|
ترامب يشيع الفاشية في الحياة السياسية والوعي الاجتماعي
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 11:09
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
هنري غيرو ترجمة سعيد مضيه "هي في الواقع طقوس عنف الدولة تقدم في عروض، وأعمال مسرح سياسي تودي مهمة تربوية . هذه الاستعراضات لا تنفر، إنما تؤدلج. تهمس بأن القسوة فضيلة، والقمع انضباط ، الانتقام عدالة، وأن الخوف بالذات إيقاع طبيعي للوجود اليومي" ، يصف البروفيسور هنري غيروكس الممارسات اليومية لإدارة ترامب يشغل هنري أ. غيرو حاليًا كرسي جامعة ماكماستر للمنح الدراسية بقسم الدراسات الإنجليزية والثقافية، وهو باحث متميز في تراث باولو فريري في التربية النقدية. ألف عدة كتب في التربية النقدية من اجل تعزيز السياسات الديمقراطية آخرها كتاب "الفاشية في المحاكمة: التعليم وإمكانية الديمقراطية" (بلومزبري، ٢٠٢٥). و ويشغل غيرو أيضًا عضوية مجلس إدارة مؤسسة Truthout- مجلة اليكترونية للصحافة الاستقصائية . العناوين الفرعية من وضع الكاتب، وفي النص تأكيد الكاتب لأفكار وأسماء اشار اليها المترجم بوضعها بين نجمتين.
يتسارع سباق إدارة ترامب نحو الفاشية بسرعة جنونية وعلى جبهات متعددة. ويكمن في قلب هذا التحول *ظهور الولايات المتحدة دولة عسكرية* ، دولة أسيرة تدمج مصالح المجمع العسكري الصناعي الأكاديمي مع الأيديولوجيات السامة لقومية العرق الأبيض والتفوق العنصري للعرق الأبيض. ما يحيل هذه اللحظة بالغة الخطورة ان إشعاال الحرب لم يعد مقصورا على الخارج؛ إذ باتت الحرب المبدأ المركزي لإدارة الحكم بالداخل. باتت الدولة ذاتها سلاحا ، تحولت الى الداخل ضد شعبها، أحالت الإرهاب الداخلي أمرا طبيعيا أداة حكم . سوط العسكرة قوة دافعة للسياسة الأمريكية، *والتي تعود جذورها المعاصرة إلى دولة الإرهاب التي أنشأها بوش وتشيني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر*، تزداد حدتهاً كأسلوب حكم في السياستين الداخلية والخارجية. الميراث المديد للتدخل الأمريكي المسلح في الخارج يظهر الأن في شوارع لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة، وكذلك في الجامعات والمحاكم، وحتى الملاعب الرياضية. وكما تشير ميليسا جيرا غرانت، "العملاء الفيدراليون هم الشباب الفخورون الجدد". الحرب الستدامة باتت تشن الأن ضد الأمريكيين، تكتسب شرعيتها كشرط عادي للسياسة . هذا إرهاب بالداخل، يحيل الى عنف الدولة الخطابات المثيرة ، الباعثة على الخوف والمصدعة لإنسانية البشر. إنه أحد أشكال سياسة الموت المُرتبطة بفكرة عوالم الموت وصعود نظامٍ أشبه بالجثث. وحسب تعبير أشيل مبيمبي، فإن "عوالم الموت" تُميِّز الأنظمة التي "تبزغ داخلها أشكالٌ جديدةٌ وفريدةٌ من الوجود الاجتماعي، حيث يتم إخضاع جماهير ضخمة لظروفٍ معيشيةٍ تُضفي عليها صفة الموتى الأحياء". نظام الإرهاب الداخلي الذي يرسيه ترامب ، خاصةً حربه ضد المهاجرين والمواطنين المُتجنسين، يندفع بمحرك للموت يُتكون من مهرجان للإبادة مقترن بإملاءات تراكم رأس المال، ديناميات السلالات الطبقية والعرقية، الاحتضانٍ الجسور ، استعراضٍات التواريخ العنصرية ورموز النازية الجديدة. في ظل فكرة ترامب عن رأسمالية العصابات