أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - عندما يرفع القبو














المزيد.....

عندما يرفع القبو


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 14:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العراق، تُعاد المسرحية كل أربع سنوات. تُنصب خيام الدعاية كما تُنصب السرادق في مآتم متكررة، تُصاغ الشعارات كما تُصاغ الأكاذيب في مصانع الأوهام، تُشحذ الهمم لأغراض الغنيمة، وتُنهب خزائن الدولة بيدٍ ممدودة ووجهٍ مطلي بالابتسامات. فجأة يتوقف الحياء عن أداء وظيفته، ويُطوى العيب في جيب السترة الرسمية. يتصالح الأعداء كما لو أن الدم لم يُسفك بالأمس، ويتخاصم الأخوة كأن بينهم ثارات منذ واقعة الطف، ويعود الاجتثاث أداة إزاحة مثل شبح يعرف طريقه جيدًا في الظلام، يتعاظم الكذب حتى يصبح الدستور غير المكتوب للسياسة، وتُطلق وعود التوظيف والكهرباء والرفاه كالألعاب النارية: لحظة بريق مبهر ثم رماد. تُقام الولائم تحت عناوين الثواب، وتُحلل المحرّمات باسم المصلحة والدين، وتُعاد كيّ البدل العسكرية ليتباهى أصحابها بالتهديد والتشريع تحت فوهة البندقية. ثم تنفلت ألسنة لتوزع الشتائم بلا حساب، وتبتكر المصطلحات الغوغائية كما لو كانت علامة تجارية مسجَّلة للحملات الانتخابية. أما التهديد بامتلاك الدولة وجرّ الدماء "حتى الخشم" فقد صار لازمة انتخابية لا يكتمل العرض بدونها.
لكن الحقيقة أبسط وأمرّ: ما هذه الجلبة إلا روائح عفنٍ مخزونة في "سبتتنگ" الوعي الجمعي، مغطاة بذلك الغطاء الذي يسمى "القبغ". وما أن يقترب موسم الانتخابات حتى يُرفع بقدرة قادر لتتسرب الروائح الكريهة التي ظلت حبيسة. إنها دورة حياة لنوع من العفن السياسي، تذكرنا بأصلها الذي يعود إلى نوري السعيد، حين شبّه نفسه ذات يوم بالقبغ؛ قال إن خصومه إذا أزاحوه، فلن يطلقوا سراح الحرية كما يتوهمون، بل سيحررون روائح العفن المتراكمة في السبتتنگ. كان يراها سخريةً تحمي حكمه، لكنها صارت لعنةً تتكرر في تاريخنا السياسي؛ فما أكثر من رفعوا القبغ وما أقلّ من نظّفوا ما تحته.
تلك الروائح لم تعد حكرًا على سياسيي الزمن الحالي الذين امتلأت صدورهم وخزائن وعيهم بالنتن، بل امتدت عدواها إلى كثير من أبناء الشعب. باتوا يرفعون هم أيضًا قبغهم الخاص، يتفاعلون مع روائح السياسة كأنها بخور مقدّس، يتنشقونها بإخلاص، ثم يعيدون إنتاجها تفاهةً وذلًا، ويقفون على الأسوار يهتفون "هيهات منا الذلة"، وكأنهم شركاء في صناعة العفن لا ضحايا له.
هكذا تحولت الانتخابات عندنا من وسيلة لبناء الدولة إلى آلة لتدوير الروائح، ذراع لرفع القبغ، مناسبة دورية لتنفيس الغازات الراكدة في هواء الوطن. وما رفعه كل أربع سنوات إلا جرس إنذار متكرر، يذكّرنا بأن الجرح لم يندمل، وأن العفن يواصل تكاثره في قيعان وعينا. وإن لم نفتح باب إصلاح ذواتنا أولًا، ونكسر دورة التفاعل مع تلك الروائح النتنة، فسندور في الدوامة نفسها إلى أن نصبح نحن جزءًا من تلك الرائحة. والأسوأ أننا قد نصل يومًا لا نعود نفرّق فيه بين عبق الحرية ورائحة العفن، من فرط ما ألفنا التنفس في جوٍّ خانق.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الأديرة إلى المصانع… حكاية شراب مثير للجدل
- من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة
- بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله


المزيد.....




- مسلح بساطور يواجه عددا من ضباط الشرطة داخل متجر -وول مارت-.. ...
- صربيا.. الشرطة تقمع مظاهرات حاشدة تطالب بإقالة الرئيس بالغاز ...
- إلهام شاهين وليلى علوي وإيناس الدغيدي يحتفين بعودة أنغام
- شرطة عُمان تعلن ضبط وتسليم متهم مطلوب للإمارات وتكشف ما فعله ...
- الجيش الإسرائيلي يدمّر برجاً جديداً في غزة، والإعلام الحكومي ...
- تراشق كلامي حاد.. نتنياهو يتهم مصر بـ-حبس- الغزيين والقاهرة ...
- ما وراء تشدد بوتين في حرب أوكرانيا؟
- ترامب يحذر كاراكاس ومادورو يعلن استعداد بلاده -للكفاح المسلح ...
- مصر تؤكد أن -مسألة التهجير خط أحمر- وسط دعوات إسرائيلية لإخل ...
- إعلام إسرائيلي: حكم غزة عسكريا كارثة والتصعيد يهدد حياة المخ ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد العبيدي - عندما يرفع القبو