أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - صيحات ومآسي الأرض














المزيد.....

صيحات ومآسي الأرض


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 08:47
المحور: الادب والفن
    


تمضي الأيام على إيقاع ليلٍ لا ينتهي، وفجرٍ ينهض على أنين المآذن في قلب المدينة وأطرافها النائية. حيث الأسئلة المُعلَّقة في الهواء، يتحفز الأهالي والصيادون، على نغم طبلةٍ غجريةٍ قديمة، ورثوها عن ممتهني الغناء والرقص والناي والرباب. كانت سلعةً تُباع في الأفراح، وطقسًا جماعيًا في زمنٍ مضى، لكنها بقيت في ذاكرة المدينة كجرسٍ يهزُّ الأعماق.

كلما دقّت الطبلة، اجتاحت الفوضى الأزقة. بين أدعيةٍ مختنقة وبكاءٍ متقطّع، وصرخاتٍ تعاتب الدهر، تتصادم مع هتافاتٍ عمياء لا تعرف معنى. يتعاقب الصراخ كأمواج بحر هائج، حتى كأن الوجود نفسه يستلهم من أنفاسهم غبار التاريخ، فيفتح فمه ليخنقهم، ليبتلع أصواتهم بشراهة.

على الأرض العطشى التي تتوق إلى المطر، حيث يمتزج الطين بدموع الداعين، مدت النساء أيديهن نحو السماء، لا طلبًا للماء، بل برهانًا على أن السماء ما زالت هناك. أما الرجال، فقد التصقوا بالجدران، جدرانٌ اعتادت فرارهم، حفظت أسرار خيباتهم من فرط انحنائهم عليها. ضحكوا أحيانًا ببهجةٍ ممزوجةٍ بأوهام، وبكوا أحيانًا كما لو أن البكاء نفسه صار دعاءً مقلوبًا، مشبعًا باللعنة.

لم يعُد الهتاف والبكاء نقيضين، بل صارا وجهين لجدارٍ واحد، أو عملةً مُزيفة، كقدمين ترقصان على جمر: تضحكان من ألم الحريق، وتصرخان من لهيبه. كل كلمة في الساحات كانت مشطورة: نصفها نورٌ يهتدي به الضالون، ونصفها الآخر دمعةٌ تذوب في الظلام.

في أول النهار، وعلى الطريق الذي يشطر المدينة إلى نصفين، برز رجلٌ غريبُ الملامح: يحمل قربة ماء على كتفه الأيسر، وحقيبةً تشبه مكتبةً متنقلة، مليئةً بكتب الأدب والعلوم، لكن أغلبها روايات ودواوين شعر من أساطير المدينة. لم يجرؤ أحد على لمسها، فالكتب هنا لا تُسرق، بل تُورَّث. اختلفوا عليه: شاعرٌ تائه؟ أم أنَّه تاريخ المدينة نفسه؟ خرج من متاهات المكتبات المنسية، كصفحةٍ سقطت من مخطوطة قديمة.

وقف على منصةٍ وسط الزحام، وصرخ بصوته الأجش: "أنتم مرايا عابرة، تعكسون ما لا يُرى! أنتم لستم من يصرخ، بل التاريخ يصرخ من خلالكم. أنتم لستم من يهتف، بل الأرض تهتف باسمكم!"

ضحك البعض حتى سقطوا على الأرض، وبكى آخرون حتى جفّت مياه النهر. أما الأطفال، فظلوا يرسمون دوائر بالطباشير، يحبسون داخلها صدى الصراخ، لكي لا يضيع.

تكورت المدينة كرمزٍ غامض: نصف وجهها مغسول بالدموع، ونصفها الآخر مرسوم بابتساماتٍ زائفة. أصواتها بين مواويل حزينة وبكاء دامٍ. وفي الأعماق، كان التاريخ يمسك بخيوط الحاضر، يسأل: أيهما الخلاص؟ البكاء أم الهتاف؟ أيها الضحك: هل أنت عدونا أم وريث مآسينا؟

وعند الغروب، توقفت طبلة الغجر فجأة. سكت العتاب، خفتت الأصوات، وبقي الصدى يدور ككوكبٍ تائه. حينها أدرك أهل المدينة أنهم ممثلون في مسرحية عبثية لا تُغلق ستارتها. مسرحية عنوانها: "صرخات وأنين في متاهة الوجود."



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزف منفرد
- ما وراء الوجود
- مسطبة البقاء
- وردة وربابة بيضاء
- حزين
- تَرَاتِيلُ الفَجْرِ وَاللَّيْل
- المهدِ واللَّحْد
- إهْدَاء
- نُبُوءَات فِي نَارِ المَعَارِك
- غزّيون إنجاب
- الصف اللامنتهي
- محطات ساكنة
- رحلة الظامئ إلى القبر المهجور
- **.جدارمهملة .**
- **أحلام رجل في مفترق الضباب**
- “بكاء الماء الندي”
- الدخان الأسود
- لون الماء
- تراتيلُ الحُزْنِ
- وجه اخرمن غبار


المزيد.....




- ضياء العزاوي يوثق فنيًا مآسي الموصل وحلب في معرض -شهود الزور ...
- إشراق يُبدد الظلام
- رسالة إلى ساعي البريد: سيف الدين وخرائط السودان الممزقة
- الأيقونات القبطية: نافذة الأقباط الروحية على حياة المسيح وال ...
- تونس ضيفة شرف في مهرجان بغداد السينمائي
- المخرجة التونسية كوثر بن هنية.. من سيدي بوزيد إلى الأوسكار ب ...
- نزف القلم في غزة.. يسري الغول يروي مآسي الحصار والإبادة أدبي ...
- فنانون عراقيون في مواجهة الحرب بمعرض في طهران + فيديو
- بغداد تتنفس -ثقافة- بمهرجان الكتاب الدولي وقطر ضيف شرف في قل ...
- مهرجان الإسكندرية يكشف عن أقوى 10 أفلام سياسية في تاريخ السي ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - صيحات ومآسي الأرض