وسياسات الانتقام، لا مجال بالولايات المتحدة إلا للقوميين المسيحيين البيض والأتباع المذعنين . لا وجود لمظهر الديمقراطية هنا، إنما فقط مخرجات رأسمالية العصابات تتقنع بزي القادم لاحقا . عندما تقدم حكومة على اظهار العنف والإكراه كي تجبرشعبها على الإذعان ، مدفوعةً بالنزعة القومية والعنصرية والتطرف السياسي، فإنها بذلك تحمل مواصفات الإرهاب المحلي. سياساتها ولغتها مصممة لزرع الخوف والإذعان وتكديس السلطة بأيدي الأثرياء. الخطاب اللاإنساني لا يجرح فحسب؛ بل يعاقب ، يسلب الدم ، ويُمهّد الطريق لعمليات الطرد، ومراكز الاحتجاز، وثقافة مُشبعة بالكراهية. كلمات، مثل "الغزاة"، "الحشرات" و"المجرمون" ، تُستخدَم سلاحا ضد المهاجرين ، تحيلهم فوائض بشرية . سياسات فصل العائلات والترحيل الجماعي، والاحتجاز لأجل غير مسمى، لم تتكون للعقاب فقط ، بل للإرهاب كذلك . وإذ يواجه ترامب بهذا الكلام المهين للانسانية وبسياسات مُشبعة بالعنف، فإنه يُعلن ببرود وبدون سخرية،* "الكثيرون يقولون ربما نريد ديكتاتورًا".* بوضوح يتجلى هوس ترامب التسلطي بالعنف وبإنزال العقوبات في مساعيه الدؤوبة لتجريم المعارضة، و استخدام الدولة سلاحا ضد من يُسميهم *"أعداء الشعب"*. طالب بتشريع عقوبات قاسية، بما في ذلك السجن،* لمن يحرق العلم الأمريكي*، وهو إجراء احتجاجي يحميه الدستور. يكتب ستيفن براغر في "كومون دريمز - حلام مشتركة" أن ترامب أصدر أمرًا تنفيذيًا يضع موضع التنفيذ بلوحات الإعلان وبآليات قانونية قد تسمح لـ" ’حراس فاشيين عشوائيين‘ مساعدته في قمع الاحتجاجات في أرجاء البلاد"، وفقًا لما قاله أحد المحامين البارزين في مجال الحقوق المدنية. علاوة على ما تقدم ، دعا إلى* إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في قضايا القتل بعاصمة البلاد*، مستخدمًا أقصى أشكال عنف الدولة كمشهد استعراضي وكتحذير في آن معا . هذه ليست مواقف استبدادية معزولة، بل هي أعمال إرهاب محلي مُعسكرة، مصممة لدمج العقاب والقمع والانتقام في صلب الحياة السياسية. ما نشهده حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية ليس مجرد تآكل المعايير الديمقراطية، بل صعود سياسة فاشية عدوانية، سياسة تستغل التهديد بالعقاب سلاحا لتمكين أهواء ترامب وغروره. وكما لاحظت روث بن غيات، بحق، يسعى ترامب لتحويل وزارة الدفاع إلى وزارة حرب، أداة فظة لسلطته الشخصية. إنه يتفاخر بإرسال قوات مسلحة إلى المدن التي يديرها الديمقراطيون ، الذين يزدريهم ، معتبرا الجيش جيشه الخاص. يؤكد الصحفي والمؤرخ ،غاريت غراف، خطورة هذا الانحطاط، ويقول ، "أمريكا تتزحزح اخيرا لمنحدر الفاشية". بينما لا يلجأ صراحة لاستعمال مصطلح الإرهاب الداخلي ، إلا أن تصويره لا يترك مجالًا للشك في أن سياسات إرهاب الدولة قد ترسخت في ظل نظام ترامب. يكتب غراف: "غدت أمريكا بلدًا يصرخ في شوارعه ضباط الدولة المسلحون "أوراق من فضلكم!"،بينما الرجال والنساء يعودون من العمل الى بيوتهم، مظهر مرتبط بالجيستابو في ألمانيا النازية، وحيث يترجل رجال مقنّعو ن من سياراتهم التي لا تحمل ماركة مميزة، يلقون القبض على رجال ويخطفونهم ، يخفونهم داخل نظام غامض يتركون أقاربهم يتوسلون معلومة عن اماكن وجودهم.
