فريدة رمزي شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 00:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ـــــ ما علاقة الكنعانيين بالفلسطينيين الأصليين:
لو سألنا من هما كَنْعَانُ وفِلِشْتِيمُ وما علاقتهما بهذه الأرض الكنعانية، سنجد أن كَنْعَانُ هو الابن الأصغر لحام الذي نظر لعورة جده نوح وذهب وأخبر والده، فلعن نوح حفيده كنعان:
« فَقَالَ: مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ» ــ تك 9: 25.
خصوصاً أن نسله أصبحوا من الشعوب والقبائل الوثنية، فكانت تلك اللعنة التي حلت بكنعان وذريته لعنة العبودية « التكوين 9: 18-27»، فخرج كَنْعَانُ وسكن في « أرض الميعاد» وتسمت الأرض على إسمه، ثم تسمت فيما بعد « أرض اليبوسيين» ثم تسمت « أورشليم» وهي التي سماها أشعياء بالتوراة أرض عمانوئيل: « بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ» ــ إش 8: 8 نبوءة عن أنها الأرض التي سيتم عليها خلاص المسيح عمانوئيل بحسب النبوءات .
وفي بعض الأحيان يطلق اسم كَنْعَان على كل الشعوب والقبائل في منطقة فلسطين. وتُظهِر الآثار أن اسم كَنْعَان كان يُستخدم بشكل حصري وشائع تقريبا خلال القرنين الـ16ق.م. للقرن الـ12 ق.م. ليختفي الاسم عملياً بعد هذه الفترة من احتلال الموجة الثانية من الفلسطينيين الكفتوريين من جزيرة كريت والمعروفين تاريخياً بشعوب البحر، ويتوافق هذا مع التفاصيل والأحداث التوراتية. رغم أن الوجود الكنعاني إستمر إلى حد كبير خلال القرون القليلة التالية، قبل أن يُطردوا أخيراً.
ــــ أما فِلِشْتِيمُ: ابن كسلوحيم ابن مصرايم ابن حام، فهاجر إلى أرض عمه كَنْعَانُ. والفلسطينيين الأصليين هم نسل فِلِشْتِيمُ الذين كانوا موجود زمن إبراهيم وتعاهد مع ملكهم أبيمالك وقطعوا ميثاقهم عند بِئْرِ سَبْعٍ «تك21: 27؛ 31؛ 32»
ـــــــ مواصفات سكان فلسطين الأصليون :
كانوا قوم طوال القامة أقوياء، يتألفون من العناقيين (يش 11: 21-22) والرفائيين (تك 14: 5) والإيميين والزمزميين والحوريين (تث 2: 10- 23). وبقيّ من هؤلاء السكان الأصليين بقايا حتى زمن المملكة العبرية والملك داود (2 صم 21: 16- 22).
كنعان ابن حام وفِلِشْتِيمُ حفيد أخيه مصرايم، خرجوا من مصر بعد الطوفان وقت تقسيم أمم العالم القديم. كل هذه القبائل الكنعانية والفلسطينية أصولهم حامية أفريقية وليست عربية لأن العرب من نسل سام، ولا توجد أي سجلات تاريخية أو سياسية تثبت أن كنعان وفِلِشْتِيمُ جاءوا من نسل العرب أو أن هويتهم كانت عربية. لا هوية ولا لغة ولا ثقافة ولا عِرقية ولا جغرافية !
ــــ أما العرب لم يظهروا في التاريخ قبل منتصف القرن التاسع ق.م. حين ظهر لأول مرة اسمهم كإشارة في سجلات الآشوريين، حين سكنوا أجزاء من بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وشمال الجزيرة العربية. وأتي ذكرهم لأول مرة في« معركة قَرقُور - قرقر» للملك الآشوري « شلمنصر الثالث» سنة 853ق.م. وهي معركة وقعت شمال غرب سوريا، وقام بتسجيلها حوالي سنة827–824 ق.م. على « المسلة السوداء » والمحفوظة بالمتحف البريطاني، والمذكور فيها أيضا الملك آخاب ملك إسرائيل، وهي أول إشارة تاريخية أيضا للملك آخاب ولإسرائيل من خارج الكتاب المقدس.
يقول النص على المسلة: ( 1000 جمل من جندبو العربي ).
