أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!














المزيد.....

حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 02:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي


مهما لبسنا من أثواب القومية أو الليبرالية أو العلمانية أو اليسارية، تبقى جذور وعينا مشدودة إلى عبس وذبيان. فلا يحتاج أحدنا سوى إلى لحظة استفزاز واحدة، حتى تنبعث من داخله الغريزة الجاهلية القديمة، ويعود أدراجه إلى حضن القبيلة، بكل ما تفرع عنها من أوطان وأحزاب ورايات حديثة.

أتريد أنْ ترى نفسك بلا أقنعة؟ أنْ تكتشف حقيقتك العارية، دون زينة المفاهيم والشعارات؟

الأمر بسيط: راقب ما الذي يُغضبك، ما الذي يفقدك اتزانك ويجعلك تنفجر. تلك اللحظة التي تعمى فيها بصيرتك، ويغلي فيها رأسك ككتلة من لهب، هي لحظة انكشافك الحقيقي. هناك، سترى من تكون حقاً.

في عالم الأمم المتحضرة، لم تعد العصبيات المنفعلة سوى ذكرى في عالم المتاحف؛ أما نحن، فقد حوّلناها إلى متحف حيّ داخلنا، تنكشف ملامحه كلما استُفزّت مشاعرنا، ليغدو هذا الاستفزاز مفتاحاً يكشف المستور فينا ؛ من نحن، وما الذي ننتمي إليه، وما طبيعة وعينا وهويتنا.
نُظهر للعالم وجوهًا مزينة بثقافات وفكرٍ مُستورَد، نحتمي بمفاهيم التحضر والرقي والهوية الإنسانية، لكنها مجرد أقنعة؛ فحين تضيق بنا اللحظة، وينفجر ذلك الجاهلي المختبئ في أعماقنا، نرتدّ سريعاً إلى ما حسبناه ماضياَ منسياً، لكنه لا يزال حياً ينبض في لاوعينا، في مشاعرنا، في جوهرنا الأعمق.

مهما ارتدينا أثواب القومية أو الليبرالية أو العلمانية أو اليسارية، فإنَّ جوهر ثقافتنا لا يزال مشدوداً إلى إرث عبس وذبيان. فكل من اتخذ لنفسه واحداً من هذه الأثواب، أو ما يشابهها من انتماءات حديثة، لا يحتاج سوى شرارة تستفز الجاهلي الراقد في أعماقه، حتى يعود سريعاً إلى حضن قبيلته وموروثه القبلي، بما فيه من انتماء إلى طائفة أو حزب أو وطن.

تَعصّبوا كما شئتم، لكن لا تنحازوا لما فُرض عليكم بالإرث، كالقبيلة أو المذهب، بلْ لما اخترتموه بحرية ووعي ، فكراً يحمل قناعاتكم لا قيدكم، ومعنى يُعبِّر عنكم لا عن ماضيكم.

كلمة العصبية ترتبط في جذورها بكلمة عُصبة ، التي تشير إلى جماعةٍ متماسكة، سواء من البشر أو الحيوانات أو الطير، كما يتجلى في التعبير القرآني: "ونحن عصبة". غير أنَّ العصبية، بمفهومها الاجتماعي، لا تقتصر على مجرد الانتماء إلى جماعة، بلْ تتجاوز ذلك لتصبح حالة من الانحياز الشديد، والدفاع الأعمى عن هذه الجماعة، سواء كان الرابط بينها رابطة دم أو أي شكل آخر من أشكال الانتماء. وهذا النوع من الانغلاق والانحياز يظهر في صور متعددة: كالعصبية القبلية أو العشائرية، أو تلك المبنية على الدين أو الطائفة أو القومية، وهو ما يؤدي إلى التعصّب بكل وجوهه.

التعصّب، في جوهره، سلوك مرفوض حتى لو كان موجّهاً نحو الأفكار التي يتبناها الإنسان. فالمتشبث بأفكاره، وغالباً ما لا تكون هذه الأفكار من إنتاجه الذاتي، بلْ موروثة أو مكتسبة، ومع ذلك يُغرم بها إلى حدّ التعنّت، رافضاً التراجع عنها حتى لو واجه حججاً دامغة تُفندها. إنه أشبه بمن يتبع مبدأ "عنزة ولو طارت"!
ولا تتوهّموا أنَّ التعصّب يلغي وجود الطرف الآخر، بلْ على العكس، فهو يمنحه حضوراً دائماً ولكن في صورة مشوّهة؛ يُعاد إنتاجه كخصم شرير أو كيان شيطاني. وقد يلجأ بعض المتعصّبين إلى استحضار المبررات الدينية لتأطير هذا الآخر في صورة العدو المطلق، مما يُسهّل عليهم استنهاض المشاعر الإيمانية لدى جمهورهم وتحويلها إلى وقود في معركة إقصائه أو استئصاله.