التعصب المناهض للشيوعية وشبح روي كوهن بالتحديد ، من هذا الهوس بالعقاب والإرهاب، يستحضر ترامب من الماضي سلاحا آخر من أقدم أسلحة الفاشية: التشهير بالشيوعية. في صلب سياسات الخوف هذه، تدان المعارضة بدون نقاش أو حوار ، بل يُوصمون بالخيانة. في عهد مكارثي، استُخدمت تهمة الشيوعية لإسكات المعارضة، وتفكيك النقابات، وتدمير أرواح - فكّروا بشكل خاص في "عشرة هوليوود". في عهد ترامب من جديد يجري التشهير المعادي للشيوعية، ليس للدخول في مقاشات ، بل سلاحا يهدف وصم حركات ومدن ومجتمعات بأكملها بأنهم أعداء للدولة. و رد مثال مرعب على ذلك في خطاب غاضب ألقاه *القومي داعية تفوق البيض ، ستيفن ميللر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض. في خطاب ألقاه بمحطة يونيون بواشنطن العاصمة في 20 أغسطس 2025،* أثناء التوقف عند مطعم شيك شاك مع نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الدفاع بيت هيجسيث، في زيارة لوحدات الحرس الوطني. انطلق من صياح المتظاهرين، ييوجهون الكلام الى ميللر في محطة يونيون، وقال: "إنهم الأفراد الذين واصلوا الهجوم على الواحد بالمائة . إنهم مجرمون ، قتلة، مغتصبون وتجار مخدرات. وأنا سعيد لوجودهم هنا اليوم، بسبب وجودي لأنني وبيت ونائب الرئيس سنغادر هذا المكان ، وبإلهام منهم، سنضيف آلاف الجنود إلى هذه المدينة لإنتزاع المجرمين وأعضاء العصابات. سنعطل هذه الشبكات، وسنثبت أن المدينة قادرة على خدمة المواطنين الملتزمين بالقانون. لن نسمح للشيوعيين بتدمير مدينة أمريكية عظيمة، ناهيك عن كونها عاصمة البلاد... عازمون على تجاهل هؤلاء الهيبيين البيض الأغبياء، ممن هم جميعا يحتاجون للعودة إلى منازلهم ليأخذوا غفوة لأن أعمارهم تجاوزت التسعين، ونعود إلى حماية الشعب الأمريكي وسكان واشنطن العاصمة." هنا، لا يُطلق وصف "الشيوعيين" على أيديولوجيا بعينها، بل يُستخدم سُبّة ، ورمز خيانة، مُصمّمًا لتجريم الاحتجاج ومحو المعارضة بالذات. وكما يُذكّرنا توم هارتمان، نادرًا ما تظهر الفاشية مع دباباتٍ تجوب الشوارع؛ بل تتسرب إلى الحياة اليومية من خلال لغة تُمجّد العنف، وتُشرّعن القسوة، وتُقدّس السلطة الاستبدادية. إذ يوصم النقاد بـ"الشيوعيين" و ويُسخَر من المتظاهرين بوصفهم "مجرمين" و"هيبيين أغبياء". يكشف خطاب ميللر كيف يمتزج الخطاب المُشبع بالكراهية بقمع الدولة، لتعهد ثقافةً يبدو فيها الخوف