فريدة رمزي شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 22:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفكرة الحاسمة للكنيسة الأولى عن الدينونة هي أن الدينونة الأخيرة ستكون عامة. يتوافق هذا مع الفكر المسيحي الأساسي القائل بأن البشر ــ الأحياء والأموات على حد سواء ــ مرتبطون معًا في «حياة شركة لا تنفصم» السمائيين مع الأرضيين ؛ وأن جماعة المؤمنين « الكنيسة الأرضية والسماوية معاً» هم جسد المسيح الواحد الذي ستستعلن فيهم مملكة ملكوته.
ــــ دار جدلٌ حول وجود ما يُسمى بالفلسفة المسيحية، فالمسيحية ليست نظاماً فكرياً، بل طريق للخلاص، طريق بدايته من هنا على الأرض وممتد للحياة السماوية.
في الأناجيل والرسائل الرسولية، فإن مسمى « الأبدية» هي في المقام الأول تسمية زمنية، للتعبير عن النقيض من حياة هذا العالم، فالحياة الأبدية ليس لها زمن لتموت وتنتهي. ومع ذلك، فهي في جوهرها حياة وفقًا لنوع أبدية الله - أي حياة كاملة، تشارك في مجده ونعيمه :
« أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِء.. شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ.» ــ رومية 2: 7، 10
وبالتالي فإن « الحياة الأبدية» بالمعنى المسيحي ليست متطابقة مع «خلود الروح»؛ بل يجب فهمها فقط فيما يتعلق بتوقع القيامة. والقيامة من بين الأموات تؤدي إلى الدينونة، ويمكن أن يعني قرارها أيضًا العقاب الأبدي:
« فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» ــ متى 25: 46
كذلك نقيض الحياة الأبدية ليس الحياة الأرضية بل الموت الثاني الأبدي أي الموت الروحي.
الحياة الأبدية هي حياة شخصية، وفيها يتحقق جوهر الإنسانية المخلوقة على صورة الله. في الحياة الأبدية اختلافات. ففي الحياة الحاضرة، تختلف المواهب والواجبات والمسؤوليات، وإتساع الحياة وطولها، كما تختلف الأجور بحسب العمل، وتضحية المعاناة ، والتجربة:
«وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ.» ــ1كورنثوس3: 8
وبالمثل، يُميّز القائمون من بين الأموات في الحياة الأبدية بحسب مجدهم:
«مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ.هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ.» ــ1 كو 15: 41- 42
ــــ كيف ستكون الخليقة الجديدة؟
كما هو الحال مع السماء، فإن العديد من أسئلتنا حول الخليقة الجديدة لم تتم الإجابة عليها كاملة في الكتاب المقدس. لدينا الأسباب للاعتقاد بأنها ستكون روحية مادية، ولكن حتى هنا يتطلب الأمر الحذر.
ستكون هناك صلة عضوية بين جسدنا المادي الحالي وجسد قيامتنا على صورة جسد المسيح. ومع ذلك، سيكون هناك أيضًا تحول جذري في أجسادنا عند القيامة.
يوضح بولس كل من الاستمرارية وعدم الاستمرارية في أجساد قيامتنا بإستخدام صورة تحول البذرة إلى نبات كامل النمو:
لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ؟ وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟»..وَالَّذِي تَزْرَعُهُ، لَسْتَ تَزْرَعُ الْجِسْمَ الَّذِي سَوْفَ يَصِيرُ، بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً، رُبَّمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ أَحَدِ الْبَوَاقِي.38 وَلكِنَّ اللهَ يُعْطِيهَا جِسْمًا كَمَا أَرَادَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبُزُورِ جِسْمَهُ. لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا، بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ، وَلِلسَّمَكِ آخَرُ، وَلِلطَّيْرِ آخَرُ.40 وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ...لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ.42 هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ.43 يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ.44 يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ.45 هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا».46 لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ.
ـــ1كورنثوس 15: 35-49
إنه نفس الجسد الذي يُقام، ومع ذلك فهو أكثر بكثير من مجرد الجسد الذي عاش في الخطيئة والموت، إنه جسد مجيد وقوي لا يفنى .
ــــ تُبيِّن لنا رسالة رومية8: 18-25:
« فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.19 لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ.
20 إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا - عَلَى الرَّجَاءِ.21 لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ 22 فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ.23 وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا.24 لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟25 وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ.»
أن العالم الحاضر بما هو عليه من فساد بسبب السقوط، سيُعتق في اليوم الأخير من عبودية الفساد وينال حرية مجد أبناء الله :
« لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ » ــ رومية 8: 21
ستكون الخليقة الجديدة روحية محسوسة، بسماوات جديدة وأرض جديدة « إشعياء 65: 17 »:
«لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال.»
« لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ الْجَدِيدَةَ وَالأَرْضَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ، هكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَاسْمُكُمْ.» ــ أشعياء 66: 22
« وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ.» ــ 2 بطرس 3: 13
لكن الإعلان الكتابي لا يسلط الضوء على التركيب والشكل المادي المحسوس للخليقة الجديدة، أو وجود أو غياب الأنشطة الأرضية الدنيوية التي نتمتع بها في هذا العصر.
بل التركيز ينصب على الحقائق الروحية للخليقة الجديدة:
مثل شفاء ويلات الخطيئة بين الأمم، وغياب الأشياء الملعونة بالخطيئة، والأهم من ذلك، رؤية المسيح وعبادته وتمجيده وتسبحته وجهًا لوجه، والإبتهاج بأن وجهه المحب يشرق علينا ( رؤيا 22: 1-5 )
«وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ..شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ.3 وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ.. وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ.5 وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ»
لقد قيل لنا فقط ما نحتاج إلى معرفته عن طبيعة الخليقة الجديدة لتحفيزنا الآن في زمننا الحاضر. مع هذه المعرفة يجب أن نرتاح، ونضبط مخيلاتنا وفقاً لما الإعلان عنه وكشفه لنا في كلمة الله من أسراره :
« السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، وَالْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا إِلَى الأَبَدِ» ــ تث 29: 29
«أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ.» ــ1كورنثوس 4: 6
ـــــ المجد في أنتظارنا:
في 1كورنثوس 2: 9 ، يكتب الرسول بولس عن السماء:
«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».
في هذه الآية، نرى كم أن الصور الكتابية للسماء، وقيامة الجسد، والخليقة الجديدة، على عظمتها، لا تفي بوصف المجد الذي ينتظر المؤمنين بعد الموت. في النهاية، لا يسعنا إلا أن ننضم إلى بولس في دهشتنا من النعيم الأبدي الذي ينتظر الأبرار عندما نرى مخلصنا وجهًا لوجه لأول مرة.
السماء، كالله نفسه، عالمٌ نفهمه حق الفهم ، ومع ذلك نعجز عن فهمه فهماً كاملًا كما كتب الرسول يوحنا:
« أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» ــ1 يو 3: 2
سنتغير حقًا «1كورنثوس15: 51، 52 »:
«هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ.».
وفي تلك اللحظة المجيدة نفسها: «وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ» ــ رؤ 21: 4
#فريدة_رمزي_شاكر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