أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ادم عربي - ميكانيكا الكم والجدل الماركسي!














المزيد.....

ميكانيكا الكم والجدل الماركسي!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 02:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بقلم : د . ادم عربي

لا تُولد الثورات العلمية في فراغ، بلْ تنفجر حين تضيق النظريات القائمة عن تفسير الواقع. هكذا جاءت ميكانيكا الكم، لا لتضيف تفصيلاً صغيرا ًإلى فيزياء نيوتن، بلْ لتقلب الطاولة على مفاهيم الحتمية واليقين التي ظن الإنسان أنّه أحرزها نهائيا. لقد انكسرت صورة الكون كآلة منتظمة التروس، وانتقلنا إلى عالم تتلاطم فيه الاحتمالات، ويُصبح فيه الجسيم الواحد في أكثر من حال ومكان في آن واحد في عالم الجسيمات الذرية.
في مطلع القرن العشرين، بدأت شقوق الحتمية الكلاسيكية بالظهور:
بلانك اضطر سنة 1900 إلى افتراض أن الطاقة لا تنبعث متصلة بل على شكل "كمّات".
أينشتاين أوضح في 1905 أن الضوء يمكن أن يتصرف كجسيمات (فوتونات)، لينقض التصور الموجي الخالص.
يمكننا توسيع هذا التوصيف قليلا، فنقول إنَّ لكل جسيم أولي جسيماً مضاداً له؛ فالإلكترون مثلاً يقابله البوزيترون، بينما الفوتون لا ضديد له سوى الفوتون نفسه. ونجد أنَّ الإلكترون والكوارك يمتلكان "كتلة سكونية"، أي كتلة تظل ملازمة لهما حتى في حال توقّفا التام عن الحركة. أمّا الفوتون، فلا يملك سوى "كتلة حركية"، فإذا توقف عن الحركة تماماً زالت كتلته، وبالتالي تلاشى وجوده. كما أنَّ الحركة بحد ذاتها تضيف مقدارا إضافيا من الكتلة إلى كل جسيم ذي "كتلة سكونية". وعند التقاء جسيمين متضادين لهما كتلة سكونية، مثل الإلكترون والبوزيترون، يتحولان إلى طاقة خالصة. في المقابل، إذا تصادم فوتونان، فإن النتيجة تكون تكوين جسيمين متضادين جديدين يحملان "كتلة سكونية".
بور رسم نموذج الذرة حيث لا تدور الإلكترونات كيفما شاءت، بل تقفز بين مدارات محددة.
ثم جاء شرودنغر بهاجسه الموجي، وهايزنبرغ بمبدأ الريبة، وبوهر بتفسير كوبنهاغن. ومنذ ذلك الحين دخلنا فضاءً جديداً، حيث لا يُفهم الواقع عبر "إما هذا أو ذاك"، بل عبر "كلاهما معاً".
تخيّل أنّك تحاول أنْ تكون في مكانين مختلفين في اللحظة نفسها، هل هذا ممكن؟
من هنا يمكننا الوصول إلى تعريف فلسفي للحركة؛ فهي تقوم على تناقض جوهري، إذ لا يمكن فهمها حقاً إذا تجاهلنا هذا التناقض. فمن منظور فلسفي، الجسم المتحرّك يوجد في اللحظة ذاتها في مكانٍ ما، وفي الوقت نفسه لا يوجد فيه؛ أو في اللحظة نفسها، يكون ولا يكون، في الموضع أو الموقع نفسه. وهذا التناقض بالذات هو أساس وجوهر الحركة في المكان.
من الناحية الفلسفية، وخاصةً من منظور الجدل، يمكن فهم الحركة في المكان على أنّها شكلٌ من السكون تمّ نفيه، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ به. فالحركة هي نتيجة هذا النفي وهذا الاحتفاظ معاً. أي إنَّ الحركة والسكون ضدّان يجتمعان في وحدةٍ لا تنفصل، ويستمران في صراعٍ دائم يولّد الحركة ذاتها.