والعنف عاديين ، بل ضروريين. بالتاكيد يدرك المسار الذي اختطه. لغو العداء للشيوعية بأيدي جورج والاس وريتشارد نيكسون في *ستينات القرن الماضي سلاحا لتبرير الوحشية ضد "الأعداء المحليين":* الليبراليين، ونشطاء الحقوق المدنية، والطلاب الراديكاليين، واليساريين من جميع الأطياف. المفارقة لا لبس فيها: يُعيد ميللر إحياء الهستيريا المناهضة للشيوعية التي روجها روي كوهن، مُرشد ترامب ومزوده بالقدرة خلال أحلك أيام المكارثية، مدشنا بذلك مناخ خوف وإدانة دمر ذات يوم حياة الناس . والأن بعود من جديد معََْلما بارزا للحكم الاستبدادي. لا يترك التاريخ مجالًا للشك: قاموس مفردات مناهضة الشيوعية الذي أحياه ترامب، لغو "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، والمرضى النفسيون ، بعيدة كل البعد عن الإطناب في القول ، إنما هي استراتيجيا متعمدة ، سيناريو مُجرّب، لتقديس الحكم الاستبدادي، وشرعنة العنف الذي ترعاه الدولة، وإسكات المقاومة الديمقراطية. ميللر، المعروف بهجماته الشرسة على المهاجرين، *طالما كان المهندس الأيديولوجي لفاشية ترامب*. عنصريته وقوميته الضيقة تصب الدعم لثلاثة أعمدة هي ركائز أساسية لهذا المشروع: أولًا، يُصرّ ميللر على أن جميع المهاجرين هم مجرمون، لا ينفع معهم سوى الطرد أو السجن؛ ثانيًا، يضع هجومه ضد المهاجرين حجر أساس لإقامة دولة بوليسية، تقوّض العدالة والحقيقة والأخلاق والحرية بالذات؛ و ثالثًا، *أصبح قوة رائدة في الحرب على التعليم العام والعالي،* يرميهم بتهم "ثقافة سرطانية شيوعية واعية لما تقوم له " ، اي "تُدمّر البلاد". هذه اللغة، تردد اصداء مفردات ترامب، هي شيفرة لتفكيك الامكانيات النقدية والديمقراطية والشمولية للتربية : فرصة لمختلف فئات الطلبة كي يتعلموا ويتساءلوا ويتصرفوا ، مزودين بالمعرفة، أعضاء في مجتمع ديمقراطي . المدارس في نظر ميللر يجب ان لا تنشّط الوعي النقدي ، بدلامن ذلك تُغرس في الأطفال الوطنية، والتبجيل غير النقدي لأمريكا، والعداء تجاه "أيديولوجيا الشيوعية". معروفة بشكل مخيف تفاصيل الهجوم على وسائل التربية : حظر الكتب، وتبييض صفحات التاريخ وملئها بأساطير عنصرية، وإلغاء التربية النقدية، وتجريف القدرة على التفكير المطلع والأخلاقي. ما يبرز هو وسائل واساليب تربوية قمعية، من شأنها ان تمحو الذاكرة التاريخية، وتستأصل القيم الديمقراطية، وتحول التعليم إلى ورشة تلقين .
