنف من النشاط السياسي الذي نحتاجه في العالم من حولنا اليوم.
كريس هيدجز: أعني، في مقال عمر بارتوف بصحيفة نيويورك تايمز، حيث وصفها بأنها إبادة جماعية، عبّر عن القلق، وبالطبع كان يشيد بشخص مثلك، الذي ندد بها في وقت مبكر جدًا باعتبارها إبادة جماعية، كما عبر عن القلق من أن دراسات الهولوكوست ستكون مجرد دراسات طائفية، وأنها ستغدو صنفا من الضمور، وتغذي كما كانت تغذى من قبل، لكنها ستغذي بطريقة أضيق بكثير هذا الجزء من ا لفرادة الصهيونية ولن تدرس على نطاق واسع.
راز سيغال: كما تعلم، ما يعنيه هذا حقًا، مرة أخرى، ما يمكن أن نسميه دراميا موت دراسات الهولوكوست. لكن فكّر في الأمر؛ يمكن للناس مواصلة الدراسة. المؤرخون أو علماء الاجتماع أو الأنثروبولوجيون أو أي نسق آخر لا يحتاجون إلى دراسات الهولوكوست كي يبحثوا في الهولوكوست، أليس كذلك؟

من ثم، بالطبع، هناك المجال الأوسع لدراسات الإبادة الجماعية، وهو قضية مختلفة. ليس لدينا الوقت الكافي للخوض فيه، وهناك أزمة كذلك، إنما من نوع مختلف. لكننا بأسلوب ما نواجه أزمة، وأزمة أوسع نطاقًا، في عالم الأكاديميا، حقا، هجمة غير مسبوقة على الجامعات هنا بالولايات المتحدة، لكن في كل مكان بأنحاء العالم.
لذا، السؤال الأوسع هو: ما نوع العالم الأكاديمي في المستقبل؟ ما صنف المجلات والصحف الأكاديمية والجامعات والبرامج الأكاديمية؟ ربما كل هذا سيختفي على أي حال، أليس كذلك؟ هذا هو صنف الإطار لدراسة الهولوكوست. لكن حقيقة أنه لن تكون هناك دراسات للهولوكوست، حقيقة أن أشخاصًا ممن ذكرتهم، أمثال نورمان غودا وأفينوم بات، هؤلاء الأشخاص الذين أحرقوا الجسور، والذين لا يستطيعون التراجع عن إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية، حقيقة أن هذا المجال إما أن يموت أو يتحول، بأسلوب معين ، إلى ما كان عليه دائمًا، ميدان بحث طائفي يهدف إلى تبرير وتسويغ مشروع دولة اسرائيل ونظام الدولة القومية على نطاق أوسع.
هذا في حد ذاته لن يعني أن دراسة الهولوكوست ستموت. بل على العكس تمامًا، كما ذكرت. بالطبع، المشكلة الأكبر لعالم الأكاديميا اليوم والهجمة التي نواجه لم تزل قائمة. ولكن مرة أخرى، موت دراسات الهولوكوست ليس تطورًا سيئًا.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني
- الحزب الديمقراطي: مهندسو الجبن متواطئون مع الفاشية
- قرار -الاتحاد من أجل السلام- والجمعية العامة للأمم المتحدة
- تسونامي زلزال نيويورك 2001 ماثل في الإبادة الجماعية وحروب ال ...
- مشكلة الأونروا انها تمثل حق العودة، والعودة حق راسخ
- ترامب يشيع الفاشية في الحياة السياسية والوعي الاجتماعي-2
- ترامب يشيع الفاشية في الحياة السياسية والوعي الاجتماعي
- اسرائيل الكبرى استراتيجيا صهيو امبريالية
- أميركا وبريطانيا وطلعات الطيران التجسسية إسهام مباشر في الإب ...
- اغتيال الصحافيين الفلسطينيين ممارسة للأبارتهايد
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
- فلسطين لم تكسب عبر التتاريخ فائض قوة يؤهل للتوسع
- امبراطورية داود حقيقة أم أسطورة ؟
- إبادة جماعية فصولها تجري بغواتيمالا..لكنها صامتة
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3
- بناء القوة لفلسطين ولنظام عالمي جديد
- تتمزق الأقنعة التنكرية-2


المزيد.....




- البرتغال تعاني مجددًا من الحرائق..مئات رجال الإطفاء يكافحون ...
- -أرسلوهم إلى بلادهم-: هل يهدد صعود اليمين المتطرف مستقبل بري ...
- بيان اللجنة التحضيرية للنهج الديمقراطي العمالي بمرتيلفرع مرت ...
- الاشتراكي الديمقراطي والمحافظين في مناظرة حول كيفية كسر العز ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- العدد 620 من جريدة النهج الديمقراطي
- السيناتور الأميركي يرني ساندرز يصف أفعال إسرائيل في غزة بـ-ا ...
- رسالة مفتوحة إلى نقابيي ونقابيات قطاع الصحة


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - فرادة اليهود وفرادة المحرقة النازية في صلب المشروع الصهيوني-2