أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - موسم الذباب














المزيد.....

موسم الذباب


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


عمَّ الذبابُ أرجاءَ المدينةِ. لم يَعُدِ الهواءُ سوى شبكةٍ من طنينٍ، يتساقطُ على المآقي دموعًا، ويستوطنُ الكحلَ في عيونِ النساءِ كوشمٍ من سوادٍ أبديٍّ.

تسألُ الصبيةُ أمَّها: – كيف نستحمُّ؟ – كيف ننامُ؟ – كيف نأكلُ في هذا الخرابِ الطائرِ؟

تردُّ الأمُّ بوجهٍ أصفرَ مكفهرٍّ: "لا عليكِ، سيأتي السحرةُ والمنجمون. رأيتُهم من قبلُ: في ختانِ أبيكِ حين غنّوا، في عرسِه حين باعوا البخورَ للراقصين، وفي مأتمِه حين خلطوا دموعَ النساءِ برمادِ الطلاسمِ نفسِها."

في السوقِ، الباعةُ يغرفونَ الذبابَ مع الفاكهةِ. رمانٌ مغطّى بجناحينِ، عنبٌ يتفتَّتُ تحت أقدامِ الذبابِ، والناسُ يشترون ويأكلونَ، كأنهم اعتادوا أن يبتلعوا الخرابَ.

السحرةُ هناك أيضًا: يبيعون أوراقًا صفراءَ كُتِبَت بحبرٍ مائعٍ، ويقولون: "من يعلِّقها على صدرِه لن يعرفَهُ الذبابُ." لكنَّ الذبابَ كان أولَ مَن حطَّ على تلك الأوراقِ.

في العرسِ، كانتِ الطبولُ تدقُّ، لكنَّ الطنينَ كان أعلى. ذبابٌ يشاركُ العروسَ، يحطُّ على الكعكِ والحلوى، ويُقَبِّلُ وجوهَ النساءِ كما لو كان العريسَ نفسَهُ. ضحكَ الناسُ، ورقصوا، لكنَّ الطنينَ ظلَّ يختلطُ بالموسيقى، كأنَّه المايسترو الحقيقيُّ.

في المأتمِ، يبكي الرجالُ وتولولُ النساءُ، لكنَّ الذبابَ كان الأسرعَ إلى الدموعِ. يحطُّ على الخدودِ، يدخلُ في أفواهِ النائحينَ، يرقصُ فوقَ الأجسادِ المسجّاةِ، كأنَّه وريثُ الموتِ الشرعيُّ.

المنجمونَ يرفعونَ أصواتَهم: "لا تخافوا، هذا موسمٌ قصيرٌ. سيزولُ الطنينُ إذا صبرتُم." لكنَّ الطلسمَ نفسَهُ كان يهتزُّ بجناحينِ.

في البيوتِ، غطَّى الذبابُ المرايا، فلم تعدِ النساءُ يتعرَّفنَ على وجوهِهِنَّ. وجهُ الطفلِ تحوَّلَ إلى بقعٍ سوداءَ متحركةٍ. الآباءُ طردوهُ بالمكانسِ، لكنْ كلما طردوا سربًا، عاد سربٌ أكبرُ.

تهمسُ الأمُّ لابنتِها: "لا تخافي… إنَّه موسمٌ. مواسمُ الذبابِ مثلُ مواسمِ البشرِ: تأتي محمَّلةً بالصراخِ، وترحلُ محمَّلةً بالخرابِ."

لكنَّ الذبابَ لم يرحلْ. كبرتْ أسرابُه حتى صارتْ جيشًا، تجمَّع في السماءِ على هيئةِ وجهٍ واحدٍ: نصفُه يضحكُ، نصفُه يبكي.

صرختِ الصبيةُ: "أما زالوا يقولون: موسمٌ ويزولُ؟ لكنِّي أرى أنَّ الذبابَ هو نحنُ، وجوهُنا المثقوبةُ، ذاكرتُنا السوداءُ، صراخُنا الذي يطيرُ بأجنحةٍ!"

ضحكَ الذبابُ ضحكةً ساخرةً، ضحكةً كإلهٍ ساخرٍ قديمٍ، ثمَّ نزلَ على المدينةِ كستارةٍ، طمَسَ العرسَ والمأتمَ والسوقَ والبيتَ، حتى لم يبقَ سوى طنينٍ واحدٍ، طنينٍ يشبهُ نشيدًا أبديًّا، يقولُ:

"أنا مرآتُكُم. أنا أنتم. أنا موسمُكُم… موسمُ الذبابِ."



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا زُهْدي
- صيحات ومآسي الأرض
- عزف منفرد
- ما وراء الوجود
- مسطبة البقاء
- وردة وربابة بيضاء
- حزين
- تَرَاتِيلُ الفَجْرِ وَاللَّيْل
- المهدِ واللَّحْد
- إهْدَاء
- نُبُوءَات فِي نَارِ المَعَارِك
- غزّيون إنجاب
- الصف اللامنتهي
- محطات ساكنة
- رحلة الظامئ إلى القبر المهجور
- **.جدارمهملة .**
- **أحلام رجل في مفترق الضباب**
- “بكاء الماء الندي”
- الدخان الأسود
- لون الماء


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - موسم الذباب