صعود الدولة البوليسية والهجوم على حق المواطنة
هذه ليست حملة معزولة. فالخطاب الأوسع للعنصرية وتفوق القومية البيضاء واضطهاد الدولة تتردد على السنة ترمب وزمرته من وحدات الصدمة بالميديا الرئيسة، يرددونها ببهجة التعصب، بدون حياء ، ونادرًا ما يطرحونها للتحري ، باعتبارها شريان الحياة للأيديولوجيا الفاشية. القوة التي تبيح هذا الاضطهاد هي ما يُضفي بريق الحتمية على عنف الدولة. مثال صارخ يوضح ذلك. كريستوفر روفو، أحد أبرز دعاة حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، أعلن مؤخرًا في منشور على موقع Substack يتوجب على وكالات مثل دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) "إرسال شاحنات صغيرة بدون ماركات ممميزة لتتبع المحرضين الرئيسيين و تختطفهم من الشوارع، بينما الميديا لا ترى ". على الدوام يكمن جوهر الفاشية في مثل هذه التفاصيل. يعلم ترامب وحلفاؤه لا انحراف في عمليات الاختطاف السرية والاختفاء القسري وانتشار العملاء الفيدراليين الملثمين الذين يرفضون الكشف عن هوياتهم ويتصرفون دون مساءلة؛ فهي السمة المميزة للأنظمة الاستبدادية. ولنكن صريحين ، فإرهاب ترامب في الداخل وحربه ضد المهاجرين ليسا مجرد قناع لإقامة دولة بوليسية، إنما كذلك يتيحان الفرص المذهلة لشركات السجون الخاصة كي تستفيد من محاولة ترامب المحمومة لسجن آلاف المهاجرين والمعارضين وأي شخص آخر يعارض أوهامه الديكتاتورية. إن تآكل الإجراءات القانونية الواجبة والعدالة المتساوية وقبل كل شيء حق المواطنة هو العلامة الأكثر رعبًا المميزة لدولة الحرب الجديدة . كما يقول جون غانز، فإن جوهر حركة ترامب هو اعتداء على مفهوم المواطنة الأمريكية بالذات، بداية من حق الميلاد وأكذوبة سرقة الانتخابات إلى محاولات التضييق على مواطنة حق الولادة وتوسيع إطار نزع صفة الطبيعي والمألوف. في عالم ترامب، لم تعد المواطنة قائمة كحق لا يقبل التصرف؛ لقد جُرِّد من شموليته، وأُعيدت صياغته كامتياز. بين يدي ترامب بات هبة او هراوةً في آنٍ معا، *"سلعةً قابلةً للتحويل والإ سترجاع "*، تُسخر للتجزئة وفرض الانضباط والتدمير. هذه هي رقصة الخوف الباردة التي أوجدتها الدولة، حيث غدت مظاهر الإرهاب والاختطاف والعنف والاختفاء مفردات الحكم واللغة التعبيرية للسلطة. لا يمكن فصل هجوم ترامب على المواطنة عن عسكرة أميركا الجارية على قدم وساق . وكما كتب غريغ غراندين في صحيفة نيويورك تايمز، "في صيم هذا الهجوم ’صراع حول معنى أمريكا‘، ويكشف عن عنصرية تفوق البيض المحركة لماغا ( لنعد اميركا عظيمة من جديد) ، وادعاء نظام ترامب السام بأنه سيقرر ’من يحق له أن يُطلق على نفسه لقب أمريكي في بلاد السيد ترامب.‘ " يضيف: "يشن السيد ترامب والفاعلون معه، أمثال السيد ميللر، حربًا ليس على المهاجرين فقط، بل أيضًا على مفهوم المواطنة. طبقا لأحد التقارير، طردت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ما يصل إلى 66 مواطنًا خلال فترة ولاية السيد ترامب الأولى، والآن أصدر أمرًا تنفيذيًا يُنهي حق المواطنة بالولادة. تُنفي حكومته الأطفال الذين وُلدوا في الولايات المتحدة، بمن فيهم صبي يبلغ من العمر 4 سنوات مصاب بسرطان في مرحلة متقدمة . تقول وزارة العدل إنها ’ُتعطي الأولوية لسحب الجنسية‘ ، وتضع إطارًا لسحب جنسية مواطنين مجنسين يعتبرهم البيت الأبيض غير