الإلكترون ليس هنا أو هناك، بل هو احتمال أن يكون هنا وهناك معاً.
الدالة الموجية لا تقول "المكان"، بل تقول "الاحتمال".
والتراكب الكمي يعني أن الجسيم يمكن أن يوجد في حالتين متناقضتين حتى لحظة القياس.
كأن الطبيعة تسخر من منطق أرسطو الذي يقضي بأن "الشيء لا يمكن أن يكون هو ونقيضه في اللحظة نفسها".
أمثلة عملية على التناقض الكمي:
تجربة الشق المزدوج (Double-slit experiment):
حين يُطلق شعاع من الإلكترونات عبر شقين صغيرين، يظهر على الشاشة خلفهما نمط تداخل موجي، كأن الإلكترون مرّ من الشقين معاً. لكن إذا وُضع كاشف لمعرفة أي شق عبره الإلكترون، يختفي التداخل ويبدو كجسيم عبر شق واحد. أي أن الإلكترون هو "موجة وجسيم" في الوقت نفسه، وينفي أحدهما ويحتفظ به.
مبدأ الريبة لهايزنبرغ:
لا يمكن تحديد موقع الإلكترون وسرعته بدقة في لحظة واحدة. إذا دقّقنا في "المكان"، فقدنا "الزمن"، وإذا دقّقنا في الحركة فقدنا السكون. هذا تجسد مباشر لقانون التناقض: معرفة الشيء كاملاً تعني أن نراه وهو ينقسم إلى نقيضين متصارعين.
النفق الكمي (Quantum tunneling):
الإلكترون أحياناً "يعبر" حاجزاً طاقياً لا يفترض منطقياً أن يتجاوزه. إنه "محبوس" و"غير محبوس" في الوقت نفسه. هذه الظاهرة ليست وهماً بل تُستخدم اليوم في الإلكترونيات (كما في الترانزستورات والمجاهر النفقيّة).
هذه التجارب ليست ألعاباً عقلية، بل واقع مادي ملموس يؤكد أن الطبيعة تحمل التناقضات في صميمها.
الجدل الماركسي: الحركة نفي وإبقاء
الماركسية ترى الحركة على أنها وحدة وصراع الأضداد. السكون ليس نقيض الحركة فحسب، بل هو شكلها الآخر. الشيء لا يُبطل نقيضه، بل يحمله في داخله ويتحدان معاً اتحاد لا انفصام فيه.
وهنا نستذكر قول إنجلز في ديالكتيك الطبيعة:
"الحركة نفسها تناقض، حتى في أبسط أشكالها: الجسم في لحظة معينة موجود في مكان واحد، وفي الوقت نفسه هو في مكان آخر. إنه في المكان نفسه ولا يكون فيه. هذا بالضبط هو التناقض في الحركة".
وهذا ما صاغه ماركس في إحدى مسوداته حين كتب:
"التناقض هو جوهر كل حركة وحياة؛ وبدونه، لكان كل شيء ميتا".
أما تروتسكي فقد أوضح في الدفاع عن الماركسية:
"الديالكتيك لا ينكر التناقضات، بل يعترف بها في كل مظاهر الطبيعة، والمجتمع، والفكر. إن محاولة إلغاء التناقضات أو تجاهلها هي إنكار للحياة ذاتها".
ويأتي لينين ليُرسّخ هذا المبدأ في الدفاتر الفلسفية:
"إن الانقسام إلى نقيضين، ومعرفة أجزائهما المتناقضة، هو جوهر الديالكتيك".
بهذا المعنى، فإن ما يكشفه الإلكترون في حالة التراكب أو النفق الكمي هو نفسه ما يقوله الجدل: إن الطبيعة تُبنى على تضاد داخلي، هو محركها وباعث تحولاتها.
لم تكتفِ ميكانيكا الكم بزعزعة الفيزياء، بل هزّت أيضًا يقيننا الفلسفي. لقد أثبتت أن الواقع أعمق من أن يُختزل في ثنائيات جامدة. التناقض ليس لغزاً يجب حذفه من الفكر، بل هو جوهر الطبيعة نفسها.
هنا يتعانق العلم والفلسفة: في أعماق الذرة، كما في مجرى التاريخ، لا تسير الحركة بخط مستقيم، بل تتقدّم عبر صراع الأضداد. وهكذا يلتقي الإلكترون بجدل ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي: كلهم يُعلنون أن الكون لا يُفهم إلا بوصفه نسيجاً من التناقضات .



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوسيولوجيا -الآلة-
- حرية التعبير.. حق أم وهم؟
- متى ينقشع ضباب التدين عن صراعنا الواقعي؟
- الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!
- مقال قديم لاينشتاين!
- في الإرادة!
- الحياةُ هي أيضاً فلسفة!
- قليلٌ من الجدل!
- جدار من وهم!
- معارضون ضد الشعوب!
- سعيُّ الرأسماليين وراء الربح الإضافي!
- ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!
- العقد شريعة الأقوياء!
- خرائط بلا أرض!
- حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!
- ضحكتْ عليه امرأة !
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!


المزيد.....




- حزب التقدم والاشتراكية يقدم مذكرته حول إصلاح المنظومة العامة ...
- مذكرة حزب التقدم والاشتراكية حول إصلاح المنظومة العامة المؤ ...
- المكتبي السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي:بلاغ نعي وتعزي ...
- 60 سنة على صدور أطروحة إدريس البصري “رجل السلطة”: ما الذي تغ ...
- احتجاجات تعم إندونيسيا بعد مقتل عامل توصيل تحت مدرعة شرطة
- احتجاجات حاشدة تهز إندونيسيا
- رسالة جديدة لأوجلان من سجنه في تركيا: دعوتنا للسلام ليست مجر ...
- فلسطين والسودان ولا مبالاة الشمال العالمي
- رائد فهمي يلتقي الشخصية اليسارية البريطانية البارزة جيريمي ك ...
- آلاف الأستراليين يتظاهرون ضد الهجرة وسط تحذيرات من صعود اليم ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ادم عربي - ميكانيكا الكم والجدل الماركسي!