وجندبو أو جنديبو كان ملك عربي من مملكة قيدار، تقع في الأجزاء الشمالية الشرقية من الأردن الحالي.
والمقصود بلفظة «العربي» أي البدوي الذي من البدو، لكن العرب لم يكونوا يمثلون عِرقية ولا قومية في ذلك الوقت بل اسم أطلقه الآشوريين على البدو الرُحل من سكان الخيام .
ــــ وهنا نجد تفسير لعلاقة النسب المتداخلة بين الكنعانيين والفلسطينيين الأصليين الذين تعامل معهم إبراهيم وإسحاق والذين ذكروا في سفر التكوين وسفر يشوع؟!:
«هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الْبَاقِيَةُ: كُلُّ دَائِرَةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَكُلُّ الْجَشُورِيِّينَ. مِنَ الشِّيحُورِ الَّذِي هُوَ أَمَامَ مِصْرَ إِلَى تُخُمِ عَقْرُونَ شِمَالًا تُحْسَبُ لِلْكَنْعَانِيِّينَ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْخَمْسَةِ: الْغَزِّيِّ وَالأَشْدُودِيِّ وَالأَشْقَلُونِيِّ وَالْجَتِّيِّ وَالْعَقْرُونِيِّ، وَالْعَوِيِّينَ»
ــ يشوع13: 2-3
يذكر يشوع زمن دخول العبرانيين لأرض الميعاد، أن كل «حدود دائرة الفلسطينيين» تُحْسَـــــبُ لِلْكَــــنْعَانِيِّينَ، أي كانت المنطقة مأهولة بالْكَنْعَانِيِّين زمن دخول العبرانيين وقبل أن يأتي الفلسطينيون الكفتوريين من كريت ويبيدونهم.
وقوله: «كل دائرة الفلسطينيين»: أي المنطقة المحيطة بالجنوب الشرقى للبحر المتوسط والتي سكنها الفلسطينيون الأصليين الأوائل فتعتبر أرض الْكَنْعَانِيِّين.
«العويين» : الذين سكنوا قرب غزة وأُعتبِروا قبيلة من الفلسطينيين الأوائل ثم من الكنعانيين، وهم الذين تم غزوهم من «الفلسطينيين الكفتوريين» اللاحقين، في موجة الهجرة الثانية بالقرن الـ12ق.م.
بعد رجوع بني إسرائيل من مصر لأرض الميعاد، تم إبادة الفلسطينيين الكفتوريين تدريجياً وهؤلاء كانوا ألد أعداء بني إسرائيل حتى السبي البابلي:
«وَالْعُوِّيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي الْقُرَى إِلَى غَزَّةَ، أَبَادَهُمُ الْكَفْتُورِيُّونَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ كَفْتُورَ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ» ـــ تثنية2: 23
ــــــ في أيام يشوع ابن نون تركز الْكَنْعَانِيِّين في المناطق الساحلية: «جميع ملوك الْكَنْعَانِيِّين الذين على البحر» ــ يش 5: 1،
وجاء ذِكر الكنعانيين في إشارات بالسجلات التاريخية:
1 ــ ذُكر الْكَنْعَانِيِّين في ألواح مملكة ماري في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
2ــ ذُكرت أرض كَنْعَان مرة أخرى، على تمثال إدريمي، وهو ملك حَكَم ما تعرف بحَلَب حاليًا، وإضطر إلى الفرار إلى كنعان بعد خلعه.
3ــ ذُكِر الْكَنْعَانِيِّين في لوح ممفيس من عهد الملك أمينوفيس الثاني فرعون مصر (حوالي عام 1440ق.م.) من الأسرة الـ18، وفي زمن هذا الملك كانت كلمة «كَنْعَانِيِّين» تستخدم للدلالة على الفلسطينيين الأصليين، وهم «الفلسطينيين الْكَنْعَانِيِّينَ » كما ذكرهم يشوع.
