أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم الناقد العراقي د.عادل جودة














المزيد.....

‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم الناقد العراقي د.عادل جودة


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


‏قراءة أدبية في رواية "حبوب نفسية" للكاتبة رانية مرجية
بقلم الناقد العراقي د.عادل جودة

‏رواية "حبوب نفسية" هي عمل أدبي شديد الخصوصية والعمق لا يتناول المرض النفسي كحالة طبية بقدر ما يتعمق في أغوار الروح الإنسانية وصراعها من أجل التقبل والسلام.
‏ إنها ليست رواية عن الدواء
‏ بل عن "العادة" اليومية للعيش والشفاء.

‏أولاً: عتبات النص:
‏ المقدمة والنهاية كإطار ميتافيزيقي

‏تقوم الرواية على ثنائية متقنة تبدأ بها وتنتهي. المقدمة تعلن رفضها للتصنيفات التقليدية:
‏"ليست حكاية عن مرض ولا عن دواء".
‏وهذا الإعلان هو مفتاح القراءة
‏ فهو يحول مسار القارئ من البحث
‏ عن قصة مرض إلى تأمل رحلة وجودية.

‏وفي النهاية تكرس البطلة "ليان" هذا المفهوم بشكل عملي وشعري:
‏ "الشفاء لم يكن وعدًا... كان عادة أختارها كل يوم". هاتان العتبتان تشكلان إطارًا فلسفيًا للرواية بأكملها يحوّل السرد من حدث استثنائي (المرض ثم الشفاء) إلى ممارسة يومية مستمرة مثل اختيار كوب ماء عند الفجر.
‏هذا يجعل عملية الشفاء هشة وإنسانية قابلة للكسر، ولكنها أيضًا متجددة وقابلة للاختيار كل يوم.

‏ثانيًا: الانزياح باللغة:
‏السرد الشعري بين الاعتراف والقصيدة

‏السمة الأبرز للرواية هي لغتها الشعرية المكثفة
‏التي تعمل على تخفيف الحدود بين الأجناس الأدبية. اللغة هنا ليست وسيلة للسرد فقط، بل هي جزء من عملية الشفاء ذاتها.
‏الكتابة تصبح طقسًا:
‏ "أكتب السطر الأخير لهذا الصباح".

‏تتحول التفاصيل العادية إلى استعارات عميقة:

‏·• الظل:
‏لا يُصوَّر كعدو يجب القضاء عليه بل كجزء من الذات يجب إقامة سلام معه.
‏ وجوده في النهاية "حجمه مناسب لزاوية الضوء" يدل على القبول والتعايش.
‏·• البيت:
‏ هو الاستعارة المركزية.
‏إنه ليس مجرد مكان مادي، بل هو النفس الداخلية. بدايةً "يتسع للغياب لكنه لا يسلمه المفاتيح"
‏ وفي النهاية تخاطبه البطلة:
‏ "يا بيت... اتسع".
‏هذا التحول من التسع للغياب إلى التسع للنهار الذي "يدخل مثل صديق يعرف أين يضع معطفه"
‏يرمز إلى الانتقال من الاكتئاب والانكفاء
‏ إلى الانفتاح على الحياة والآخر.
‏·• المفاتيح:
‏ترد كرمز قوي.
‏في المقدمة البيت لا يسلم الغياب مفاتيحه (أي لا يستسلم له تمامًا).
‏وفي النهاية، "السماء توشك أن تسلم الصبح مفاتيح الأزقة" مما يشير إلى انتقال السلطة من الليل (الاكتئاب/الخوف) إلى النهار (الضوء/الحياة).

