أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف














المزيد.....

ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 15:47
المحور: الادب والفن
    


كنت محظوظا هذا الأسبوع وأنا أحتفي مع نفسي بالمولد النبوي الشريف عندما استمعت إلى ثلاثة أصوات غنائية عربية شابة، لم أسمعها من قبل، تدخل صوتها في رهان موسيقي بالغ الصعوبة وهي تعيد أداء أنشودة “محمد يا رسول الله” التي كتبها الشاعر عبدالفتاح مصطفى وأرخ فيها الموسيقار جمال سلامة لما يجعل الموسيقى ترقى بجوهرها إلى آماد روحية بعيدة. فسلامة لم يلحّن القصيدة كنص فقط، بل جعلها رحلة وجدانية: الجملة الموسيقية لا تتكرر إلا لتأخذ معنى جديدًا في المرة الثانية.
وكانت ياسمين الخيام الفنانة المعتزلة حاضرة اليوم وهي تؤدي تلك الأنشودة الدينية التي مر عليها أكثر من نصف قرن بروحانية معبرة، عندما قدّمت اتساقًا أدائيًا نادرًا: نَفس محسوب، ذبذبة منضبطة، زخرفة خادمة للمعنى، ودينامية لا تكسر السكينة.
إعادة أداء “محمد يا رسول الله” من قبل أصوات معاصرة تنم عن مسؤولية عالية وحس ذوقي يبقي الموسيقى المعبر الأمثل عن الروح الإنسانية المتسامية مع قيمها.
كانت هذه الأنشودة بمثابة بصمة خاصة في مسيرة ياسمين الخيام، إذ جمعت بين صفاء صوتها والقوة الروحانية في اللحن والكلمات. وهي تمثل نموذجًا لأسلوب جمال سلامة في تحويل النصوص الدينية إلى تجربة وجدانية ملحّنة، لا مجرد جمل موسيقية تقليدية.
يبدأ اللحن بمدخل مقام العجم، وهو مقام روحي قريب من السمع الشرقي، يمنح دفئًا وطمأنينة، ويلائم الخطاب النبوي. التنقلات تتم بسلاسة إلى الكرد في بعض الجمل، بما يضيف لونًا شجيًا وحزنًا نورانيّا.
الجمل الموسيقية ليست متساوية الطول، بل تأتي وكأنها تستجيب للمعنى اللحظي للكلمة، وهذا يعطي إحساسًا بأن النص يفرض إيقاعه على الموسيقى، لا العكس.
عند لفظ اسم “محمد” يمدّ اللحن الكلمة بامتداد شرقي يفتح مسافة للتأمل، وكأنه يضع الاسم الشريف في فضاء موسيقي أوسع.
المدّ على الميم والحاء بجملة صاعدة تزيد نصف درجة عن التوقّع، لتشعّ هيبة الاسم. الذروة ليست صاخبة؛ ذروة مضبوطة تومض وتخمد بسرعة، فتترك أثر الوقار.
عند “يا رسول الله” يأتي الصعود اللحني المشرق، يعلو السلم ويستقر في ذروة نغمية، بما يعكس النداء والابتهال.
الكلمات ذات الطابع الدعائي أو الابتهالي تُعالج برجاء موسيقي متصاعد موجع ومتوسل، بينما الكلمات الوصفية الهادئة تُؤدى في مساحات أفقية أكثر هدوءًا.
اعتمد جمال سلامة على إيقاعات هادئة (أقرب إلى السماعي أو الوحدة البطيئة)، لكنها غير نمطية، بحيث تترك للمطربة مساحة في التطريب التعبيري. ولعب التوزيع الوتري والناي، والبيانو خصوصًا، دورًا في إحاطة الصوت بجو روحاني. لم يعتمد على كثافة الآلات، بل على الفراغات التي تعطي للنص مجالًا كي يُسمع بوضوح.
القوة في اللحن أنه يفتح مساحة للتجلي الروحي، أي أن السامع لا يشعر بأنه أمام عمل غنائي، بل أمام ابتهال جماعي متكامل. هنا يتجلى منهجه: المفردة ليست آلية لبناء جملة، بل روح يخرجها من النص.
وهكذا قدم سلامة في هذه الأنشودة نموذجًا فريدًا: لحن يخضع تمامًا للمعنى الروحي، لا للعرض الموسيقي. تكمن براعة اللحن في أنه يرتقي بالكلمة بدل أن يزخرفها، فكان العمل أقرب إلى صلاة مسموعة، لا مجرد أنشودة. بينما كان التوزيع الهارموني وترات ناعمة كسجادة صوتية، ناي يتسلّم التنهدات بين الجمل، وقانون يلمّح إلى المقام بلا زخرفة زائدة. فيما بقيت المساحات الصامتة جزءا من التوزيع: تترك للنص أن يتنفس وتمنع الإشباع اللحني من أن يطغى على الدعاء.
تكرار الجملة الموسيقية في اللحن كان موجودا، لكنّه تكرار بالمعنى: كل عودة تحمل تفصيلة جديدة في الدينامية أو الذروة.
كان أداء ياسمين الخيام متسقا وكأنها تغني من أوتار روحها الصوتية وليس حنجرتها، أداء خالٍ من الضغط. أثر التربية القرآنية من قبل والدها محمود خليل الحصري واضح في أدائها. الحروف الساكنة مسموعة، المدود مقدّرة لا مُسرفة، الاختيار المقامي يناسب خامتها ويضمن استقرار الطبقة عبر العمل. هذا يخلق قوسًا تنفسيًا: بداية ساكنة، تمدّد في الذكر، وقفة معنوية، ثم استئناف. تتسع قليلًا عند الذروة ثم تعود للحياد بسرعة؛ انضباط لا استعراض.
أما قلة التطريب المرسل في اللحن فهي متعمّدة: المعنى أولًا. الزخرفة تشرح لا تُبهر.
وهكذا يبدو اللحن باهرًا دون استعراض، عمل وجداني المعمار؛ بهاؤه من الصدق البنائي لذلك تتم استعادته بعد أكثر من نصف قرن في كل احتفال بالمولد النبوي الشريف.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة
- تحبّ السياسة لأنها تحبّ الناس
- الراحل هيثم الزبيدي شاهد على العَصرِ الرابع
- زوكربيرغ يسوّق لصناعة المشاعر
- لعنة العراق أم متلازمة صدام!


المزيد.....




- آنا وينتور تدلي برأيها الحقيقي في فيلم -الشيطان يرتدي برادا- ...
- فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
- هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
- فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا ...
- طالبان وتقنين الشعر.. بين الإبداع والرقابة
- خطأ بالترجمة يسبب أزمة لإنتر ميلان ومهاجمه مارتينيز
- فيلم -هند رجب- صرخة ضمير مدويّة قد تحرك العالم لوقف الحرب عل ...
- خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
- فنانون عالميون يتعهدون بمقاطعة مؤسسات إسرائيل السينمائية بسب ...
- الترجمة بين الثقافة والتاريخ في المعهد الثقافي الفرنسي


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف