خيرالله قاسم المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 17:03
المحور:
الادب والفن
البيتُ ذاكَ، يُجاوِرُ بَيْتِي.
بَيْتٌ عادِيٌّ فِي الظَّاهِرِ،
لَكِنَّ جُدْرانَهُ تَتَهَامَسُ كُلَّ مَسَاءٍ،
كَأَنَّها تَعْرِفُ سِرًّا دَفِينًا.
فِيهِ امْرَأَةٌ،
لَا تُجِيدُ النُّطْقَ،
قُطِعَ لِسانُها يَوْمَ كانَتْ طِفْلَةً وَحِيدَةً
تُغَنِّي لِلْمَهْدِ.
كانَ صَوْتُها مِثْلَ عُصْفُورٍ صَغِيرٍ
يَفْتَحُ جَناحَيْهِ نَحْوَ الفَجْرِ،
لَكِنَّهُمْ خَشُوا أَنْ يَكْبُرَ العُصْفُورُ
وَيَصِيرَ نَشِيدًا.
فَقَطَعُوا لِسانَها،
وَتَرَكُوها صَمْتًا مُتَجَمِّدًا
فِي جَسَدٍ صَغِيرٍ.
كَبُرَتِ الْمَرْأَةُ بِلا أُغْنِيَةٍ،
لَكِنَّ عَيْنَيْها ظَلَّتا تُسَبِّحانِ بِالْحُرُوفِ،
وَابْتِسامَتُها كانَتْ مَقْطَعًا ناقِصًا
مِنْ تَرْنِيمَةٍ لَمْ تُكْتَمَلْ.
كُلَّما مَرَرْتُ قُرْبَ بَيْتِها،
شَعَرْتُ أَنَّ الْجُدْرانَ تُنادِينِي:
"هُنا يَسْكُنُ الصَّوْتُ الْمَذْبُوحُ".
فَعَلْتُ ما لا يُفْعَلُ.
قَطَعْتُ لِسَانِي،
لِأَلْتَحِقَ بِصَمْتِها،
كَأَنَّنِي أُقَدِّمُ قُرْبانًا
فِي مَعْبَدٍ خَفِيٍّ.
ذَهَبْتُ إِلَيْها،
قَبَّلْتُها فَارْتَجَفَ اللَّيْلُ،
قَبَّلَتْنِي فَانْفَتَحَتْ أَبْوابُ العَتْمَةِ.
الْتَقَيْنا هَكَذا:
هِيَ بِلا لِسانٍ،
وَأَنا بِلا صَوْتٍ،
كَأَنَّنا لُغَتانِ مَسْلُوبَتانِ،
أَوْ شَعْبانِ مَنْسِيَّانِ،
يَحْتَضِنُ أَحَدُهُما العَتْمَةَ
وَيَحْمِلُ الآخَرُ دَمَهُ قُرْبانًا.
وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ،
لَمَحْتُ أُغْنِيَةً تَعُودُ مِنْ بَعِيدٍ،
تَخْرُجُ لَا مِنْ حَنْجَرَةٍ،
وَلَا مِنْ لِسانٍ،
بَلْ مِنَ الْجُرْحِ ذَاتِهِ.
كَأَنَّ اللَّقاءَ كانَ وِلادَةً ثانِيَةً:
لِلصَّوْتِ، وَلِلْأُغْنِيَةِ، وَلِلْحُلْمِ.
#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