‏ثالثًا:
‏ شبكة العلاقات:
‏عالم من الدعم الحاني

‏الشخصيات المحيطة بليان (الأم، الصديقة، الجارة) ليست شخصيات ثانوية تقليدية بل هي تمثل شبكة الأمان العاطفي التي تمكنها من مواصلة رحلتها.
‏ كل واحدة تقدم نوعًا مختلفًا من الدعم:

‏√· الأم التي تحمل خوفًا قديمًا:
‏ تمثل الحب المثقوب بالقلق، لكنه حاضر.
‏√· الصديقة التي ترسم أبوابًا مفتوحة:
‏ تمثل الأمل وإمكانية الخروج والاتصال بالعالم.
‏ √· الجارة التي تصر على رائحة النعناع:
‏تمثل دفء الحياة اليومية والعادات البسيطة التي تربطنا بالوجود.

‏هذه التفاصيل الصغيرة (رائحة النعناع، خبز يُخبز في فرن بعيد، قطة قانعة) هي "حبوب" الرواية الحقيقية إنها تفاصيل العالم التي تمنحها ليان سببًا للبقاء.

‏رابعًا: الخاتمة المفتوحة:
‏ الشفاء كرحلة لا تنتهي

‏النهاية هي ذروة الانزياح عن النمط التقليدي.
‏لا توجد "نقطة نهاية" واضحة، لا انتصار مطلق ولا هزيمة ساحقة.وبدلًا من ذلك، هناك انفتاح متعمد وجميل:

‏• "لا أبحث عن نقطة نهاية أترك السطر مفتوحًا":
‏هذه جملة ميتاسردية (تتحدث عن عملية السرد ذاتها) تعكس فلسفة الرواية.
‏ الحياة مستمرة والشفاء عملية متواصلة.
‏• "كما يُترك باب موارب لنسمة تعرف طريقها": استعارة جميلة توحي بالثقة في أن ما هو آتٍ (النسمة/الحياة/السلام) سيعرف طريقه إذا تركت له مساحة.
‏• "أطفئ المصباح، وأترك الضوء يأتي من العالم":
‏هذه هي النقطة الأكثر قوة.
‏ إنها لحظة استسلام إيجابي، حيث تتخلى عن محاولة صناعة نورها الخاص (المصباح) وتثق في الضوء الطبيعي القادم من العالم الخارجي
‏ من الحياة ذاتها.

‏---

‏خاتمة القراءة

‏"حبوب نفسية" هي رواية قصيرة-قصيدة طويلة.
‏إنها عمل عن قوة القبول بدلًا من القتال
‏ عن اكتشاف القداسة في التفاصيل الصغيرة
‏وعن بناء بيت النفس ليتسع لكل من الظل والضوء. الكاتبة رانية مرجية تقدم لنا هنا ليس مجرد رواية
‏ بل منهجًا شعريًا للعيش
‏ حيث يكون الشفاء اختيارًا يوميًا
‏ ويكون الأمل موجودًا في أبسط الأشياء:
‏"ماء واسم ونافذة ومن يقرع الباب بأدب".

‏تحياتي واحترامي



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابنة الزيتون التي جعلت من الألم قصيدة
- محمود البريكان بين العُزلة والتأمّل ، قراءة مُنمَّقة في كتاب ...
- قصة إنسان – سفر الثورة والخلود
- ذاكرة الموج
- صدور رواية “جسد الطوائف” للكاتبة رانية مرجية
- الفخ انكسر
- عندما بكى الله
- ديوان هايكو
- همس اللامرئي
- ذاكرة تحترق… وحب بلا ملامح
- أدبيات السفر: رحلة الروح بين ضفتين
- ضياع
- مقال رأي: لا تغترّوا بالباطل
- هلوسة المقبرة
- متوحدين ولكن
- بين الموروث الديني والموروث الثقافي… أين نقف اليوم؟
- شكر للأديب والشاعر والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- أنفاس فلسطين – رِنغا هايكو
- د. عادل جودة - تحليل أدبي لـ -هايبونات المحبّة- للشاعرة راني ...
- القتل فخرًا


المزيد.....




- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم الناقد العراقي د.عادل جودة