مرغوب فيهم." إن تفكيك المواطنة هو إحياءٌ لواحدةٍ من أشد فظائع التاريخ قتامة : إحالة بلا جنسية، مطرودين ليس من بلاد فحسب، بل من فئة الإنسان بالذات - محرومين من الذاكرة والصوت والوجود ذاته. إن الترحيل والاحتجاز وسحب الجنسية ليست إجراءاتٍ بيروقراطية وحسب، إنما هي أسلحةٌ تطهير سياسي. هذا إرهابٌ بالداخل، ليس مجازا ولا مبالغةً، بل تحويلٌ منهجيٌّ لهذر تحريضي إلى أدواتٍ عنف الدولة. غانز مُحقٌّ: فهجوم ترامب على حق المواطنة يحمل بصمةً فاشية لا لبس فيها ، ومنطق نظام شمولي يولد من جديد ، آلة الشمولية الخاصة بالمحو تفعّل ضد الحاضر ، وتُجري صياغتها بعرض ملائم للتصوير الفوري والقسوة المندفعة تسفر عن نتيجة ممتعة. نستوعب *راشيل مادّو* كاملَ وطأة تمكين الاستبداد؛ تكتب في مقالها محذرة من ان الولايات المتحدة لم تعد تقف على حافة الهاوية، إنما باتت تعيش بالفعل وطاة ديكتاتوريةٍ وطيدة الأركان. الشرطة السرية تُختطف الناس من الشوارع، المهاجرون يضحى بهم عدوا أبديا ، وحتى المواطنون "ا ممن نشأوا بالوطن " مُهدّدون بفقدان جنسيتهم. أُعيد تصنيف مساحات شاسعة من الأراضي الأمريكية مناطق عسكرية، بها وحدات عسكرية مسلحة على أهبة الاستعداد تجري تدريبات قوى اعتقال. يجري بناء مراكز اعتقال ضخمة فوق القواعد العسكرية ، و ننم عسكرة الجامعات والصحافة والمحاكم، أو يجري تفكيكها . الفضاءات التي كانت يوما مكرسة لتأكيد حقوق. الأفراد وتوفير الحماية والرعاية، شأن الدولة ، باتت أسيرة عملاء مقنعين ومسلحين بعتاد تكتيكي. وكما أشار مارك بيترسون في مجلة نيويوركر، فإن الحيزات، مثل أروقة المحاكم غدت في قبضة قوى الترويع والخوف والاختفاء. الكلام الشائع حول الدولة المأسورة والحيزات المأسورة ليس مجازا ؛ فقد غدت تكتيكات فاشية معتادة في الزمن الحقيقي.
الاستعراضية أفيون وستار تعمل الاستعراضية وسيلة إلهاء ووسيلة تربوية في آنٍ معا. فمن خلال تصوير عنف الدولة كترفيه، سواءً من خلال المسيرات العسكرية أو التجمعات الانتخابية أو التغطية الإعلامية المثيرة، يُدرّب نظام ترامب الجمهور على اعتبار القمع الاستبدادي أمرًا طبيعيًا، بل ومرغوبًا فيه. الاستعراضية أحد أشكال الأمية المدنية: فهي مخدر للذاكرة التاريخية، وتقوّض الفكر النقدي، وتعيد تشفير الوحشية على أنها شعوروطني. الاستعراضية أكثر من مجرد إلهاء؛ فهي ستار دخاني للعنف المنهجي. خلف هذه المشاهد الممسرحة تكمن مراكز احتجاز سرية، وعسكرة المدن الأمريكية، وتقنيات مراقبة مصلتة على دقائق الحياة اليومية. إن تواطؤ وسائل الإعلام، المهووسة بالمواجهة المباشرة والتوازن، يُمكّن هذه العملية من خلال وضع قناع على الحقيقة الأعمق: صعود دولة حرب استبدادية في الداخل. ما يبرز ليس مجرد ثقافة إلهاء، بل هو اتخاذ الاستعراضية سلاحا بالذات. في عهد ترامب، أسفر نهم وسائل الإعلام للصدمات والدراما عن تحويل الاضطهاد السلطوي إلى ترفيه جماهيري، يغرق بيئة الجمهور بطوفان من صور العنف والمحو والغزو، كل ذلك بينما يجري تعزيز السلطة التنفيذية . عادت *فكرة جاي ديبورد حول مجتمع الاستعراضات* مصحوبة بالانتقام في ورطة السياساات الفاشية الأميركية . ما ترفضه وسائل الإعلام في أحيان كثيرة ، إذ تعتبره "تحولات ترامب" أو " حِيَله" هي في الواقع طقوس عنف الدولة تقدم في عروض، وأعمال مسرح سياسي تودي مهمة تربوية . هذه