لا تظنّوا، ولو للحظة، أنَّ مجتمعاً تحكمه العصبيات، سواء كانت عشائرية أو قبلية أو دينية أو قومية، ويتعامل مع كلّ من يختلف عنه بوصفه خصما ً أو تهديداً محتملاً ، يمكن أنْ يُخرّج أفرادًا يؤمنون بحرية الرأي إلى الحدّ الذي يجعلهم مستعدّين للتضحية بأرواحهم دفاعاً عن رأي مخالف أو مثل القائل :قد أخالفكَ الرأي، لكنني لن أتردَّد في أنْ أدفع حياتي ثمناً لحرِّية رأيكَ . فمثل هذا المجتمع، المحكوم بالخوف من "الآخر" والعداء له، لا ينتج إلا أولئك الذين يرفعون شعار: من لا ينتمي إلينا ولا يقف معنا، فهو بالضرورة ضدنا وعدونا.

يحمل التعصّب في جوهره معاني الانتماء والانحياز، لكنه لا يختزل فيهما، فهو أعمق وأشد. فكل تعصّب لا بدَّ أنْ ينبع من شعور بالانتماء أو تحيّز لجماعة ما، لكن ليس كل انتماء أو تحيّز يصل إلى حدّ التعصّب. عندما يغمر التعصّب الإنسان، يُعمى بصره وتُغيب بصيرته، يصبح كالغافل عن ذاته، يعادي نفسه بلا وعي أو إدراك. فالتعصّب يقيّد وعيه بحقوقه ومصالحه الحقيقية، ويحرمه القدرة على الدفاع عنها بفعالية. وفي النهاية، يتحول المتعصّب إلى أداة في أيدي الصراعات والحروب، يُدفع إلى ساحات لا تعنيه، ليكون مجرد جنديٍّ في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل، أو حتى هو الناقة وهو الجمل .

سؤال الانتماء يساعدنا في أنْ نُميز بين انتماء حضاري وبين غيره. الفكرة الأساسية هي: هل أنا، كشخص يعيش في القرن الحادي والعشرين، مرتبط بشيء لم أختره ولم أرغب فيه، أم مرتبط بما أختاره وأرغب فيه؟
لم تختر أنْ تكون جزءاً من قبيلة أو جماعة دينية، لكن يمكنك أنْ تختار انتماءً آخر يناسبك ويعبر عنك ويحقق ذاتك.

التعصُّب يرفع بشكل حتمي من درجة العنف والوحشية في علاقتنا بالآخر. فالآخر لا يظهر في عقل المتعصّب إلّا كشبح شرير أو عدو واضح المعالم، نُبيح لنفسنا قتله بفضل ثقافة التعصُّب التي نشأنا عليها وتربينا بها. نقتل الآخر وكأننا ندمر حشرة مؤذية، ثم نُسوّغ فعلنا هذا بأعراف ومعتقدات تلطّف موقفنا وتحفظ لنا شعور الطمأنينة. هذه الثقافة لا قيمة لها إذا لم تُقنع أتباعها ، أي ضحاياها ، بأنَّ الخير كله يكمن في هذا الشر الإنساني، أي في رفض الاعتراف بالآخر وحرمانه من وجوده وحقوقه، باعتباره شيطاناً رجيماَ لا يستحق الرحمة أو الاعتبار.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضحكتْ عليه امرأة !
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!
- مجتمع الحقوق!
- طريقةُ فهم المفاهيم!
- نجوم بلا لهب!
- مفهوم -فاليريزم- (Valerism) كما ورد في كتاب The Physics of C ...
- جدليةُ الإحساس!
- في فلسفة نسبية -الآن-!
- نساء٣
- في الزمن!
- هل رأيت يوماً ذكراً خالصاً؟
- بعضٌ من جدل فلسفة التغيير!
- صرخةُ العدم!
- التفسير المثالي والواقعي للسياسة!
- ما هي الحقيقة من منظور جدلي؟
- فلربما!


المزيد.....




- بعمر 79 عاما.. أمريكية تهجر صخب نيويورك لتعيش الحلم الفرنسي ...
- الرئيس بزشكيان أصيب في الهجوم على مركز القيادة وإسرائيل خططت ...
- استحواذ -نخبوي- على المناصب القيادية العليا.. حتى في ألمانيا ...
- دراسة حديثة: الشمبانزي تتبع صيحات الموضة تماماً كالبشر
- -زلة لسان- ترامب حول لغة رئيس ليبيريا تثير جدلا وحكومة منروف ...
- نتنياهو: إيران لا تزال تحت المراقبة ونظامها في ورطة كبيرة
- وزير الطاقة الإسرائيلي: غزة يجب أن تبقى مدمرة لعقود
- كل الشكر لكل من ساعدنا وتضامن معنا في استعادة منزلنا المحجوز ...
- رسوم ترامب الجمركية الجديدة.. تداعيات وتوعد بالمزيد بحلول ال ...
- -لن يُحاسب-، عندما تفقد عاملات في منظمّات حقوقيّة الإيمان با ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!