4ــ في رسائل تل العمارنة (في القرنين الـ14، 13ق.م.) كانت كَنْعَان خاضعة لفرعون مصر! وكانت حدود كنعان - عند المصريين - تمتد من غزة جنوبًا إلى أطراف سلسلة جبال لبنان شمالًا. وتصف الرسائل مجموعة شرسة من «البدو» يغزون كَنْعَان، واسمهم « هابيرو - أبيرو» ، كان هؤلاء الحكام الْكَنْعَانِيِّونَ خاضعون لملك مصر ويستغيثون به، ويرون أرضهم تُستولي عليها تدريجيًا جماعة هابيرو، وكانوا في أمَسّ الحاجة إلى مساعدة فرعون مصر.
5ــــ بعد عودة العبرانيون لأرض كَنْعَان، أصبحت كل أرض كنعان أرض أسباط إسرائيل الإثني عشر. بعد أن إمتلك يشوع الأرض التي أعطاها الله له، بدأ الكتاب المقدس يشير إلى تلك المنطقة على أنها ملك لإسرائيل بأشكال مختلفة مثل:
«جبل إسرائيل» ــ يش11: 16؛
«أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ـ يش11: 22؛
« مُلْكِ إِسْرَائِيلَ»ـ قض 20: 6 ؛
«أرض إسرائيل» ـ1صم 13: 19؛ 1 أخبار 22: 2؛ مت 2: 20؛ «أراضي إسرائيل» ـ1صم 27: 1،
« الأرض التي أعطيتهم إياها» ـ1مل 9: 7 ؛
«أرضهم» ـ إرميا 12: 4.
الله نفسه يسميها «الأرض المقدسة» وهي إلى جانب أورشليم، تنتمي إلى «يهوذا أي اليهود» ــ زكريا 2: 12
وتُسمى « أرض يهوه - أي أرض الرب»ــ هوشع 9: 3
حتى بعد إنقسام المملكة إلى شمال وجنوب في القرن العاشر قبل الميلاد حوالي سنة 931ق.م.، بعد حكم سليمان، كان الشمال يُعرف باسم « إســــرائيل» و «السامرة» ــ1مل 16: 29.
بينما كان الجنوب يُعرف باسم «يهوذا» ــ 1مل 14: 21،
وكان اسمها «أرض العبرانيين» ــ تك 40: 1،
وكذلك عُرفت بـ «أرض الموعد» في الإنجيل في عبرانيين 11: 9.
وكان الرب بنفسه يقود اليهود إلى هذه الأرض، ويطرد الكنعانيين من أمامهم:
« وَأَنَا أُرْسِلُ أَمَامَكَ مَلاَكًا، وَأَطْرُدُ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.»
ــ خر 33: 2.
بعد الإستيلاء على الأرض بقيادة يشوع، أصبحت «أرض كنعان» ملكاً وتحت وصاية إسرائيل:
«فَهذِهِ هِيَ الَّتِي امْتَلَكَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ » ــ يش 14: 1
ـــــ عند خروج اليهود من مصر قال الرب لموسى أن هناك سبعة شعوب كَنْعَانية سوف يطردهم الرب من أمامه:
«مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا، وَطَرَدَ شُعُوبًا كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ،» ــ تث 7: 1
أما هذه الشعوب الكنعانية السبعة التي كانت تقيم غرب كَنْعَان، فعلا أبيدت تدريجياً بأسراب من الزنابير السامة، وأيضاً عبر العديد من الحروب وتم هذا ببطء كوعد الرب لموسى:
« وَلكِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَطْرُدُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكَ قَلِيلًا قَلِيلًا. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفْنِيَهُمْ سَرِيعًا، لِئَلاَّ تَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ.وَيَدْفَعُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ وَيُوقِعُ بِهِمِ اضْطِرَابًا عَظِيمًا حَتَّى يَفْنَوْا.» ــ تث 7:22، 23
ــ « وَأُعْطِيكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مُدْبِرِينَ. وَأُرْسِلُ أَمَامَكَ الزَّنَابِيرَ. فَتَطْرُدُ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكَ. لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلاَّ تَصِيرَ الأَرْضُ خَرِبَةً، فَتَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. قَلِيلاً قَلِيلاً أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ إِلَى أَنْ تُثْمِرَ وَتَمْلِكَ الأَرْضَ. وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ الأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ»
ــ خروج23: 28، 31
ولي تكملة في جزء ثالث عن الكنعانيين وقبائلهم ومن هم العناقيون العمالقة.
#فريدة_رمزي_شاكر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