الاستعراضات لا تنفر، إنما تؤدلج. تهمس بأن القسوة فضيلة، والقمع انضباط ، الانتقام عدالة، وأن الخوف بالذات إيقاع طبيعي للوجود اليومي. تخيل تسليح الحرس الوطني في واشنطن العاصمة، الذي قُدِم للجمهور هيبة وطنية ، وليس عسكرة الحياة المدنية. وتم إخراج الغارة على منزل جون بولتون، الذي كان مستشارًا مقربًا، ثم ناقدًا، مسرحية في الأخلاق الوطنية ينزل بالخيانة العقاب جهار ا. حملات ترامب الانتقامية ضد خصومه، مثل *المدعية العامة لنيويورك، ليتيتيا جيمس*، وآدم شيف، وغيرهما ممن يطلق عليهم "أعداء الدولة"، تتحول الى مشاهد بشعة للانتقام، مسرح سياسي يحركه مطلب ملح للولاء التام. تتكشف هذه التصرفات عن استعراض قوة علني تؤديه السلطة ، مُشيرةً بلا توقف بأن المعارضة لن تجبر على السكوت فقط ، إنما تجرم كذلك. قصف المنشآت النووية الإيرانية يصور على أنه ا إظهار للقوة، وليس تصعيدًا متهورًا؛ بينما مداهمات عملاء دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) الملثمين لخطف مهاجرين تتجول الى عمليات درايية للأمن الوطني . يتكرر بلا نهاية أداء هذه المشاهد عبر وسائل الإعلام، تمزج الإرهاب باساليب التربية ، والقسوة بالقبول ، أداء وتهدبد لا لبس فيهما. لكن تحت هذا المشهد تكمن حقيقة أعمق: ديكتاتور مُفترض يستخدم سلطة الدولة ضد الشعب ومبادئ الديمقراطية، وليس من أجلهما. يستهدف عنف الدولة اليوم ضحايا دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) والطلاب والمتظاهرين والمعارضين وأي شخص على قائمة ترامب للانتقام - ولكن في النهاية، لا أحد في مأمن من نظامه الفاشي. يتبع لطفا
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسرائيل الكبرى استراتيجيا صهيو امبريالية
-
أميركا وبريطانيا وطلعات الطيران التجسسية إسهام مباشر في الإب
...
-
اغتيال الصحافيين الفلسطينيين ممارسة للأبارتهايد
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
-
فلسطين لم تكسب عبر التتاريخ فائض قوة يؤهل للتوسع
-
امبراطورية داود حقيقة أم أسطورة ؟
-
إبادة جماعية فصولها تجري بغواتيمالا..لكنها صامتة
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
-
بناء القوة لفلسطين ولنظام عالمي جديد
-
تتمزق الأقنعة التنكرية-2
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
-
ترامب يعاقب ألبانيز!!
-
تقرير ألبانيز يتهم شركات عالمية بالمشاركة في الإبادة الجماعي
...
-
مؤامرة العصر لاختطاف فلسطين
-
تسليك الدروب نحو دولة إسرائيل الكبرى-4
-
تسليك الدروب نحو دولة إسرائيل الكبرى-3
-
تسليك المعابر الى إسرائيل الكبرى – حلقة 2
المزيد.....
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي: تعزية في وفاة
...
-
م.م.ن.ص// تعزية في وفاة المناضل أحمد الزفزافي
-
الإيجار القديم: من أزمة سكن إلى معركة طبقية
-
ندوة: مهام النضال الشعبي وآفاق المشروع الاشتراكي البديل في ظ
...
-
لماذا يتهم المؤرخ إريك توسان الصين والهند وروسيا بأنها ”شركا
...
-
عن الإبادة الجماعية في غزة وإنكارها
-
رائد فهمي يلتقي سكرتير الحزب الشيوعي البريطاني ويحيي مؤتمر ش
...
-
ألمانيا تواصل تسليح الإبادة الجماعية في غزة
-
عمال”أرمنت ودشنا وإدفو وكوم أمبو” يضربون للمطالبة بزيادة الر
...
-
بــــــــــــلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|